arrow-leftarrow-rightaskfmemailfacebookgoodreadsinstagramtwitter
العودة إلى قراءات نقدية في موتٌ صغير

موقع "جيل جديد"

موتٌ صغير

سيرة الشيخ الأكبر

عبير حماد

مترجمة من الأردن أ

” هذا كوخ مُسنم في أعلاه. إذا اضطجعت فيه لأنام اضطجعت على ميل لفرط ضيقه ، وإذا وقفت خنقني دخان النار الذي يتجمع في سنامه ويحجب سقفه “

 هكذا بدأ محمد حسن علوان روايته الصادرة عن دار الساقي سنة 2016 والمعنونة بـ “موت صغير”، الرواية التي تؤرخ لسيرة شيخ الصوفية الأكبر مُحيي الدين ابن عربي في 591 صفحة من القطع الكبير. قسم الكاتب روايته إلى مسارين أساسين: الأول مسار لمخطوط متخيل كتبه ابن عربي وتنقل بين الأيدي على مر الزمان والحروب ليصل أخيرًا في عام 2012 إلى يد سيدة نالت بسيرة ابن عربي درجة الدكتوراه. أما المسار الثاني فكان سيرة ابن عربي منذ أن التقطته يدي القابلة فاطمة وحتى حلقت روحها إلى بارئها بكل ما حوته حياته من إيمان وشك،سفر وحضر، عِلم وتعليم. وقد جُمعت المسارات على شكل فصول أساسية بعنوان الأسفار بلغت اثني عشر سفر بداخلها فصول رُقمت فبلغت مئة فصل، تلك الفصول الداخلية عُنون ما تناول سيرة ابن عربي بمقولاته وحكمه، أما التي تتبعت سير المخطوط فعنونت بتواريخ الأحداث وأماكنها لتكشف لنا كيف أن هذا المخطوط منذ كتبه صاحبه وهو سفر كما هو صاحبه الذي قال: منذ أوجدني الله في مرسية وحتى توفاني في دمشق وأنا في سفرٍ لا ينقطع”.  من الجدير بالذكر أن روايتنا هذه دخلت القائمة الطويلة لجائزة البوكر لسنة 2016 منافسةً خمسة عشرة رواية أخرى.

يعد هذا العمل عملًا أدبيًا مميزًا من نواحٍ عدة أولها: أنه التجربة الأولى لكاتبه،فمحمد حسن علوان الكاتب الذي دخل سباق البوكر قبلًا عن روايته القندس، دار في أعمالها كله حول دائرة الحب والضعف الإنساني والصدمات والشعور وتعد هذه الرواية مفاجأة للجمهور بحبكات لم تكن مميزة أو فلنقل كانت متوقعة وبسيطة، فالكتابة عن قامة كقامة ابن عربي بما له من مكانة في قلوب محبيه من الصوفية أو معجبين به أو في قلوب مكفريه والناقمين على مذهبه هو تجاوزٌ للخطوط الحمراء ولعب بالمحظور، ولنكن صريحين فإن العمل كان تحفة أدبية معاصرة بغض عن النظر عن الأحداث وصدقها وقدسية بطلها، حيث استطاع علوان الانتقال بقفزة ناجحة إلى الكتابة السيرية الروائية بلغته الأدبية المميزة التي قد تدفعك لقراءة أحد أعماله السابقة فقط لعذوبتها وجمالها، كما أن اللغة التصويرية الوصفية كانت فعالة إلى حد أن جعلتك تستطيع تخيل التراب يعلوك، والسُرج تحيط بك، ببساطة استطاع علوان أن يعود بنا إلى ذلك الزمن القديم وتصوير تلك الحقبة وجذبنا للعيش داخلها وبين صفحات الرواية. وربما اعترض البعض وشكك بمصداقية الروايات فإننا نرد عليه قائلين بأن الروايات لم ولن تكون مرجعًا تاريخيًا تامًا وإذا كنت تبحث عن سيرة ابن عربي الرسمية فابحث عنها في مكان آخر، فهذا العمل أتى ليقرب العالم من ابن عربي المهضوم الحق عندنا كعرب والمكفر بطريقة حيادية لم تقف معه أو ضده بل ببساطة كانت كعين تجول معه وتسافر. ومع كل المديح الذي ذكرناه عن نجاح محمد أدبيًا إلا أننا نلومه في بعض الأحيان لاستخدام بعض الكلمات التي كانت صعبة على عددٍ من القراء وأشعرتهم بحاجة للعودة إلى معجم مما خلق ربما فجوة صغيرة منفرة،كما أنه أسهب الوصف في بعض الأجزاء والصفحات مما جعل القارئ يرمش بعينيه ناعسًا منتظرًا ترحال ابن عربي وحدثًا يحرك الأجواء.

نستطيع أن نختصر تعليقنا على الرواية بالتالي: كانت الرواية ككاميرا مثبتة على رأس ابن عربي تلاحقها وترصده، فقد عشنا معه ولادته الحقيقية و القلبية، عشقه الدنيوي وذلك الإلهي، سجنه ومشيبه، حزنه وفرحه وهذا يعود إلى نجاح الكاتب الذي استطاع أن يفتح لنا في خيالنا بوابة حيادية على التاريخ لشخصية اختلف فيها واختلط بأمرها بلغة أدبية رفيعة هي المعتادة من الكاتب، و لربما تخوف بعض قرائنا بناءً على تجاربهم السابقة من قراءة العمل لكننا نضمن لهم تجربة صوفية مميزة ستلمس عقولهم وقلوبهم وستحلق بهم.

أخيرًا ولو لم تفز هذه الرواية بجائزة الرواية العربية فإننا نضمن لك قارئنا العزيز سفرًا روحيًا يعول عليه.

نُقيم هذه الرواية بـ 4.5/5 ،أما القراء فقد قيموها في موقع القودريدز بـ أربع نجمات.

 

نقتبس لكم من الرواية:

” ميز نفسك الحقيقية تجدها متخارجة عن الزمان، لا ماضي لها ولا حاضر ولا مستقبل،عندها تجد سلامك الروحي”.