arrow-leftarrow-rightaskfmemailfacebookgoodreadsinstagramtwitter
العودة إلى قراءات نقدية في صوفيا

موقع جسد الثقافة

روايـة (صوفيا)

جلال هاشم الجارودي

أنا من المعجبين بالشاعر والروائي محمد حسن علوان ولا أخفي انبهاري بقدرته على التشبيه والتمثيل ورسم الصور الجميلة التي يكشف فيها المعاني بوضوح، بالإضافة إلى مهارته الفائقة في بيان الأفكار واستخدام الألفاظ. ولعل أكثر ما يجذبني إليه هو تلك الرومانطيقية التي تتمحور حولها رواياته وكتاباته بشكل عام. وأعني بالرومانطيقية المعنى القديم لها: التلقائية في التعبير، وتقديس البدائية والسذاجة حول الذات، والتتبع في الكتابة دور المـُلاحـِظ والمـُلاحـَظ، أي ما يرى على الآخرين وما يراه على نفسه ..

هذه الأيام أعدت قراءة روايته الثانية “صوفيا “، ومع أنها قراءة ثانية إلا أن نفسي ارتوت بلغتها الشعرية الجميلة ومما يتدفق من معين تعبيرها الأنيق الزلال، كأني أقرأها للمرة الأولى.

بعدما انتهيت من قراءة الرواية، لفت انتباهي العنوان ” صوفيا ” *، فبرغم أنه اسم بطلة الرواية إلا أنه يكتنز معاني غنية يعكس ما طرحته الرواية من أفكار فلسفية إذ لصوفي معنى في اللغة اليونانية يفصلون فيها بين فايلو Philo : المحبة، وصوفيا Sophia : الحكمة، وبذا يكون المعنى ( حب الحكمة ) ولكلمة حكمة – صوفيا – معنيان: معنى ( أخلاقي ): ويقصد به سيطرة الإنسان على ذاته. ومعنى ( عقلي ): ويقصد به محاولة فهم الكون للوصول إلى المبادئ والأسباب الأولى له وتجاوز الآراء الخاطئة لدى العوام. ولـعل أكثر فكرة فلسفية ظاهرة على سطح الرواية هي فكرة: السكون/ الثبات بمقابل الحركة/ التغيير وما يبرز بينهما من تساؤلات وحير عندما تطبق على نموذجي الحياة/ التغيير الموت/ السكون .. وحتى لا أنجر في تعريفات ومصطلحات تبعد عن الحديث عن الرواية إلا أني أحببت سوق هذه اللفة للتأكيد على أن العنوان كان يرمز للبعد الفلسفي في الرواية بالإضافة إلى اسم بطلته..

معتز شاب في الثلاثين من عمره لا يلفت الانتباه ولا يثير التساؤلات، يعاني حالة عميقة في داخله لا يدري ما هي، خلل في العصب البصري، أو تمرد في خلايا الذاكرة أو جنون في النظام الكروموزومي، المهم أي شيء يمثل أمامه سيقبل به، شرط ألا يظل على حالته نفسها أطول من الوقت اللازم، ويصبح مملاً. أنه يهفو للأشياء الغريبة ومهووس بالتجريب. مات والداه بحادث سير وهو في الخامسة والعشرين من عمره، وتركا كل ثروتهما له، تزوج وسرعان ما طلق زوجته بعد ثلاث سنوات من الارتباط خوفاً من اعتيادها وما يستتبع هذه الحالة من ملل. في يوم تعرف على صوفيا المسيحية اللبنانية عن طريق الانترنت فمثلت له حالة غريبة تعاكس الرتابة التي يعيشها، فقرر زيارتها في شقتها في بيروت، وعندما دخل أحس أنه دخل إلى ضريح فلقد كانت صوفيا تعاني مرض السرطان وعلى وشك الموت [ سبب واحد فقط أنقذ علاقتنا بطوق الاختلاف قبل أن تغرق، وهو أن صوفيا أنثى تعاكس قدر الديمومة التي تشترطها الناس في الحب ] يقيم معها لمدة طويلة تحاول صوفيا أن تجذبه إليها، تغير ملابسها باستمرار وتسمعه الموسيقى وتنام معه في الفراش .. إلخ حتى يبدأ المرض بخدمة الموت فـ…

الرواية مليئة بالتفاصيل حول مرض السرطان المرصودة بعناية، كما هي مليئة بالتفاصيل الدقيقة حول اضطرابات النفس وتغيراته مع تأملات فلسفية غاية في الحكمة. وأكثر ما يلفت في الرواية هو النص الجميل الشاعري الذي يعتمد ويراهن عليه علوان كثيراً، وهو يستخدم في هذا النص ما يسمونه في علم البلاغة بـ ( المجاز ) أو بالأحرى ( مجاز المجاز ) أي طريق الوصول إلى المعنى عن طريق التشبيه بشيء آخر، ويبدو أنه شطح كثيراً في هذا المجاز لدرجة أنه شخص الله وجعله يتحرك وفقاً لتنظيراته عندما شبه صخرة الروشة بمقبض حقيبة يحملها الله حينما يسافر بالأرض !. ما يعيب الرواية – بوجه نظري – عدم وجود الشخصيات المتعددة والأحداث المتغيرة، وأنها تخلو من الفن في أساليب السرد، فليس هناك تعدد رواة أو فلاش باك أو أي أسلوب من الأساليب التي باتت سمة في الروايات الحديثة، ما خلا أن الرواية بدأت من النهاية ثم بدأت تتصعد من البداية. وأخالها هذه عادة الرومانطيقيين يهربون من القوالب والأشكال ويفضلون التداعي والإيحاء الحر، وأظن لا بأس بذلك حيث المهم في الرواية أن يتتبع القارئ فيها التجربة والإحساسات العاطفية، لا تدرج البناء الفني فيها. كانت الصور المتلاحقة في الرواية مؤثرة وذلك الواجب الذي لا بد أن يوفره الكاتب في الرواية وحسب القارئ أن يصل إليه.

أتمنى من محمد حسن علوان بما أنه أمسك القلم منذ العقد الثاني من عمره أن يواصل الشوط..

———————
* لقد أعادني العنوان إلى عنوان آخر لرواية مشهورة لـ جوستاين غاردر ” عالم صوفي ” التي هي رواية حول تاريخ الفلسفة.