فضل الفراق على الأدب

وما الذي يبقى من قصص الحب إلا حبر على ورق يتندرون به..

غادة السمان

عدة أسباب جعلت رواية سقف الكفاية لمحمد حسن علوان على رأس قائمة الكتب التي يجب قراءتها في هذه الفترة، غيابُ الرواية عن مكتباتنا، وامتلاء الصحف في الكتابة عنها، والتشكيك في أن علوان هو كاتب الرواية في سابقة نادرة يتهم فيها رجل بمثل هذا الاتهام.

لا أعرف!

لماذا ينشغل النقاد عن النص بمثل هذه القضايا الجانبية طالما أمامهم نص وعلى غلافه اسم ولم يرفع أحد قضية على الكاتب ويتهمه بسرقة النص!

هذه أسبابي الشخصية لقراءة الرواية، فمن يستطيع مقاومة رواية سعودية!، عاطفية، وممنوعة، وصاحبها متهم باتهام لا يطال عادة الكتب الرديئة، حصلت على الرواية بسهولة.. والتهمتها في يومين.

أول ما يتسرب إليك من الصفحة الأولى هو روح أحلام مستغانمي، وبالمناسبة.. أحلام أيضاً تعرضت للتشكيك في أنها كاتبة رواياتها!

الروايتان ذاكرة الجسد لأحلام.. وسقف الكفاية لعلوان يجلس فيهما البطل على أطلال قصته ويستعيد تفاصيلها ولحظاتها.

كلا الروايتين تعتمدان على التفاصيل الصغيرة، أما الأحداث الكبرى فهي قصة العشاق منذ الأزل. ((يلتقون. يتحابون.يفترقون)).. ويالفضل الفراق على الأدب.

دوماً قصص الحب التي لم تكتمل هي التي تكتب، ربما لأن الأخرى تتكفل بها الطبيعة بأن تحولها إلى ملحمة من نوع آخر، من لحم ودم وأطفال وأسرة.

يجلس البطل بعد الفراق على حافة جرحه ويستعيد لحظات حبه ليرتب أحاسيسه.. ليعتقل اللحظات الهاربة ويخلدها على الورق قبل أن تذوي. أليست هذه وظيفة الفن؟، اعتقال اللحظات الهاربة في نص أو لوحة أو صورة؟

أو ربما هي محاولة للتحايل على الجرح والتخلص من القصة وتشييعها في كتاب..

ذاكرة الجسد وسقف الكفاية.. كلا الكتابين يمكن أن تطلق عليهما لقباً جديداً هو: رواية بمرتبة ديوان شعر. أي تقرأها للمرة الأولى كرواية للتعرف على شخصياتها وأحداثها ثم تتعامل بعدها معها كديوان شعر، تتعامل مع كل صفحة كقصيدة مستقلة، إنها رواية تعتمد على التفاصيل.. على المشاعر.. على الأحداث الصغيرة (أليست الحياة كلها تعتمد على التفاصيل وليس على العناوين الرئيسية!)

تظهر في الرواية ثقافة الكاتب، ولغته الشعرية الجميلة، وتأثره بالقرآن (بين أوراقي شرذمة أفكار متفاوتة النمو بعضها نطفة وبعضها علقة ومضغة ولحم وعظام). (قلمي عصاي التي أتوكأ عليها وأهش بها على ألمي).

شيء واحد لم يخطر ببالي.. هو ألا يكون كاتب الرواية هو علوان !، فهذه العاطفة الجامحة، والرؤية المشوشة للحبيبة، والحقد الطفولي على الزوج المخدوع، والإحساس بأن العالم كله توقف عند امرأة واحدة، كل ذلك لا يمكن أن يكون إلا في الحب الأول قبل أن تعلمه الحياة أن الشمس تطلع كل يوم والحياة تستمر.

لذلك أتطلع إلى الرواية القادمة للكاتب بعد أن تصبح الخبرة والسنوات قد تضافرت مع لغته الجميلة وعينه اللاقطة وحساسيته العالية وثقافته لعمل أتوقع أن يكون استثنائياً.

رواية سقف الكفاية هي باختصار كما يقول الكاتب عن نفسه: ((أنا عاشق رحلت عني حبيبتي وتركت لي قلماً وذاكرة))

إنها من أفضال الفراق على الأدب..

ويالفضل الفراق على الأدب..