arrow-leftarrow-rightaskfmemailfacebookgoodreadsinstagramtwitter
العودة إلى المقالات الإعلامية

الروائي السعودي محمد حسن علوان

التجاوب النقدي مع الرواية السعودية دون المأمول

صحيفة العرب اللندنية

حوار/ محمد الحمامصي

بداية لماذا القندس؟ هل يمثلك باعتبار أنه مهندس وبناء؟ هل يمثل شخصيات عائلة الوجزي؟

سلوك القندس يتقاطع مع السلوك البشري بشكل عام. فالقندس أكثر الحيوانات قدرة على تغيير معالم بيئته، فيقطع الأشجار ويدمر الغابات من أجل أن يبني سده ومسكنه. وهذا تقريباً ما يجره الإنسان على كوكبه من تدمير من أجل أن يشيد مدن الإسمنت والزجاج. وبحسب وجهة نظر بطل الرواية، فإن عائلته تحديداً تتقاطع مع القندس في أكثر من ذلك: الحذر والأنانية والتكاتف المصطنع الذي يبعثه الخوف من الآخر الخارجي وليس الحب المتبادل بين أفراد العائلة.

أي من العالمين أقرب لدلالة القندس في التشكيل الروائي للفكرة الأساسية للرواية رياض السعودية أم بورتلند الأمريكية؟

المفارقة كلها تكمن في المقاربة بين سلوك حيوان نهريّ يعيش في بورتلند مع عائلة سعودية تعيش في الرياض. وبشكل عام، استخدام القندس كدلالة على سلوك اجتماعي لا يمكن فرضه على مجتمع بأسره، ولكن يمكن ذلك على عوائل بعينها في إطار محدد.

إشكاليات ملتبسة اجتماعية ونفسية في العلاقة بين غالب وغادة وبين غالب وأسرته وبين أفراد الأسرة نفسها تلقي انعكاسات واضحة على المجتمع السعودي، هل أردت التأكيد على أزمة هذا المجتمع؟

المجتمع السعوديّ ليس مأزوماً بالكلية، بل يعاني قدراً من التأزيم لا يختلف عن المجتمعات الأخرى. ومن يقرأ روايات أوربية أو أمريكية ثم يحاول إسقاطها على حالة مجتمع بأكمله فسيقع حتماً في إشكالية تعميم غير منضبط. الرواية تحمل مرآة أمام أحد مشاهد المجتمع وليس على مجتمع بأسره، ورواية (القندس) تحديداً لا تزعم أبداً أنها تفسّر مجتمعاً كبيراً ومتنوعاً كالمجتمع السعودي، تختلف فيه كل عائلة عن الأخرى، بل تتناول حالة معينة في مجتمع معين.

لماذا لم تعمق الأسباب وهي كثيرة التي جعلت المجتمع السعودي في جانب كبير منه مجتمعا مأزوما؟ هل كنت تخشى المواجهة؟

إلحاقاً بإجابتي السابقة، فإني لا أفترض تأزم المجتمع السعودي ولكني أفترض أنه كغيره من المجتمعات يعاني من بعض الأزمات أثناء نموه الحضاري، والرواية تحاول التقاط جزء من أزمة تمثله عائلة من مجتمع، ولقد حاولت جهدي أن أضع محاور الأزمة تحت المجهر السرديّ دون أن أقع في المباشرة التي تتعارض مع الشروط الفنية للرواية ودون أن تبدو كوصاية من الروائي على مجتمعه.

هل يمكن اعتبار عائلة الوجزي نموذجا للمجتمع المأزوم عربيا وليس سعوديا فقط؟

بل وعالمياً. فعائلة الوجزي قد يكون لها مثيلات في العالم العربي بل وفي العالم بأسره. فمشكلة عائلة الوجزي هي التفكك الأسري وغياب التوادّ المطلوب بين الأفراد بسبب إهمال الأبوين وانفصالهما، وهذه مشكلة عالمية تعاني منها مجتمعات العالم شرقاً وغرباً، وقد تحدث في أي مكان.

إلى أي الأبواب والأسقف ترمي في هذه العبارة الحكمة ”من الممكن أن نتحمل مواربة الأبواب غير المحكمة ولكن من الصعب جداً أن تعيش تحت سقف مثقوب“ أبواب الحب، المجتمع أم أسقف القمع، الاستبداد؟

هذه العبارة ذكرها بطل الرواية في معرض بوحه كمقارنة بين تأثير كل من والديه عليه عاطفياً، ويقصد أن تأثير والده عليه – رغم قسوته – يمكن تجاوزه وتهميشه إذا ما قورن بتأثير أمه. فغياب الأب يشبه ترك الباب موارباً، أما غياب الأم فيشبه العيش تحت سقف مثقوب.

هل لنا أن نتعرف على المؤثرات الأولى التي تشكل التكوين بالنسبة لك روائيا وإنسانا؟

لقد بدأت الكتابة شعراً، وقضيت سنوات مراهقتي ويفاعي أكتب الشعر فقط حتى شعرت يوماً أن ما يختلج في داخلي أكثر تعقيداً من أن تختزله قصيدة ما، وشعرت أن لديّ نزعة لتفسير الأشياء وتفكيك الحالات بدلاً من البوح بها شعرياً، فجاءت الرواية كبديل مناسب راهنت عليه، ثم وجدتني تدريجياً أنسحب من الشعر وأنشغل بالرواية.

كما أرجو إلقاء الضوء على أعمالك الروائية السابقة لرواية القندس؟

روايتي الأولى كانت (سقف الكفاية) المنشورة عام 2002، وتتناول قصة حب في مدينة الرياض خلفت وراءها رجلاً ملتاثاً بهذا الحب ومتعلقاً به بشكل مرضيّ. كتبت بعدها رواية (صوفيا) التي صدرت عام 2004 وتحكي علاقة بين فتاة لبنانية مسيحية على وشك الموت وشاب سعودي مسلم، أدى لقاؤهما تحت مظلتي الموت والحب إلى تصادم فلسفي كبير اهتزّ به بطل الرواية. بعد ذلك كتبت (طوق الطهارة) التي صدرت عام 2007 وتحكي عن شاب تعرض لتحرشات جنسية في طفولته أدّت إلى اختلال نظرته للعلاقات العاطفية في يفاعه، وبعد ذلك جاءت رواية (القندس) عام 2011.

كيف ترى للمشهد الروائي السعودي وما تقييمك لهذا الزخم الذي أنجز في السنوات الأخيرة تحديدا وصعود نجم الكثير من روائييه؟

أجده واعداً وممتلكاً لمقومات الاستمرارية. فالمجتمع في حالة تغير دؤوب وسريع مما يضعه أمام الكثير من أسئلة التحولات التي تجد فيها الرواية مجالاً للطرح والتعبير والمكاشفة. والمنجز السعودي المتزايد من الروايات ليس إلا مصداقاً لجاذبية الرواية في تناول الإشكال الفلسفي والوجودي والاجتماعي الذي تسببه تسارع وتيرة التغيير في المجتمع.

هل ترى أن الحركة النقدية في المملكة تتابع حركة الإبداع بشكل جيد؟

التجاوب النقدي أقل من المأمول، والتناول الإعلامي له أيضاً ضعيف. كثير من النقاد السعوديين أكاديميون في الأصل، وبالتالي يفضلون الانكباب على مشاريع بحثية ذات عائد أكاديمي مباشر. والبقية من النقاد لا يجدون عائداً صحفياً أو إعلامياً يوازي الجهد الذي بذلوه في نقد رواية أو تحليل خطاب أدبي، وبالتالي ينزعون إلى الاكتفاء بمقالات نقدية قصيرة تنشر في صفحات الثقافة في الصحف.