arrow-leftarrow-rightaskfmemailfacebookgoodreadsinstagramtwitter
العودة إلى قراءات نقدية في سقف الكفاية

الظهران، السعودية

هواجس وطقوس قرائية داخل سقف الكفاية

هيلدا اسماعيل (ميلاد)

شاعرة وناثرة سعودية - تكتب في عدد من المطبوعات السعودية، والمنتديات

مقدمة

أخي العزيز  والمبدع جدا  محمد حسن علوان
بعد دخولي الإنترنت بفترة بسيطة بدأت أقرأ لك…
وكل ما قرأته لك كانت تلك القصائد المدهشة بالدرجة الأولى.

وحين قررت أن أتصفح  موقعك ذات شعر، وقعت عيناي على وصف دقيق لك  في باب أسميته (أنا)، و بعد أن انتهيت من التجول داخل نفسك أقسمت بأنك تجيد الحديث عن ذاتك كثيرا وأنك  كاتب تجريبي، يحاول دوماً أن يكتشف نفسه أكثر مما يحاول أنيكتشف أهميته، وشعرت بأنك تؤمن معي بأن  المتعة الأولى للكتابة تكمن في تحقيق الذات للذات نفسها وليس ذوات الآخرين. وتمنيت أن أراك كاتبا أيضا كما رأيتك شاعرا دائما.

وهاهي سقف الرواية بين يدي الآن، وهاهي أحد أمنياتي لك قد تحققت، ويمكنني من بعد اليوم  أن أثق في نبوءاتي التي  نادرا ما تصدق باتجاه نفسي.
لقد كانت آخر رواية قرأتها هي ذاكرة الجسد وفوضى الحواس لأحلام مستغانمي  وحاولت جاهدة  أن أقرأ المزيد من الروايات بعدها ولكن أحلام كانت الكاتبة المعضلة التي لم أتمكن بعدها من  أن أرضى  بكاتب عادي أو برواية  عادية.

ومرت على الكثير من الروايات التي أهملتها من الفصل الأول وأحيانا من الجملة الأولى حتى سقطت سقف الكفاية  في نفس الطقوس التي أجبرتني عليها أحلام ، تصفحت الرواية من منتصف صفحاتها وسرعان ما اكتشفت بأنني بحاجة إلى الخروج من المنزل ، وخرجت يا علوان برغم أكوام الكتب والدروس  التي يجب أن أنتهي من مذاكرتها و سلكت طريقا أعرفه أنا وأحلام تماما، اتجهت للباب الخلفي للحديقة  الكبيرة القابعة خلف مكتبة الحي ، اقتربت من  المقعد الخشبي الذي طالما حملني أنا ورواياتي وقررت أن أتركه شاغرا على غير عادة وأن أجلس على النجيل الأخضر وأسند رأسي على أوتاده.

ومن هنا بدأت رحلتي معك والتي قررت أن لا أنهيها في وقتها حتى انتهت من تلقاء حزنها عند إشارة ربط الحزام استعدادا للهبوط في مطار الدمام الدولي.
كنت قد أرسلت لي عددا  كبيرا من نسخ الرواية وطفت حول كل من أعرف أوزعها عليهم وقبل أن تمتد يدي بها كنت أقول  لهم : هذا الكاتب موهوب ولكن  رجاء ً لا تنظروا لعمر هذا المبدع ، اقرؤوا فقط كم عمرا تحتاجون لتصلوا لإبداعه!.

كتب غابريل ماركيز  ذات يوم “أي صنف من الألغاز هذا هو الذي يجعل هذه الرغبة البسيطة بالقص تتحول إلى ولع، يكون الكائن البشري على استعداد للموت من أجله”، وفي روايتك هذه يا علوان أقول :  أي  صنف من الروايات كنت أبحث عنه ليصبح لغزا يذكرني بنفسي كقارئة استطاعت أن تجمع حروف كاتب من طراز حزن خاص  يستعد للموت عشقا!.

روايتك كانت تحمل ضرورة من ضروريات تأمين الحاجات الأساسية الكبرى للإنسان كما وصف ذلك هرم ماسلو الكبير، كانت الحاجة للحب والأمان هي أدنى إنجاز يمكن أن يبحث عنه الإنسان في سقف الكفاية.
شخصية البطل “ناصر” شخصية لا تقاوم تتمدد  فيها عواطف و إستثناءات أخرى لأوجه أخرى للرجولة لم نكن نسمع عنها إلا في خفاء التقاليد التي تقمع بكاء الرجل حتى لا تشبهه بالأنثى.

خطابك الراقي هذا كان يستعير مواده من علم اللغة والاجتماع والتاريخ وعلم النفس والأساطير وحتى علم الفيزياء الحديثة.
ولعل افتتاني بلغة النثر الذي ارتكزت عليها الرواية هو ما جعلني  أستعير من قلمي الرصاص نجماته التي لا يضعها عادة إلا على ما هو فوق مستوى السماء عاليا كشهاب أو دافئا كالشمس ومضيئا  كقمر.

ويمكنني هنا أن أفشي أحد طقوسي أثناء القراءة لقد  قمت بتطريز روايتك بالعديد من النجوم الجانبية فوق أسطر تكاد أن تكون كثيرة جدا و التي لم أقم باستخدامها منذ أن قرأت آخر روايتين لأحلام مستغانمي والتي تشاركني هي وروايتيها متعة القراءة  ولمعان النجوم  على ضفتي السطور التي تزين بالحكمة.. سقف الكفاية.

عنوان الرواية

(هل يمكن أن يتجاهل شخص وجود سقف فوق رأسه ؟ هل يمكن أن ينسى مقاتل لماذا هو في ساحة المعركة؟ هل يمكن أن أنسى لماذا أنا موجود في هذه الحياة، أنا أدب على سطح الأرض لأن عندي جملة أحلام أنت سقفها.. ومتى تحققت.. أنت لي)

إن البنية العنوانية “سقف الكفاية” عبارة عن جملة لا تختزل الرواية فحسب، بل مجمل الخبرات اللغوية واللا لغوية، الشعورية واللا شعورية التي تحتويها القصة، وبصورة خاصة مفردة الإكتفاء.
(أي امرأة تلك التي ستكفيني بعد أن رفعت أنت سقف الكفاية إلى حد تعجز عنه النساء
هذا السقف الشاهق.. معجزتك معي، ومأساتي معك)
هذا الرجل كان يحترق أثناء الكتابة أكاد أشتم رائحة دخانه كما أشتم رائحة دموعي وأنا في آخر مقطع للرواية التي ظننتها لن تنتهي حزنا بعدد حروفها.

هدف الرواية

لقد أكد الشاعر والناقد أليوت في أكثر من موضع: أن  هم الشاعر ليس نقل الفكرة بقدر ما هو العثور على ”معادل عاطفي لهذه  الفكرة“  فالجانب المهم هنا ليس العمق أو الإغراب الفكري بل غناء الانطباع العاطفي.

وإن كانت رواية سقف الكفاية لم تشتمل على هدف أساسي من سردها إلا أن  الكاتب قد استطاع بكل براعة أن يصنع سلسلة أحداث ومواقف عاطفية ثرية على شكل إطار عاطفي دافئ في إثارة هذا الجانب، فليس مهما الهدف الأساسي من الفكرة بالقدر الذي يهمنا فيه الإطار الذي نضع فيه مشاعرنا،  هذا من جهة ، أما من جهة أخرى فيمكننا إن أمعنا النظر داخل فصول الرواية أن نستخلص أكثر من هدف فرعي تخلل أحداثها أو تم توصيله عبر جسر الكلمات ليصل إلى ذهن القارئ دون الإشارة إليه بأصابع الهدف أو مرماه.

فأنا أعتقد أن اللاعب الجيد في مباراة الكلمة هو من يصوب أهدافا عدة صوب المرمى بدلا من أن يحرز هدفا ذهبيا واحدا يلصق به حقبة من الزمن ومن ثم ينسى.
من هذه الأهداف الفرعية مثلا :
– وصف لأحد جوانب المجتمع المغلق الذي يعيش فيه بطل الرواية وتسليط الضوء على بعض الخفايا التي يمكن أن تحدث دون أن تكون قد مرت على ذهن آخرين.
(الرياض مدينة كبيرة  نصف هواتفها عشق ونصف هذا العشق مراودة وأنا أخشى لبسا كهذا)

(لم أفهم أبدا لماذا يعلمون الأولاد دروس التفاضل على النساء ولا يعلموهم دروس التكامل معهن من أجل معادلة صحيحة)

(لا عجب في الرياض يعلموننا أحياناً كيف نكون ذكوراً قبل  أن يعلمونا كيف تكون إنساً ، تكتمل ذكورتنا قبل إنسانيتنا)
– نستطيع أن نستخلص أيضا بعض التعليقات السياسية خاصة عن حرب الخليج والأوضاع العراقية في أكثر من موضع وهذا يدل على أنه لا يوجد انفصال بين الإحساس الفردي و الإحساس بالجماعة في الوقت الذي كانت فيه الرواية تتحرك على أساس عاطفي ذو طرف فردي.

(هل سيموت العراق فعلا لو بتروا أعضائه؟ هل يمكن أن يتشرد وطن؟ هل يمكن  أن تضيع الهوية والحضارة واللغة إذا تغيرت كراسي الزعامة وتمزقت شوارع البلد)
(الشيء الوحيد الذي عجزت عن قمعه كل الأنظمة العربية تقريبا… ألسنة مواطنيها، ولو زرعوا المقاهي رجالا، ولو جعلوا الكراسي والطاولات نفسها جواسيس على روادها ستبقى سخريتهم أكثر المسكنات الشعبية تداولا)
– قد تكون رغبة الكاتب في غسل ذاكرة ناصر وتلمس السيطرة على مقابض الذكرى هي ما جعلته يستخدم الكتابة كحل جزئي لمشكلة الحضور الدائم لشعور الحزن الناجم عن الفقد

(أتراي أحاول  غسل ذاكرتي معك بهذه الرواية؟؟، أم أنني أحاول فقط أن أطرد ما تبقى من حبك في هذا الدفتر الأخضر لعل حيزا من الذاكرة يخلو في رجل تملئينه حضورا وغيابا)
لقد أثبتت (سقف الكفاية)  أن من الممكن كتابة رواية مهمة من غير أن نتناول قضايا مهمة بمعناها السياسي أو الأيديولوجي وأثبتت  أيضا أن تناول العلاقة بين الرجل والمرأة أحد الخامات الخصبة والباقية باستمرار الحياة على الأرض.

ورغم هذا إلا أن الكاتب لم يتناول في روايته هذه العلاقة بمعناها العادي ولكنها نثرت أكثر الخيوط رقة في نفسية رجل كناصر وكثفتها في بؤرة التفاصيل الحزينة داخل مشاعر الرجل الإنسانية ومحاولته للخروج من أزمة الفراق والفقد التي تسببت بها أنثى غير عادية  بنت فوقه سقفا للكفاية يكفيه حتى خير النساء الأخريات.

لغة الرواية

اللغة هي أساس أي مشروع  كتابي و روائي أو حتى شفهي، وهي التي تغلف الكاتب  بغلاف الخصوصية والتميز عن باقي الكتابات الأخرى التي ينتهجها كاتب آخر وهي أيضا التي تجعلنا  نشير إلى قصيدة لا يوجد عليها اسم الشاعر أننا نكاد نجزم أنها لفلان من الشعراء.

وسقف الكفاية أستطيع أن أطلق عليها الرواية اللغوية  الشاملة، حيث اعتمدت الراوية على لغة النثر والشعر التي ذكرها كوديل “إن الشعر إيقاع حبيس لزمان حبيس والنثر لغة حوارية تتكون في طور بلا مركز وتعيد اكتشاف الواقع و اللغة” هذا بالإضافة إلى لغة الأحداث التي من أجلها كتبت الرواية وكانت هذه هي المحاور الرئيسية  الثلاث والشاملة التي ترتكز عليها على لغة الرواية بصفة العامة:

1- لغة النثر: هي اللغة التي  تمخضت بعطر الحكمة والمأثورات الخطابية والتي اعتبرت المحرك الفعال لنمط الرواية الحزين مما أعطى الكاتب فسحة كبيرة  للقفز على الأنماط الاعتيادية في الكتابة، ومهما كانت خصائص هذا الأسلوب فإنه في علاقته الحميمة بأحداث الرواية كان يندرج تحت تنوع لا يمكن الهروب منه ولهذا كان علينا أن نسير في تحوّل دائم بين المفردات المستخدمة وكأن هناك توجيهات صوتية تقودنا باتجاه التغيير:

* (لم أكن أعلم أن عشق النجوم صعب لأنها لا تبقى)

*(إن جراحات الغربة هي الجراح الوحيدة في الحياة التي يمكن أن يرثها الأبناء من آبائهم دون أن تندرج تحت قوانين الوراثة، لن ينسوا أبدا أنهم منفيون.. مهاجرون، هم الذين لم يرو سماء بلادهم أصلا ولا وطئوا ترابها)

*(كنت أبكي إليك من كل الأشياء وصرت أبكي إلى كل الأشياء منك)

*(لا تتأملي خروجي، لا تلقي نظراتك على ظهري المبتعد، أنا بالكاد أجرّ خطاي حتى أجرّ فوق ظهري عينيك الباكيتين)

2- لغة الشعر والقصائد: التي تخللت صفحات الرواية وكأن الكاتب أراد أن يخرج من صرامة اللغة في السرد إلى أحد الأساليب الزئبقية نحو التوغل في صميم المشاعر إلى حدود التجربة الشعرية الذي يجيد توظيفها:

*(لا يموت من خلف وراءه شعرا ، الشعراء لا يموتون، إنهم يحتالون علينا بالموت حتى يكونوا أكثر قداسة)

3- لغة الأحداث: في مقابل الأسلوبين السابقين كان يجب أن تتمركز أيضا صورة الإنسان الهارب من حزنه إلى التقدم بأسلوب الحوار الذي تستقيم معه الصورة الأدبية الجاهزة لصياغة الرواية.

وسقف الكفاية  كانت عبارة عن رسالة طويلة بحجم الألم الذي تربع على قلب الناصر ليقدمه تاجا للمها صاحبة القصة التي دارت حولها الأحداث:

*(هل أبدأ من مولد الحلم أم من مأتمه ، هل أجعلها رواية أم رسالة، وإذا كانت راوية من سيمليها علي قلبي أم عقلي؟؟ وإذا كانت رسالة من سيحملها إليك منهما ؟؟)

مكان الرواية

يقول الناقد شاكر النابلسي “الروائي الجيد لا يصور لنا المكان تصويرا واقعيا ضوئيا ولكنه يقدم لنا المكان من خلال جماليات يعلمها في الماضي من خلال  الذاكرة وفي الحاضر من خلال حاجته للمكان وهو يفعل ذلك كما يفعل الأطفال عندما يرسمون”.

بدأت صفحات سقف الرواية  في حوار بين ناصر ونفسه وهو يصف طقوس الكتابة التي بدأت تلوح له من جديد وطريقة جلسته ونافذته المربعة وطقس الرياض في موسم الصحراء و(طاولة المكتب تشبه حرب ماكرة ، تمردي في طرف وخنوعي في آخر هنا الطريق الوعر الذي أشقه في جبيني، المعول الذي أضرب به بحثا عن قعر مأساتي، أشياء لا يراها إلا أنا ولكنها تتخايل لأمي والخادمة ويبدو أنني في لحظات الكتابة لا أجر قلما كسولا فحسب بل أشعل دفترا مزاجيا مصابا بالصرع)

ومن الرياض والطاولة وأكواب القهوة إلى القلم الأبيض  الصغير  الذي احتفظ به ناصر للذكرى و ما كان يظن  أنه هو نفسه من سيخلد الذكرى للقلم (أنا وهو محورنا أنت لم يكن يتذمر من طول الركض على الأوراق… مريح أن أصور حزني بقلمك)

وكما بدأت الرواية بوصف جو الكتابة العام أنهى الكاتب روايته  وهو  يصف الدفتر الأخضر ذو الأوراق الصفراء والأسطر الباهتة والذي سيبدأ به الكتابة بعد أن أنهاها لدينا وبعد أن تصالح مع القلم حين علم أن دائرة الكتابة قد اكتملت  لديه:
(خرجت أفتش عن دفتر يلملم رغبتي الصباحية هذه…… شعرت بالألفة معه سريعا وحملته معي وأنا أفكر بأي حزن أبدأ)

ملامح الرواية

سقف الكفاية صورة لرواية لا تلتقط أنفاسها إلا لتفقدها ،فلقد  فقد ناصر مها في لحظة واقعية وظل زمنا يكذب هذه اللحظة حتى تحققت، ومن ثم بحث عنها طويلا علها تعود.
ناصر كان العاشق الذي يحاول أن يعيد ترتيب ذاته ويلملم شتاته  وأشلاء قلبه بعد قصة حب بدت منذ البداية معالم نهايتها:
(لماذا أعلق نفسي بك مثلما يتعلق الجهلة بأولياء الله الصالحين؟  لماذا محوت ُ بيدي كل ما كتبته على جدران المستقبل، ثم كتبت اسمك بطبشور الوهم على كل زاوية وكل حائط وكل قطعة طوب)

ولكن ناصر  ظل يتشبث بآخر حلم قبل الغرق فأبحر بالسفر في محاولة منه للنسيان إلا أن أطواق النجاة التي حوله لم تكن إلا سببا آخر لمرحلة أخرى يخوضها داخل أعماقه وتنغلق الرواية ومازال ناصر يحاول أن يستعيد وعيه وينفض  حلم الوصول إلى مها حيث تظل الحقيقة تتراءى له يوما عن يوم ويعرف أن كان بإمكان مها أن ترفض عقد الزواج بسالم إن كان حبها له صادقا حقا
(أعجب لامرأة تريد أن تعيش حياة ً طبيعية بينما تجعل حياتي كلها تسير في الاتجاه المعاكس للطبيعة تماما)
وتنغلق الرواية بعودة ناصر إلى الرياض على بعد أمتار بعيدة من شفاءه من وهمه وقبل أن يغلق حلمه ويطويه أدراج الرياح

(أظنني عدت مشردا كما رحلت غير أن  في أعماقي رغبة عارمة في تغيير هذا الواقع المؤلم الذي شردني طويلا أريد أن أعيش كما يعيشون أولئك الذين ابتنوا سعادتهم بأيديهم… إنهم سعداء حتى و لو فشلوا يبقى لهم مجد المحاولة وشرف التجربة ونقاء العنصر البشري الذي لا يصدأ)

ناصر هو  الشاعر  الذي قام بلف حبل الحزن حول رقابنا من أول حرف في الرواية حتى خاتمتها ولا أعرف إن كان الكاتب متعمدا أن يشد الوثاق علينا بهذه الشدة حتى تخنقنا عبرة البكاء ولا نجد لنا من الدموع ملجأ يؤوينا من أعين الآخرين و تطفلهم!.

شخصيات الرواية

كانت شخصيات الرواية كلها عبارة عن أفلاك صغيرة تدور حول محور البطلة “مها”
(أنت إمرأة تدور من حولك الأشياء وليس في الدنيا بعد ما يمكن أن يجعلك تدورين حوله إلا نفسك)

مها التي كانت تنشد الحب ولكنها لم تعرف يوما حجم الإخلاص المقابل
(شيء في ملكوت أنوثتك يرفض الانحباس الحياتي مع رجل واحد فقط، ما فهمته حتى الآن هو أن أنوثتك تتسع لأكثر من رجل، وما أريده هو أن أبقى واحدا منهم فقط)

ورغم التعاطف الشديد الذي يمكن أن يلتمسه القارئ نحو ناصر إلا أنه سيصل عند منتصف الرواية ليشعر بالحنق الشديد اتجاه كمية الدموع التي ذرفها واتجاه مها التي لم تكن تستحقها حقا!.
ولولا أن ناصر كان يقول عن نفسه (أنا مريض يا مها، لست رجلا سويا حتما، لا أحد يحب مثلي إلا المرضى، سينكرون علي كل حرف وكل ضعف وكل حماقة، سيقيسون الحكاية بميزان الأسوياء فيجدون أني مجحف في حق نفسي)

لكان من المفترض أن يتحول هذا التعاطف مع ناصر إلى قسوة كما كان يفعل معه صديقه ديار دائما حتى اكتشف حقا أن ناصر ليس إلا مريضا بأحزان رجل لا تنتهي وأن (قسوة الليل والنهار لا تساعدان على التماسك)

وكثيرا ما تم الربط بين هذه الشخصيات لتكون في مسار رمزي واحد يستمد ضوءه وقوته من جاذبية الشخصية الأساسية (مها) والتي هي  محور الألم النابع من فيض الرواية وأذكر هنا مثلا أهم شخصيات الرواية وكيف تم الربط بينهم وبين المحور الأصلي:

الأم: (كانت أمي تشعر أثناء علاقتنا أني لم أعد ابنها الذي تعرفه، كان حبك يمنحني كل  ما أحتاجه من عاطفة فلم ألجأ إليها هكذا الأبناء لا يصلون أبدا إلى سقف البر بوالديهم أتخلى عنها دون أن أدري ولما تخليت أنت عني وجدت أمي تنتظرني وليس في عينيها ومضة عتب)

الأب: (مع أبي كم كنت أتصور لو أني أحببتك وهو على قيد الحياة، كنت أخبره كم أنت جميلة وحملت إليه صوتك الحبيب عبر الهاتف ليتكلم معك عندها سأشعر بمساحة واسعة من الأمان…… سأكون مندهشا أمام روعة أن أبصر أمامي كيف يتفاعل أقرب رجل إلى قلبي مع أقرب امرأة إلى قلبي أيضا)

أروى توأم ناصر الروحي: (لم تعلم أروى عن قصتنا شيئا رغم حبي لها ولكنها كانت تشعر به حتما بل كانت تتكلم عنك بصفة الغائب أحيانا محاولة أن تحترم كتماني ما استطعت… مرت أيام على هذا الازدواج العاطفي في بيتنا أنا وأنت وأروى ومحسن وأخيرا هاهي تركب سيارته بينما ركبت أنت سيارة سالم للأسف)
مس تنغل (لا تظنكِِ مس تنغل  إلا مرضا لا بد أن أشفى منه وأنت لست  كذلك  ولكن ما تفعلينه بي هو المرض العضال الذي لا يشفيه إلا الله )
الصديق ديار (عجبا لديار ألا يخشى أن أغضب ألا يخجل أن يتكلم عن امرأتي المقدسة بكل هذا التجريح ألا يرفق أن تصيبني إحدى أفكاره في مقتل
بأي صوت مبحوح مخنوق أنتقم منه؟ لم يقترب أحد من جرحي إلى هذا الحد ولم يلمسه أحد ولكن ديار يخوض فيه بحذائه الضخم بلا مبالاة وكأنه يقرأ جريدة لا يذبح رجلا)

ملاحظة أخيرة

إن مفردات سقف الكفاية  كانت رائدة ولها آفاق إيجابية على ثقافات ولغات مغايرة للتقليدية لولا أن بعض الجمل الصغيرة أفسدت علي شيئا من متعة القراءة التي  كنت أستمتع بها وظلت ترن في جنبات نفسي  كلما تناسيتها ولولا معرفتي بك وبعلاقاتك الروحانية لتنازلت حقا عن ذكرها وتمنيت حقا أنك لو لم تكتبها حتى لا أضطر مرغمة أن أعلق عليها هنا
وهناك أمثلة كثيرة تدل على ذلك  ومنها مثلا هذه العبارة:
(لأول مرة أشعر أن الله يظلمني)
ومادمت قد كتبت هذه العبارة أيضا في نفس  الرواية (تذكرت وأنا أوبخ نفسي بصمت أن من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله حتى يمسي)
فمن المؤكد أنك قرأت ذات مرة قوله تعالى (وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون)

وقوله:  (وما كان ربك بظلام للعبيد)
الروائي يا علوان يشبه الطفل الكبير الذي لا يفرط بأحلام طفولته، والرواية هي الأرض التي أختارها الروائي الذي أحسن التعامل مع أحلامه كما يقول ربونسون كروزو.
ولأن الكتابة كالأرض يجب أن تكون حرة وطليقة ترفض الاستعمار و الأحكام الثيوقراطية فإنها يجب أن تكون حرة في دورانها حول القلم وبوجود حرية محتملة تولد أجنة الروايات وأفكارها.

ولكن الاستمتاع بقدر من الحرية الثابتة على أساس ثابت كقواعد الدين الراسخة  هي فقط من يحجم الكاتب على أن يكون خالقا أو آلهة بإبداعه توزع الأقدار أو حتى تسخط عليها  لأنه يعلم في ذلك الوقت فقط بأن هناك (سقفا) وحدودا بشرية لا يمكن تجاوزها لأنها (الكفاية) التي تكفينا شروط التجاوزات التي قد تحدث أثناء استعمار فكرة الكتابة على عقولنا وأقلامنا

أخيرا أخي الفاضل:
أعذرني على قصر تعبيري ونظرتي حول أبعاد الرواية لقد كنت أحاول فقط أن أدون وأؤرخ تاريخ وطقوس قراءتي لرواية (سقف الكفاية)
وأحببت أن أبعث لك بنسخة منها
أتمنى لك المزيد  من الكفايات والروايات والنجاحات العالية وتذكر ما كتبته ذات أمل في روايتك (يؤجل الله أمنياتنا ولا ينساها)

خالص تقديري لإبداعك
هيلدا اسماعيل (ميلاد)