arrow-leftarrow-rightaskfmemailfacebookgoodreadsinstagramtwitter
العودة إلى قراءات نقدية في موتٌ صغير

صحيفة الوسط البحرينية

«موت صغير»… رواية تسرد «حياة كبيرة»

وسام السبع

بين يَدَيّ العمل الجديد للكاتب والروائي السعودي محمد حسن علوان: «موتٌ صغير»، وهي الرواية الخامسة في مشواره الأدبي التي استوحى عنوانها من عبارة لمحيي الدين ابن عربي تقول: «الحبُّ موتٌ صغير». وقد ترصّد الكاتب دقائق حياة الصوفي الأشهر ابن عربي ورحلته في عالم الوجد والمعنى.

تابعت علوان في أعماله الروائية الأربعة: «سقف الكفاية» 2002، «صوفيا» 2004، «طوق الطهارة» 2007، «القندس» 2011. لكنه في «موت صغير» بدا مختلفاً، فإذا كانت أعماله السابقة تتخذ من جدلية العلاقة بين الرجل والمرأة فكرة محورية تدور حولها أغلب أحداث رواياته، فإنه في عمله الأخير اختار السيرة والتجليات الروحية والفضاء التاريخي في سرد حكايته الجديدة، مستعيناً في ذلك بلغة كلاسيكية انتزع أغلب مفرداتها من الميراث الإسلامي الصوفي الغزير.

وأظن، ظناً بريئاً من الإثم، أن رهان علوان على النجاح المتوقع لتجربته الجديدة يستند إلى رواج هذا النوع من الكتابة، التي تتخذ من السيرة التاريخية والحياة الروحية موضوعاً أثيراً في المشهد الثقافي الحالي، الذي قابل بحفاوة أعمال شبيهة، كـ»قواعد العشق الأربعون» للكاتبة التركية إليف شفق، التي استندت فيها على سيرة العارف الشهير جلال الدين الرومي مع مرشده الروحي الدرويش المتنقل شمس التبريزي.

ويستند هذا الرواج اللافت للمنجز الروائي الحديث نسبياً إلى سلسلة من الأعمال التي اتخذت من التاريخ نقطة انطلاق لبناء أحداث متخيلة أو سردت التاريخ بشكل روائي، بينها عمل الروائي الفرنسي اللبناني أمين معلوف في روايته التاريخية «سمرقند» المنشورة العام 1988، والتي تجري أحداثها في بلاد فارس وآسيا الوسطى في القرن الـحادي عشر، وتدور حول عالم العالم والفيلسوف والشاعر عمر الخيام.

كذلك يبرز عمل يوسف زيدان في روايته «عزازيل» الصادرة سنة 2008، والتي تدور أحداثها في القرن الخامس الميلادي ما بين صعيد مصر والإسكندرية وشمال سورية، عقب تبني الإمبراطورية الرومانية للمسيحية، وتمتاز هي الأخرى بلغة شعرية ذات طابع صوفي كما في مناجاة هيبا لربه.

وتبرز في هذا الخضم، قبل ذلك بفترةٍ أبعد، رواية الأديب السلوفيني فلاديمير بارتول (ت 1967م): «آلموت» التي نشرت العام 1938 وترجمت إلى لغات كثيرة، وأصبحت من أهم الروايات التاريخية في القرن العشرين، وقد لاقت نجاحاً كبيراً واستغرقت كتابتها عشرة أعوام، وهي رواية تدور أحداثها في قلعة آلموت الحصينة متخذة من حياة الزعيم الإسماعيلي الحسن بن الصباح ودوره وجماعته في رسم مفاصل تلك المرحلة التاريخية محوراً لأحداثها، ناهيك عن ما تقدّمه من وصفٍ دقيقٍ للحياة الداخلية لفرقة الإسماعيلية بما فيها من تفانٍ وطاعة، وانضباطٍ وشجاعة.

في هذا السياق ذاته، يأتي عمل الشاعر والمسرحي والروائي الإسباني الشهير أنطونيو غالا، في «المخطوط القرمزي»، التي تحكي قصة آخر سلاطين الحكم الإسلامي في الأندلس، وقد طُبعت وأعيدت طباعتها أكثر من عشرين مرّة حتى الآن، ووصل عدد النسخ إلى أكثر من مليون نسخة.

وكذلك قدم الروائي الفرنسي المولود في القاهرة جيلبرت سينويه أكثر من عمل روائي، اتخذ فيها التاريخ منطلقاً لنسج أحداث أعماله، ففي روايته «اللوح الأزرق» تتحول إسبانيا زمن سقوطها وهزيمة المسلمين وخروجهم منها مسرحاً للأحداث، ويستعرض الكاتب الأحداث من محاكم التفتيش إلى المجازر والمحارق التي أبيد فيها العرب والمسلمون وحتى اليهود، إلى المكائد التي استطاع من خلالها ملك وملكة إسبانيا إشعال الحرب والمضي فيها إلى حين بلوغ لحظة الانتصار التي وصلوا إليها بالخديعة. وهكذا الحال أيضاً عمله الآخر: «ابن سينا أو الطريق إلى أصفهان»، وهو عمل روائي اعتمد فيه المؤلف على ما تركه لنا تلميذ ابن سينا، وتابعه أبو عبيد الجوزجاني الذي صاحبه في حله وترحاله.

الأكيد أن علوان استوعب كل هذا المنجز الروائي، وتابعة بدقة وحاول أن يشارك فيه بجرأة؛ لكن أكثر الأعمال التي بدا علوان متماهياً فيها دون شك هي الرواية التركية «قواعد العشق الأربعون» بدءاً من مفتتحات الفصول، وليس انتهاءً بالحكايتين المتوازيتين. ففي حين سردت شافاق حكايتين متوازيتين، إحداها في الزمن المعاصر والأخرى في القرن الثالث العشر، سرد علوان حكاية رحلة المخطوط بالتوازي مع حكاية رحلة الشيخ محيي الدين ابن عربي.