arrow-leftarrow-rightaskfmemailfacebookgoodreadsinstagramtwitter
العودة إلى قراءات نقدية في سقف الكفاية

جريدة الرياض

سقف الكفاية: رواية الأغنية الأخيرة!

سعدية مفرح

شاعرة وصحفية كويتية - مديرة القسم الثقافي بجريدة (القبس) الكويتية

هل أقول أنني اكتشفت بمحض الصدفة، ووفقاً لدفق المفاجأة روائياً مدهشاً بمجرد قراءة روايته الأولى؟ ولكنني انتقص من محض الإبداع في تعريفه الأولي الكثير من عناصر تحققه، وموجبات تكونه، وعناوينه القصوى أن اختصرت الأمر بخبر يوحي بالتعالي الذي اعتدنا عليه ينسرب إلينا من ثقوب المديح الذي يفرض نفسه على الطريقة العربية التقليدية.

عندما وصلتني تلك الرواية لذلك الروائي، عبر البريد ممهورة بتوقيعه النبيل، وكلماته المتواضعة، بدأت بقراءتها على الفور، رغم عادتي في تأجيل قراءاتي الروائية بالذات حتى أجد لها فسحة بين كتابين مختارين من الشعر والسيرة أو التاريخ أو الرياضيات لأقرأها فيها..، ولكنني أعترف أن عمر كاتبها المدون على غلافها الأخير هو ما أمسك بتلابيب اهتمامي وقادني لغلافها الأول ثم لصحفتها الأولى التي كانت كفيلة بتحقيق متعتي صعبة التحقق عادة حتى السطر الأخير.

الروائي هو محمد حسن علوان والرواية هي “سقف الكفاية”، وأنا أكتب عنه وعنها للمرة الثانية، وإذا كنت أتمنى أن يقدر لهذه الكتابة الثانية أن تُنشر فلأن الكتابة الأولى ضاعت بين أضابير الكتابات التائهة هنا وهناك بين وصايا المسموح ومحظورات الممنوع.. ولكن لا يهم، فالروايات الجميلة تبدو صالحة للكتابة وتكرار الكتابة عنها دائماً حتى لو كان التكرار صعباً بحذافيره، وحتى لو بدا دائماً أن الكتابات الأولى هي الأحلى، وهي الأكثر قدرة على التعبير عن دفقة الشعور الأولى دائماً.

هي رواية تحكي حكاية عاشق رحلت عنه حبيبته وتركت له قلماً وذاكرة، فلم يجد بداً من أن يبتكر حياة ممتدة في الزمان والمكان، متجاوزة لأفق الذاكرة إلى ما كونها ومن كونها، ولحبر القلم إلى ما كان السبب الأولي لوجوده أساساً.. عاشق يمارس عشقه حياة، ويزهد فيها، وبين الحالين يتكون روائياً حقيقياً.. روائياً يتجاوز الحكاية وتفاصيلها الحميمة، الجميلة، إلى أفق لغوي تنتشي فيه الكلمات بدفق ذكي يحاول هذا الروائي الشاب من خلاله أن يتذكر كل ما قرأه في حياته من قصائد وروايات وأخبار وتواريخ وتحقيقات ومقابلات، وينساق وراء معلوماته الكثيرة، المكتسبة بالضرورة، ليكتب منها رواية ناجحة تحكي حكاية عاشق محترف.. يغني على أطلال تجربته الأولى الأغنية الأخيرة، ليس لأن تجربته القليلة في خضم الحياة لم تسعفه على تجاوز التفاصيل المعتادة للحكايات العاطفية المشابهة وحسب، ولكن لأن تلك الحكاية قادته دون أن يحتسب للمزيد من الحكايات المنفتحة على جروح أكثر إيلاماً تتقاطع في منعطفاتها الكثر من الشعارات التي رضعنا حليبها القومي جيلاً بعد جيل وسنة بعد سنة.

ورغم أن الروائي الشاب ينجح في الانتقال بين منعطفات الرواية برشاقة ملحوظة مستعيناً بأكثر من صوت روائي، إلا أن أصوات مبدعين آخرين ظلت دائماً، وعلى أكثر من مستوى تشكل خلفية ممتدة بين الزمان والمكان، وبين الحوار والسرد، وبين الشعر والنثر، ولعل هذا لا يعيب الروائي الذي يقدم روايته بثقة جميلة بقدر ما تعيبه تلك الأخطاء النحوية واللغوية التي أزعجت السياق وتلك اللغة الساحرة.