محمد حسن علوان
لم أفتح باباً
حوار/ إيهاب الملاح
كان من اللافت في القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر 2013) اشتمالها على أسماء روائيين شباب في العقد الثالث من أعمارهم أو جاوزوه بقليل، منهم الروائي السعودي الشاب محمد حسن علوان بروايته ”القندس“، التي صدرت طبعتها الثالثة منذ أسابيع قليلة عن دار الساقي للنشر. ”القندس“ هي الرواية الرابعة للروائي الشاب بعد ”سقف الكفاية“ 2002، و”صوفيا“ 2004، ”طوق الطهارة“ 2007، وأثارت الرواية منذ صدورها اهتماما كبيرا بما قدمته من طرح فني مغاير ومعالجة جديدة لموضوع الانتماء إلى ”الأسرة“ في صورتها العشائرية أو القبلية، والعلاقة بين مجتمعين متباينين في الثقافة والأعراف ورؤية العالم.
تتحدث الرواية عن تجربة شاب عربي مهاجر، تنفصل أواصر علاقاته بأسرته ومحيطه القريبة، تتداعى ذكرياته بتفاصيل نشأته الأولى وعلاقته بأبويه وأشقائه، كاشفا خلال هذه الرحلة عن تناقضات المجتمعات العربية المغلقة، وأزمات انفصالها الواعي أو اللاواعي عن تطورات العصر والعالم البعيد، متخذا من حيوان “القندس” النهري الشهير في أميركا معادلا فنيا لرحلة انفصاله عن عائلته وتداعيات هذا الانفصال على روحه وسلوكه. الروائي السعودي الشاب محمد حسن علوان، من مواليد الرياض عام 1979م، حاصل على شهادة الماجستير في إدارة الأعمال من جامعة بورتلاند في الولايات المتحدة الأميركية، وحاصل على بكالوريوس نظم المعلومات من جامعة الملك سعود بالرياض، ويعمل حاليًا مديرًا لشركة استثمارات في مدينة الرياض.
استهل علوان تجربته مع الكتابة بنشر روايته الأولى ”سقف الكفاية“، وكان عمره آنذاك 23 عاما فقط، ثم تتوالى أعماله بنشر رواياته الثلاثة بعدها، وفي عام 2010 يتم اختياره ضمن أفضل 39 كاتبا عربيا تحت سن الأربعين في مشروع ”أنطولوجيا بيروت 39“. كتب علوان مقالة أسبوعية لمدة ست سنوات في صحيفتي ”الوطن“ و”الشرق“ السعوديتين، ونشرت له صحيفتا ”نيويورك تايمز“ الأميركية و”الجارديان“ البريطانية مقالات وقصصا قصيرة. عن روايته ”القندس“ وتجربته الروائية بشكل عام كان هذا الحوار مع محمد حسن علوان:
”القندس“ عنوان لافت وغريب على القارئ العربي الذي لم يعتد رؤية هذا الحيوان النهري في بيئته الخاصة.. لماذا ”القندس“ وما علاقته بالإطار العام لأجواء الرواية؟
بطل روايتي ”القندس“ شاب عربي مهاجر في الأربعين من عمره، متواضع المهارات محدود الإمكانات، عانى تجربة أسرية مريرة بين أبوين منفصلين، ومن خلال علاقته التأملية الخاصة التي تنشأ بينه وبين حيوان ”القندس“ يستجلي ”غالب الوجزي“، بطل الرواية، تاريخ حياته وعائلته، مستعرضا سيرة ثلاثة أجيال منها.
أما لماذا ”القندس“ فلأنه حيوان اشتهر بالحياة متنقلا بين ضفاف الأنهار وأغوارها، وبناء السدود في عرض النهر لحماية عائلته خلال الفترات التي يقيم فيها في تلك الأماكن. هذا الحيوان ينتشر وجوده في الولايات المتحدة الأميركية، ومن خلال علاقة ناشئة بين هذا الحيوان الذي يرافق بطل الرواية أثناء رحلاته لصيد الأسماك على ضفاف أحد الأنهار بولاية بورتلاند الأميركية، وبين ”غالب“ يحاول البطل ترميم ذاكرته بقصص وحكايا مبتورة يستجلي فيها علاقة الذات المتشظية على نفسها والثائرة على أصلها للوصول إلى مكمن أزمتها.
محمد حسن علوان روائي شاب خاض مغامرة الكتابة الروائية في سن مبكرة وحقق نجاحات لافتة.. بعد كتابة 3 روايات ووصول الأخيرة إلى القائمة القصيرة للبوكر 2013.. كيف يقيم الروائي الشاب جهده خلال الفترة التي عانى فيها الكتابة؟
بدأت تجربتي مع النشر بروايتي الأولى ”سقف الكفاية“، الصادرة عام 2002، كنت في الثالثة والعشرين من عمري، وتكفلت وقتها بنفقات نشرها كاملة لعدم اقتناع الناشر الذي عرضت عليه الرواية بمستواها!
في ظني أن هذه الخطوة كانت ”حاسمة“ في حياتي ودفعي إما لاستكمال الطريق أو التوقف تماما، ”محورية“ الحدث كمنت في كوني أنني أنا نفسي لم أكن مقتنعا في داخلي بأهمية نشرها، حيث كنت معتقدا بأن قراءها لن يتجاوزوا الدائرة القريبة مني، الأصدقاء والمعارف، وأنها لن تفارق هذا المحيط المحدود من الجمهور ”الشخصي“.
لكنني وبعد ذلك تولدت داخلي رغبة حقيقية وجادة في خوض غمار الكتابة التي شعرت وقتها بأنها ستحدد مساري كله، وعليه فقد قررت اعتبار أن ”الكتابة الروائية“ هي التي ستحدد ”هويتي الكتابية“.
أستطيع أن أقول لك بصراحة، إنه مع نشر أي رواية جديدة لي أشعر بالإحساس ذاته، مفصلية الحدث وأهميته، لأن بلوغي لهذه المرحلة، نشر رواية، يشكل ختاما سعيدا لمعاناة كتابتها التي تستغرق مني في العادة مدة عامين.
كيف ترصد بعين الروائي الاهتمام بأعمالك داخل السعودية مثلما تحظى في خارجها.. وهل يمثل ذلك معيارا أو مؤشرا على تغير نوعي في الاستجابة لقراءة الرواية والأدب عموما في منطقة الخليج؟؟
بطبيعة الحال، ألمس مقروئية أعلى لرواياتي داخل السعودية، غير أن الحدود بين الدول العربية آخذة في الاضمحلال حتى صار يصعب علينا أن نحدد جنسية رواية، فضلاً أن نعرّف بقارئ سعوديّ أو عربيّ.
الأدب بطبيعته عابر للثقافات ولا يتمنى كاتبٌ أكثر من أن تحمل كتابته بعداً إنسانياً عاماً غير قابل للتصنيف الجغرافي أو السياسي أو الأيديولوجي.
في ظني أن ”القندس“ لم تحقق بعد ”النجاح الكبير“ الذي كتب عنه البعض، فما زلت أتمنى أن تصل إلى أكبر قدر ممكن من القراء، وأن يحقق حضورها طرحا مثمرا يجد أصداءه في المشهد الروائي ككل.
ولا أستطيع الزعم بأن روايتي فتحت بابا جديدا لم يطرقه أحد قبلي من الروائيين السعوديين أو أنها حركت راكدا قبلها.
على ذكر المشهد الروائي السعودي.. هل من متغير طرأ على هذا المشهد بعد بروز أسماء لها وزنها مثل عبده خال ورجاء عالم ويوسف المحيميد وغيرهم؟
الرواية السعودية شأنها شأن غيرها في البلدان العربية تسعى لمواكبة تغيرات مجتمعها بدأب وحرص على التقاط الحراك الحاصل على كل المستويات، وكتابها كما هم قراؤها حريصون على اكتشاف المزيد من آفاق الرواية وتجلياتها وقدرتها على موازاة الواقع بشغف متضاعف جيلا بعد جيل.
وما سبقت إليه الرواية السعودية من طرح لا يجعل ما جاء في ”القندس“ مختلفاً بشكل جذريّ ولكنها محاولة جديدة من محاولات حمل المرآة أمام المجتمع لنرى ما نغفل عن رؤيته أحياناً.
وهل ثمة تطورات يمكن رصدها في المشهد الراهن؟
أهم ما قد يلفت الانتباه، من وجهة نظري، على المشهد الروائي السعودي بوجه عام، هو تلك الحركة والحيوية الحاصلة في ميدان الإبداع الروائي، وهو ما يبعث على الأمل والتفاؤل وتجدد الدماء فيه.
هذا الشغف الكبير والمتزايد بهذا النوع الأدبي الماكر الساحر، لا يتأتى إلا بالمتابعة الدقيقة والانشغال بملاحظة تفاصيل الواقع وتغيراته، ومع كل يوم جديد تطرق باب المشهد الروائي محاولات روائية متتابعة تعكس من دون شك، وبغض النظر عن نجاح بعضها أو إخفاق البعض الآخر، توهجا فكريا وإبداعيا متزايدا على الساحة السعودية والخليجية بصفة عامة.
كتابة الرواية أصبحت هاجسا ملحا لدى الكثيرين، وكأن ما يدور في سرائرهم ونوازعهم الداخلية من رؤى وأفكار وتصورات لا يتسع له إلا هذا الجنس المرن الذي يستوعب هذه الشواغل والهموم.
لو كنت فزت بالجائزة المرموقة.. هل سيكون ذلك دافعا وحافزا على الاستمرار بالمستوى ذاته الذي عرف عن أعمالك أم أنها ستكون ”هدنة“ لما هو قابل من أعمال حتى لا تتأثر سلبا بأجواء الفوز والشهرة وتسليط الأضواء؟
الكتابة في تصوري تأتي دائما كاستجابة لحاجة روحية ملحة ودافعة، ولهذا فعلى الكاتب، أي كاتب، أن يفصل بين الكتابة كعملية استجابة ذاتية لنزوع داخلي ورغبة في الإفضاء والبوح، وبين ضرورات الكتابة الملازمة للاحتراف أو وطأة النقد أو بريق الاحتفاءات والجوائز وما إلى ذلك. أنا أسعى دائما لهذا الفصل الحازم بين الحالتين، مع الاعتراف بصعوبة ذلك وتداخل الحالتين في أحوال كثيرة، لكن على الكاتب أن يجاهد ويكابد لتحقيق هذا الفصل حتى لا يفقد بوصلته الداخلية ويتحول آليا إلى الاستجابة لسير الأحداث والأضواء من دون رد أو مقاومة.
أزعم حتى الآن أنني قطعت شوطا جيدا في هذا الفصل، غير أن الانتكاسات تأتي بين حين وآخر، كما يحدث عندما تقرأ نقداً قاسياً مكرراً من أطراف عدة فتشعر بإحباط مؤقت أو العكس عندما تأتيك ردود أفعال طيبة أو مديح متكرر فيجعلك تستكين لشعور مفرط بالرضا، أحاول مقاومته ودفعه.