arrow-leftarrow-rightaskfmemailfacebookgoodreadsinstagramtwitter
العودة إلى قراءات نقدية في موتٌ صغير

صحيفة الخليج الإماراتية

ينابيع الرواية الراهنة

يوسف أبولوز

كاتب أردني

ذهبت جائزة البوكر العربية في دورتها الأخيرة إلى الكاتب السعودي محمد حسن علوان على روايته «موت صغير»، والرواية تستعيد شخصية المتصوّف الكبير «ابن عربي» صاحب «الفتوحات المكية».
حوّل محمد حسن علوان «ابن عربي» إلى سردية روائية، ولم يعتمد مباشرةً على سيرة المتصوف الذي كان أحياناً موضع جدل في زمانه، بل تدخل الروائي في السيرة، وبنى على كيان ابن عربي الحياتي والفلسفي معماراً روائياً، واعتمد على بعض مقولاته، ولم تغب فكرة الحب عن الرواية، الرواية في بنائها السردي على «ابن عربي»، تطرح بشكل عام «ظاهرة» الرواية القائمة على شخصيات متصوّفة أو تاريخية أو أسطورية، ويمكن معاينة هذه الظاهرة في السنوات العشرين الأخيرة، أيضاً، هناك روايات عربية وعالمية تقوم على مفهوم أو فكرة المخطوط التاريخي (رواية المخطوط القرمزي)، مثالاً، للكاتب الإسباني «أنطونيو غالا»، وفي الرواية هذه مثلاً استعار غالا حياة أبي عبدالله الصغير آخر ملوك الأندلس الذي سلّم مفاتيح غرناطة إلى ملك مسيحي، ليترك مُلكه ولكنه قبل أن يغادر غرناطة تراه أمه وهو يبكي، فتوبّخه قائلة له:
ابكِ مثلَ النساءِ مُلكاً مُضاعاً لم تحافظْ عليهِ مثلَ الرجالِ.
«المخطوط القرمزي» رواية مركبة على ملك عربي أندلسي، وقد صدرت بالإسبانية في العام 1990، أي قبل نحو سبعة وعشرين عاماً، ويبدو أن هذه السنوات كانت كافية لتأسيس خط روائي عربي وعالمي من هذا النوع، أي البناء السردي على شخصيات أو على أحداث أو أساطير أو وثائق تاريخية.
ننتبه إلى أن جذر روايات مثل «موت صغير»، هو ليس جديداً في السرديات العالمية، وإذا كان محمد حسن علوان قد بنى على «ابن عربي»، وصدرت الرواية العام الماضي، فإن «أنطونيو غالا» بنى على الملك الأندلسي المهزوم قبل أكثر من ثلاثة عقود، ولا عيب في ذلك، بل هو إغناء أدبي ثقافي لفن الرواية، وفي سياق هذا الإغناء تذهب الكاتبة الكندية «مارغريت أتوود» في روايتها «البينيلوبية» إلى استعارة «بينيلوب» في «الأوديسة» لِ«هوميروس» كما استعار أو وظّف علوان «ابن عربي» في «موت صغير»، وكما وظّف أنطونيو غالا «عبدالله الصغير».
صدرت الطبعة الأولى -لا أدري إن كانت بالعربية أو باللغة الأصل- لرواية «شيفرة دافنشي» لكاتب القصص البوليسية «دان براون» في العام 2004، وها نحن مرة ثانية أمام رواية تحيل إلى اسم العالم والمفكر والرسام والمتأمل الكبير «ليوناردو دافنشي».. صانع «الموناليزا» الحاضرة في الرواية.
هل استعار «براون» شخصية «دافنشي» أم بنى نحو 500 صفحة من القطع الكبير على شخصية متخيّلة؟.. في رواية هي عالم مترامي السرد. مترامي الكتابة الحرّة التي تستحق القراءة، والبيع، والفوز، أم أنه يقع في سياق الرواية «الجديدة» المبنية في جذرها السردي على التاريخ وشخصياته؟.
كان جورجي زيدان يكتب روايات تاريخية، وروايته «صقر قريش» المبنية على حياة ملك مهزوم، مثقلة بوقائع التاريخ، وجاء بعده من يخفف هذا الثقل بالاستعارة والتمثّل والترميز، ومن بينهم: أنطونيو غالا، وغيره من كتّاب السرد الفاتن الذي يبحث اليوم عن ينابيع الدراما البشرية في حياة الأسطوريين والمتصوّفة والأبطال في زمن موت البطل بأشكاله المتعددة. –