arrow-leftarrow-rightaskfmemailfacebookgoodreadsinstagramtwitter
العودة إلى قراءات نقدية في سقف الكفاية

منتديات عناقيد الأدب

قراءة نقدية حول رواية سقف الكفاية

نهج النقد الاجتماعي

د. أسد محمد

كاتب وروائي سوري

الأدب بوجهيه الإصلاحي والتفسيري، لا يمكن أن يكون تغييرا أو توجيها أو حاملا لوظائف لا يحمّلها له المجتمع، أو قابلا لأن يكون خارج السياق الاجتماعي، أيا كانت قيمة ذلك الأدب أو صنفه، أو ما يحمله من شحنات إبداعية، فالأدب في النهاية محصلة لتفاعل اجتماعي إبداعي مع مكوني الطبيعة والبيئة وتلاقي مع فعليهما الجمالي، وفق بنى تتوافق مع مستوى الفعل الإبداعي: فعل غريزي، فعل حسي، فعل فيضي وقدرة النص على الإيفاء بما يطلب منه وظيفيا أو ما يوضع فيه، وتحميل الأدب من قبل البعض على أنه قوة قادرة على التغيير فذلك ضربا من تنظير غير واقعي، وضع الأدب ضمن سياق حداثي أو ما بعد حدثي، وذلك دون محاولة لاختبار المفاهيم في مختبر القابلية الاجتماعية أو مختبر المجتمع الذي يمثل المعيار الحقيقي لكيمياء المعادلات المختلفة التي تخصه من أدب وعلم وتقانة.. وهذا التجاهل من قبل النقاد أقحم الأدب في وظائف غير وظائفه ولا يمكن أن يقوم بها، حتى من الناحية الجمالية، فأطروحة الجمال المثالية في الطبيعة فقط، وليس في أي مكان سواها، وأطروحة الإبداع في المجتمع وليس في أي مختبر آخر، وبالتالي هل يمكن أن نقرأ الشعر مثلا في الفراغ، أو تكتب الرواية من فراغ.

ووفق الشرط الاجتماعي للإبداع تحقق الرواية النموذج التعددي الاجتماعي الخلاق التي دخلت فضاء المجتمع من بوابتي : الحرية وتعدد الأصوات، ورغم محاولات الاعتداء عليها من قبل السلطة الثقافية لتكون نصا مضادا للمجتمع، فلم تفلح في ذلك، وتمكنت من التمرد إلى حد ما من خلال تطوير أدواتها وخلق أشكال جديدة أكثر دينامكية من الأصناف الأدبية الأخرى.

للمجتمع شكلان من الإنتاج المادي والمعرفي، وأما المادي فهو نتاج ميكانيكي عضلي للجسد مباشرة أو عبر تشغيل واستغلال الآلة أو قوى الطبيعة المختلفة، وأما الإبداعي فهو نتاج فكري خلاق، نتج عنه شكل جديد من أشكال الإضافة لقوى المجتمع هي الطاقة المعرفية والتي يسعى من خلالها لتحقيق توازن اجتماعي كان محققا في فترة من فترات وجوده (مجتمع طبيعي قبل ظهور السلطة).

وأشكال الإبداع :
– علمي، اكتشاف قوانين الطبيعة وابتكار وسائل للاستفادة منها .
– أدبي – ثقافي، شعر، مسرح، مقال، رواية، نصوص مختلفة، موسيقا، موضا، رياضة، مهرجانات احتفالية، أعياد .. كلها في الجوهر محاكاة من قبل المجتمع (العقل الاجتماعي الفيضي لما أنتجته الطبيعة من جمال ودفق روحي – جمالي متسام) للطبيعة الملتحم بها.
– معرفي مزيج بين التفاعل المادي والإبداعي: انترنيت (علم + جهد عضلي في إنتاجه + ثقافة بأشكالها التي تشكل مادة تبادلية بين مكانين – شاشتين) مع بعضها البعض شكلت إنتاجا معرفيا يملك خاصية:
– الإدارة المعرفية لما هو ميكانيكي ومادي.
– الاشتراك في إنتاجه – من قبل الطبيعة والبيئة والمجتمع ( مزيج وتلاقح في أفعال – اجتماعي – بيئي – طبيعي، و يقابلها تفاعل في مستويات موازية – غريزي – حسي – فيضي)
– الوفرة والكفاية .
– التواصل والتعايش والتجدد.
هذه خاصيات اجتماعية محضة ولازمة من لازمات المجتمع كمكون طبيعي، وفق هذه القراءة السريعة يمكن فهم موقع الرواية بالنسبة للمجتمع بأنها إنتاج اجتماعي إبداعي، يدلل المجتمع من خلالها إلى وظائف ومهام مختلفة:
– ناطقة بلسان حال المجتمع على التغيرات الحاصلة في بنيته.
– مستوى الفاعلية الاجتماعية الإبداعية.
– التعريف بالقوة الإبداعية المنتجة لهذا الجانب الخلاق.
– التغلب على الخلل في معادلة توازنه مع الطبيعة: بعدما كان المجتمع ملتحما ومتوحدا بها في مرحلة من مراحل وجوده، فعمد على التعويض عن هذا التوحد بإبداع جماله الخاص ( أسطورة، شعر، مسرح، رواية، دراما ..)
– الفاعلية الإبداعية.
وهذه سمات أساسية من خصائص المجتمع، وقدرته على السعي من أجل تكوين فضاء خاص به يحقق له توازنا كان قائما في فترة من فترات تطوره (قبل ظهور سلطة العمل وما ترتب على ذلك من انقلاب في بنيتيه المادية والإبداعية)
وهذه المقدمة تساعد في تناول نقدي للرواية بعد أن وضعها في سياق اجتماعي، وطرح نسق تصنيفي على النحو التالي:
– هل لها خصائص اجتماعية؟
– هل هي إبداع اجتماعي أو سلطوي؟
– هل تستجيب للمكون الاجتماعي من حيث المقاربة للواقعين الاجتماعيين: المادي والإبداعي؟
– هل تشكل إضافة جمالية؟
هذه الأسئلة هي مبضع الناقد الاجتماعي لتشريح و فهم ما يقدمه المجتمع في عمله الحثيث لبلوغ درجة التوازن والكمال التي يسعى إليها، وحالة الإشباع التي افتقدها ويعمل على استعادتها من خلال تنشيط كافة قواه وأدواته للتغلب على السلطة الطارئة وما نتج عنها من تخريب.
وأرى أن كل عمل روائي هو إنتاج إبداعي يقدم من قبل فرد اجتماعي بالضرورة، يهدف إلى الكشف عن قواه الذاتية والمؤثرات الموضوعية عليه، ومهما حاول الخروج أو الابتعاد عن هذا المنطق فلن يفلت من معادلة شبه مطلقة : كل فرد هو كائن اجتماعي وكل ما ينتجه ماديا وروحيا يأتي ضمن نسق اجتماعي بحت، ويكون العمل ناجحا كلما أجاب عن أسئلة يطرحها المجتمع لا عن أسئلة يطرحها معبرا عن ذاته كمضاد اجتماعي، هو ناطقا باسم السلطة القائمة ( سياسية، دينية، اقتصادية، بوليسية، ثقافية .. ) بهدف ترويض وتمويه وخداع شرائح المجتمع لتكون أكثر قابلية للتطويع والاستعباد والخمول والقبول بما هو قائم كما يفعل شعراء المديح والذاتيون ومثقفوا البلاط ..
الرواية هي أكثر الأشكال الإبداعية الاجتماعية تحررا من الذاتية (اللاتواصل، اللاتعايش ..) المضادة للمجتمع، ومن السلطة المتطفلة على المجتمع، ومن هنا تقدم الرواية نفسها كنموذجين : نموذج ذاتي يقتل الذات عندما لا يكون لها مد اجتماعي، ذاتية محضة، ولها مد اجتماعي– إبداعي – متعدد الأصوات.
ووفقا لهذين النموذجين يمكن تصنيف الروايات التي بين أيدينا حسب الرؤى النقدية الاجتماعية : اجتماعي وغير اجتماعي
الاجتماعي : يملك خاصية المجتمع الإبداعية : التواصل، التعايش، التكيف، التجدد، هي جزء من الفاعلية الاجتماعية ( المادية والمعرفية والجمالية ) بحيث جزءها المادي له خصائص القصور الذاتي الاجتماعي الذي يحرك المجتمع لتحقيق توازنه المادي، وتوجد خاصية الإبداع المعرفي الواقع خارج خاصية القصور الذاتي بحيث يتمكن المجتمع التغلب على معوقات فاعليته الاجتماعية : الجذب الاجتماعي المادي ( على اعتبار أن المجتمع كتلة مادية ) الانتشار أو التمدد المعرفي ( على اعتبار أن المجتمع مبدع )
الفاعلية الاجتماعية :
– مادية لها علاقة ببنيته المادية (جموع البشر وما ينتجونه ماديا )
– إبداعية – معرفية لها علاقة ( بالإنتاج الفكري – المعرفي )
ومن هنا يكون :
– الفعل الاجتماعي – من وإلى المجتمع : يكون الفعل الاجتماعي ضمن حلقة مغلقة :مجتمع – بيئة – طبيعة، هي أفعال اجتماعية ( الحب مثلا لا يكون ذاتيا، يقتضي بالضرورة أطراف اجتماعية :
– ذكر – أنثى( حبيبة، أخت، أم، صديقة ..)
– فرد – طبيعة ( بكل ما فيها من جمال وروعة وتحولات ..)
– فرد – بيئة ( غابات، أزهار، طيور، ينابيع، أنهار، شواطئ، بحيرات ..)
والذاتية التي كرسها الشعر كان مع مرور الوقت عاملا من عوامل مقتله أو تراجعه اجتماعيا، ولم ولن يبقى منه إلا ما يشرعنه المجتمع، كالشعر الذي يتناول قضايا المجتمع ( تعليم، تطور، ثورة ضد السلطة، تكريس التفاعل الطبيعي – البيئي – الاجتماعي ..)
الرواية: فيها تعددية الأصوات والأفعال والفاعلين والنتاج، بمعنى هي خلاصة اجتماعية، ولها مقاربات اجتماعية ونجدها في خضم الفعل الاجتماعية الإبداعية، هذا من حيث الإنتاج الروائي عموما، ومن حيث الخصوصية الإبداعية، فلكل عمل روائي سماته الخاصة والعامة يتم تشريحها من قبل :
– القراء، بالرفض أو القبول، وهذا هام جداً.
– من قبل النقاد، وهذا أقل أهمية، لأن الناقد يمارس نوعا من السلطة على النص عندما يشرحه، والسلطة في جميع الأحوال ظالمة وغاشمة ومهمة النقد لا يمكن أن تتجاوز مهمة القراء، وأفضل ما يقوم به الناقد هو أن يكون قارئا فطنا، ويعبر عن إعجابه أو عدم إعجابه بالنص الذي بين يديه، ويعلق عليه بالطريقة التي يشاء أكاديميا أو كقارئ، لكن دون أن يمارس سلطة بمعنى أن يتطفل على المنتج الإبداعي ويظهر براعته محدثا خللا في فهم القارئ للنص ويؤثر عليه ودون أن يشعر يفرض عليه وجهة نظره جزئيا أو كليا، وهنا مكمن الخطر.
الفعل الروائي : هو ما تقوم به الشخصيات عبر تفاعلها وتواصلها وتعايشها، وينتج عن ذلك منتج إبداعي ما، له تصوراته ووظائفه وقيمه سلبا أو إيجاباً.
والفعل لا يمكن أن يكون فعلا انعزاليا، مادام هناك أطراف أخرى تحاور وتتفاعل، ويمكن للشخصية الواحدة أن تتفاعل مع أحلامها التي يشترط لتكون عوامل موضوعية ( الحلم بالبرية يجب أن تكون البرية موجودة..)، أما الذاتية المحضة (التملك، حب الذات على حساب الآخر، التطفل على عواطف الآخر، سرقة الآخر ..) فهي أفعال مضادة اجتماعية، معزولة، لا تمد المجتمع بأية فاعلية اجتماعية أو حراك اجتماعي ( شخصية سلبية وناقصة اجتماعية ولا يمكن لها أن تعيش أو تستمر أو تملك سمات اجتماعية – التجدد، التعايش، التواصل، التكييف) أو سمات اجتماعية ثانوية (القدرة على الإنتاج المادي والفكري)
– الفاعل: الشخصيات بمكونها البطل والثانوية، تكون نموذج ذاتي – فردي، كشاذ اجتماعي، فالمجتمع لا يعرف الفردية المطلقة، فالفرد لا وجود له خارج النسق الاجتماعي، ولا يمكن أن يوجد دون مقومات الوجود البشري ( تعايش، تواصل مع الآخر ..) ودون بيئة حاضنة ( أرض ينتمي إليها، تقدم له الغذاء والشراب والتفاعل من زراعة وثروات ومياه …) وطبيعة ينبت فيها ( ضوء، هواء، توازن ..)
توجد شخصية منتجة ماديا وفكريا وهي شخصية اجتماعية بامتياز ( فلاح، عامل، عالم، مدرس، ..) وشخصية سلطة مضادة للمجتمع، أي أنها تستهلك ولا تنتج، تستغل وتتطفل ولا تعطي، تعتدي ولا تتعاون، بمعنى فاقدة للسمات الاجتماعية ( العسكري، البوليس، الجابي، رجل الدين، المافيا، العصابات، شخصية سياسية، كبار الملاك …)، ومجمل هذه الشخصيات السلبية هي ليست في حالة صراع ضمن السياق الاجتماعي بقدر ما هي أدوات نهب واستغلال، والمجتمع برمته و بكل شخصياته هو : فاعل يصدر عنه الفعل، وفعله لا ينجز أو لا يتم دون ( البيئة الحاضنة والطبيعة التي ينبت فيها ) أبجدية الفاعل الاجتماعي هي ما يصدر عنه من أفعال لا نهائية يسوق من خلالها مركبه الاجتماعي ضمن فضائي البيئة والطبيعة اللتان تكفل له وجوده عبر تأمين ما يحتاج من طاقة (مادية، معرفية، جمالية..) لكي يستمر، ويتمكن من الفعل والتجدد والتواصل والتعايش.
والإنتاج الإبداعي هو مفعول به يستق مع الواقع الاجتماعي، ويمكن قراءته ضمن فضاء المجتمع كقيمة قابلة للتحول والتبدل، ويقع عليها النشاط الاجتماعي ككل متاح للقراء، وهنا تكمن أهمية الرواية كإبداع ومنشط وتلاقي اجتماعي يؤسس عليه للربط بين القوى الاجتماعية، واستكمال لثالوث العملية الإبداعية : الفاعل الاجتماعي، الفعل الاجتماعي، والمفعول به الاجتماعي هو استكمال للدائرة الاجتماعية، لتصبح العلاقة:
– داخل – داخل بدلا من صيغة السلطة داخل – خارج .
– التوازن الضمني بدلا من الخلل السلطوي .
– الفاعلية الاجتماعية المتكاملة : المادية والروحية .
وهكذا يكون الإبداع فعل ضمن نسقي ضمنا، وإضافة لا تتجاوز فاعليتها الخاصة والمكتسبة من المجتمع.

ورواية سقف كفاية وما تحمله من دلالات وتأويل وقيم تخضع لنسق إبداعي اجتماعي، تعكسه الفكرة ( الحب ) بين كائنين اجتماعيين بامتياز ذكر – ناصر، وأنثى مها، عبر سلسلة من تواصل، تعايش، تجدد، وضمن بيئة عربية محددة بمحلية سعودية، تمثل مركزيتها العاصمة الرياض، فكرة الرواية : علاقة شاب يشبه شخصية الكاتب اسمه ناصر، مع فتاة اسمها مها، وعمل الراوي على الانتقال من العام – الاجتماعي بمنع اللقاء بين أنثى – ذكر وبيئة تحرم هذا اللقاء بالمطلق من حيث الخلفية الدينية المدعومة من السلطة السياسية، واجعل خصوصيته في العلاقة بأن ناصر يبدأ بالعلاقة عبر الهاتف ثم اللقاء في فندق، ثم في البيت، وكأن ما يجري ليس في مجتمع سعودي محافظ، وإن كان ذلك يحدث، لكنه يبقى فعلا قسريا مضادا لإرادة السائد، وهذا الفعل القسري مرره الكاتب من خلال منطقه الخاص الذي يمثل حلمه أو ربما حلم جيل الشباب الذين كتبوا روايات متتالية حول ذلك مثل رواية بنات الرياض، لرجاء الصانع، ورواية قبلة المساحات الضيقة للكاتب الشاب فهد الغانم، وبما أن الرواية هي الناطق الجمالي – المعرفي بلسان حال المجتمع، فهي تمثل نداء حقيقيا على مطالب الجيل الجديد، بممارسة وظيفته الاجتماعية وفق حاجاته هو، وأن يؤدي وظائفه هو لا وظائف تأتيه عبر وصاية ما، بتعبير فيه تحدي (لابد من تضحية ما.. لابد من ضجة ما.. فالأقدار لن تمنحنا كل ما نريده دون سعي!) ص31

فمجتمع الرواية الذي هو : ناصر – مها، إضافة إلى الشخصيات الثانوية أروى، سالم، دينغل، ديار، هو مجتمع منكسر، حزين، متألم، لم ينجح في الانتقال من صيغ داخل – خارج ( البيئة الخليجية – العراقية ) ليفتحه على العالم بأن يجد مثلا حبيبة أخرى غير تلك العجوز دينغل في فانكوفر التي بث لها أحزانه، وظل كذلك حتى أثقل عليها وماتت، وغادره صديقه ديار ليبقى وحيدا في ألمانيا ثم يعود إلى الرياض، إلى حضنه أمه، هذه الدائرة الاجتماعية التي أغلقها الكاتب بعودة إلى عاصمته التي لم تسعفه في حبه، تمثل عودة إلى الصيغة ذاتها ( داخل – خارج ) المضادة للصيغة الاجتماعية ( داخل – داخل ) التي تتكون عبر دائرتين: دائرة الفرد الذات وعلاقته مع مجتمع، وعلاقة المجتمع مع بعضه البعض ليكون الفرد حتما في قلب المعادلة، وهنا لا بد من العودة لفعل الحب نفسه الذي مثل الخيط الذي ربط نسيج الرواية من أولها إلى آخرها مع استلاد لأفعال أخرى لا تخرج عن هذا النطاق، فظهر الحب على أنه مزيح من حب غريزي – حسي، في بدايته، وترافق معه أفعال غريزية من مواعيد، اتصال، لقاء كفعل مباشر، ارتقى إلى حب في مرحلة تالية بعد الفقد إلى حب فيضي له علاقة بالخيال والحزن والألم، والتذكر، لكن سقف الكفاية بقيت ضمن سقف حب غريزي – حسي أكثر مما هي حب عظيم أو حب فيضي، وهذا ليس مستغربا على بيئة لا تزال في علاقاتها الاجتماعية ضمن سقفي : الغريزة والحسي، ولم تصل في مجمل تطورها الحد الفيضي الذي له علاقة بالمجتمع المفتوح المتعايش المتواصل اللامركزي، ومن هنا لا ألوم الكاتب على منجزه الروائي الذي شكل إسقاطا فيه ألمعية حول واقعه دون زيف، وانشغل في طبقات الحب التي لم يسمح له بتجاوزها حتى في أحلامه “، «كل يوم يكتبُ فوقك سطراً.. ويمحو سطراً كتبته أنا من قبل، سيترعني سالم من عينيك شيئا فشيئاً.. دون أن تشعري!.. ألم أكتب أنا فوق حسن؟ ألم يكتب حسن فوق عبدالرحمن..» ص 80. وتحسب له نقطة اللغة الحية والشاعرية التي حددت سقف الرواية تحت مستوى المسحوح له الخوض فيه ” هذا المستجير من ضياع.. إلى ضياع..” ص94.

أو ما يحدده لنفسه من واقع متعاكس معه، فيصرخ “أريد أن أموت أن أموت!” ص163، وكأن الرواية سلسلة من صرخات خفية، يبلغ رد صداها جيلا عبّر عنه الكاتب بشجاعة.