arrow-leftarrow-rightaskfmemailfacebookgoodreadsinstagramtwitter
العودة إلى قراءات نقدية في طوق الطهارة

مجلة المجلة

قراءة واحدة لا تكفي

هديل ناصر العبدان

كاتبة سعودية

تختلف الكتابة، باختلاف ظروفها، وأزمنتها، وأمكنتها، لذلك فليس كل كاتب نجح في عمل من أعماله هو بالضرورة كذلك في كل عمل له من بعد، وليس كل كاتب فشل في عمل سيفشل في القادمة، لأن نوع الكتابة و أسبابها وكما ذكرت ظروفها، هي عوامل مؤثرة بشكل أساسي في العمل، هذا أيضاً بالإضافة إلى دور المتلقي وسط كل هذا.

ولكننا نرى أحياناً أن هناك بعض الكتاب قد خرجوا بأعمال نجحت نجاحاً باهراً وحققت صدى كبير في الوسط الإعلامي ولكنهم لم يستطيعوا تجاوزها بعد رغم أنهم أصدروا العديد بعدها، وهناك كذلك من استطاع وبقوة وبجدارة تجاوز ذلك العمل بأفضل منه.

إن المطلع على الساحة الأدبية لا يمكن ألاّ يكون قد سمع – هذا إن لم يكن قد قرأ – رائعة الروائي السعودي محمد حسن علوان.. رواية ”سقف الكافية“ الصادرة عن دار الفارابي عام 2002م ولتصدر الطبعة الثانية منها عام 2004م، ولأن محمد حسن علوان شاعراً في طبيعته فقد جاءت لغة الرواية غارقة في الشاعرية، تلك التي سببت ردود الفعل المتناقضة حول الرواية.

ولد الروائي في 27 أغسطس 1979م في مدينة الرياض، حاصل على بكالوريوس نظم المعلومات، كلية الحاسب الآلي، جامعة الملك سعود، احترف كتابة القصة القصيرة، والرواية، والشّعر، وكان في عام 2002م حينما أصدر روايته البكر أول شاب سعودي يقتحم عالم الرواية.

وعلى الرغم من أن هناك من يكتب بلغة شاعرية آسرة كي يحاول فيها أن يهرب من أخطائه الأخرى المتعلقة بالحدث أو الحبكة أو أي أساس، إلاّ أن رغم غياب الحدث والفكرة في السقف إلاّ أن الأمر لم يكن لدى محمد عبارة عن هروب، لأنه وعلى الرغم من غياب الحدث المميز وحضوره العادي لم يكن مرتبكاً.

لم يطل انتظار قراء محمد حسن علوان كثيراً حتى صدرت روايته الأخرى ”صوفيا“ عن دار الساقي عام 2004م ولكنها لم تكن في المستوى المأمول من الروائي ذاته الذي كتب رواية سقف الكفاية، وبدت كما علق الكثير كأنها خرجت قبل نضوجها تماماً، متأثرة بالأضواء التي لحقت بسقف الكفاية، ولكنها أيضاً بعد عامين خرجت بطبعة ثانية.

بقي اسم محمد حسن علوان مرتبطاً بسقف الكفاية مدة طويلة، حتى أن هناك من القراء من أدرج اسمه ضمن قائمة أفضل الكتاب بعد عمله الأول، ولكنه خرج لنا بعد ذلك بروايته الجديدة ”طوق الطهارة“ الصادرة عن دار الساقي عام 2007م، والتي أيضاً قد وصلت إلى طبعتها الثانية في ذات العام!

رواية طوق الطهارة مُقارنة بأعماله السابقة ”سقف الكفاية“ و”صوفيا“: أستطيع أن أقول بأن طوق الطّهارة هي الأم الشرعيّة لـ سقف الكفاية، أما صوفيا فهي عمل مختلف واستثنائي عن الاثنتين، أما عن طوق الطهارة كعمل مستقلّ للروائي، بظروفها وحالات ، فإنها من ناحية اللغة : شاعريّة جداً، حيث أنّها سرّبت في داخلها الفِكرة وجعلتهما كلاهما مِحور الرؤية، كان ينزلق عن طريقها من فِكرة إلى أُخرى دون أن يحدث جُرحاً في طريقه.
كانت سهلة.. ممتنعة، لا متكلّفة، ولا بسيطة، جميلة تشبهُ القصائد الغنائية، ولكنها لم تقف على حساب أيّ شيء آخر في الرواية.

أما من ناحية فكرتها : فهي لا هيَ العاديّة، ولا هي المميزة، هي بينهما، حيث أنّها لم تغب ليحضر أيّ شيء آخر، ولم تكُن تُسرّب في القلبِ شوقُ الحَدَث، هي كانت تحكي حكاية، تشدّ في حين حبل التشويق، وفي حينٍ آخر تُرخيه، وحضور شخصية الأخصائي النفسي في أحد شخوصها جعل بالضرورة حضور بعض التحليلات في النفسية والتي صاغها الروائي بصورة دقيقة جميلة.

وأما فيما يتعلق بالوصف :فقد كان يدخل في الكثير من التفاصيل، وأكثرها النفسية، بسبب حالة ”حسّان“ التي كان يعيشها، كان يصفُ الأشياء بدقة حتى كدتُ أشعر بأني أعيشها أنا حقاً، كان يعرف تماماً متى يُسهب، ومتى يتوقّف!.

وأما بالنسبة للأزمنة فقد استخدم في الرواية عدة أزمنة: حسّان الطّفل – حسان الشاب – حسان مع الجورية – حسان بعد الجورية وقبل غالية – حسان مع غالية – حسان بعد غالية، لم يكُن يسرد بطريقة متسلسلة للحكاية، حيث يبدأ منذ الطفولة ويكبرُ معه شيئاً فشيئاً، أمسك بالحكاية منذ منتصفها ليبدأ بها الرواية، ثمّ بعدها بدأ يُسرّب الأحداث داخل حديثه، ولم يُفقدني ولا لمرّةٍ واحدة خيط الحِكاية، وقد أبدع في تجزيء الأحداث في الفصول الأولى، حيث كان يذكر الحكاية بأجزاء متفرقة تتغير بزمنها، ليأتي في الفصل الأخير ويسردها كاملة.

ما أستطيع أن أجزم به، أن محمد حسن علوان تجاوز ”صوفيا“ بقوّة، و خرج بـ”سقف الكفاية“ الـ”كبيرة“.، وكذلك أيضاً بأن أعمال محمد حسن علوان الصادر منها والذي سكن موقعه الشخصي على الانترنت فقط، لا تكفيها قراءة واحدة.