arrow-leftarrow-rightaskfmemailfacebookgoodreadsinstagramtwitter
العودة إلى قراءات نقدية في طوق الطهارة

مدونة نورة الشمسان

ثرثرة في طوق الطهارة

نورة الشمسان

مدونة سعودية

وأخيراً بعد 3 أعوام قضتها هذه الرواية محشورة في الرف بين مثيلاتها اللاتي لم يُقرئن،جاء دورها لتؤدي عملها، وأظنني أصبحت أؤمن أكثر بمقولة ”كل تأخيرة فيها خيرة“،كان من الجيد جداً قراءتي لها الآن وليس قبل ثلاث سنوات عندما ألتقطتها بسرعة في زحام معرض الكتاب خشية نفاذها، وما إن تملكت نسختي وأرحت شعور التملك لدي في مثل هذه الأشياء حتى دسستها بين بقية الكتب بتأجيلٍ مفتوح الزمن وتلاشى أحتفائي الشديد بها بمجرد أن أنضمت لقائمة الذي ”سـوف“ يُقرأ وليس ”سـ“ يُقرأ..

قبل أيامٍ تكرمت عيني ووقعت عليها محض رمية بصر عشوائية، فسحبتها وفتحتها من المنتصف وبدأت أقرأ، رفعت بصري عنها كأنتباه متأخرٍ لكوني لازلت واقفة أستند على حافة المكتب، رميت نفسي على السرير، فتحتها من البداية ومضيت، وأكتشفت لا حقاً بعد عدة صفحات أنها هي من ستتكرم علي على مايبدو!

لست هنا أعتلي منبر الناقد الأدبي أو ماشابه من هذه الأشياء التي على شاكلة : ”أسمعوا رأيي أيها القوم، هو مايجب أن تعتدوا به، أنا مثقف وأقرأ الكثير وأجيد أنتقاد الأعمال : )“، كل مافي الأمر أني سأثرثر عن رأيي كقارئة عادية تبادل صديقاتها رأياً في رواية، وتحتسي كوب قهوتها ”البارد“ أثناء ذلك.

يصور علوان في طوق الطهارة حالة حب عصية في مدينة كالرياض، ولا أقول عصية كدلالة على عدم أكتفاء أطرافها بما يريدونه، بل عصية على التصديق لشدة ما أكتفى أطرافها من رغباتهم في مكانٍ كالرياض وكأن المدينة بأكملها أغمضت أعينها عنهم!، لا يرتكز محورها على الطرفين كلاهما بقدر مايرتكز على شخصية ”حسان “ الطرف الضحية، وللمرة الأولى في حياتي أقف في صف الطرف الذكوري في قصة حب!، نعم خُيل لي كم هو سيء في باديء الأمر، لكن صدقوني لست ناقمة عليه في نهاية المطاف!، أغلقت غلاف الرواية الخلفي وأنا أشعر برضى تامٍ على نهايةٍ أراحت تفكيري المشوش مع الرواية منذ أيام، لم يبعثر علوان أوراق الحب على مدى 287 صفحة ثم يختتم الموقف بمشهدٍ درامي غير متوقع حتى نصرخ في نهاية الأمر بـ ”يا ألله! والله قهر!!“ كما درجت العادة في حبكات قصص الحب السعودية التي طفحت للسطح كثيراً هذه الأيام، لكنه أختتم المشهد بشكل عادي جداً، يقتل في عاديته!

علوان أدخلنا دهاليز شخصية حسان وجعلنا نرى قبيحه قبل جميله وذنوبه قبل حسناته، جعلنا نسهب في الإنتقاد ووضع الظنون السيئة نصب أعيننا في كل صفحة جديدة نقلب عليها، حتى إذا ما اكتملت الصور، و أصبح المشهد ماثلاً أمامنا، خجلنا وصفقنا بحرارة، لا لروعة المشهد، بل للطريق الذي سلكناه حتى نصل أخيراً لقناعة النهاية.

يحاول أن يكون عادلاً في تقسيم سخطه نحو الأشياء التي تقاسمت بطلنا حسان كلقمة سائغة تؤدي بها عملها، شيءٌ منه حظي به المجتمع، شيءٌ منه حظي به والداه، شيءٌ منه حظيت به طفولته، شيءٌ منه حظيت به الرياض، شيءٌ منه حظيت به النساء اللواتي مررن في حياته كأسوأ هروب، وأخيراً.. شيءٌ منه حظيت به غالية، الفتاة \ الشعرة التي قصمت ظهر البعير، والتي بمجيئها أنقلبت الأوراق وبدأت أتنحى تدريجياً بجانب حسان في مواقفه و أوافقه على كثير منها على مضض، حتى تحول هذا الـ ”مضض“ إلى موافقة تامة على خط النهاية الذي وضعه لقصة كهذه وحدد بكل بساطة ممتنعة كيف سيكون شكل الوصول إليه، من الذي سيصل متعب الأنفاس جداً لكنه ظفر بما يريحه ومن الذي سيمشي ببرود لا يزيل عنه سوء المشوار حتى وإن وصل النهاية وتوقف!، أبدع علوان في رسم مشهد خط النهاية، هناك حيث لا جمهور عن يمين ويسار الخط يهتفون بأعلامهم بحماس، وحدهما حسان وغالية كانا المتسابقان الشاهدان على نفسيهما، لم يكن هناك ثمة شريط أحمر يقطعه الفائز حين يمر عليه بسرعة في منتصف جسده، كان شريطاً وهمياً غير محسوسٍ أحس به أحدهما وهو تحت الماء المنهمر على جسده كخطوط نهاية و انتصار لا منتهية، مع كل قطرة تسقط على جسده في تلك اللحظة كان شعور الحبل الذي يقطع الفائز بمرور جسده عليه يأتي..

لا يعيب الرواية في نظري سوى الطريقة التي وصف بها علوان أنهماك بطلنا حسان في سيلٍ متدفقٍ من النساء لأجل إشباعٍ بلا مشاعر على أنها مبررة لبطلنا نتيجة ماحدث له، وسياق وصف حالة حسان مع تواجد هؤلاء النسوة كان أستعطافياً يضغط على القاريء ليتعاطف معه لكني لم أبرر له ذلك أبداً وبالتالي فتلك الخدعة لم تنطلِ علي، كان يمكن لحالة الحزن والكآبة التي ألتفت حوله أن تتدفق نحوى مجرى آخر غير النساء، لكن ما أراد الكاتب إيصاله واستخدامه كدرع للتبرير هو أن مدينة كالرياض ومجتمعٌ كمجتمعها لا يتركان فرجة لتصريف نفايات الكآبة بطرقٍ جيدة، لذلك كانت النساء الخيار الوحيد، وهذا مالم أتفق معه، ربما لأني أشعر بأن قسوة هذه الرياض الجافة ترق تدريجياً وترفع راية الإستسلام البيضاء وتحني قامتها أمام قسوة الحب في وجه قلبٍ معطوب تماماً إلا من البكاء، رغم قسوة الرياض وجفافها وصمتها المريب إلا أنها تخبيء للقلوب المعطوبةٍ مساءً يواسيها تحت جناح شجنٍ مسائيٍ ساكنٍ مع النفس، لا يهم إن كان شريكنا في هذا الشجن بدر بن عبدالمحسن أم عبدالمجيد عبدالله، ماجدة الرومي أم جوليا بطرس، حسن علوان أم أحلام مستغانمي، سيلين ديون أم تايلور سويفت، رسائل أصدقاء أم صخب تسوق، نومٌ أم استلقاء أمام مسلسل أمريكي يطوي حزننا بوقته، لا يهم من أو ماهو شريكنا، المهم أن الرياض ليست بتلك القسوة التي وصفها علوان، إنها تفتح ذراعيها قليلاً بندم وتطبطب على القلب المعطوب محاولةً خلق وسائل كثيرة لتضميده ربما لم تكن تظهرها من قبل،لذلك مرة أخرى، سيل النساء ذلك لم يكن مستساغاً ولا مبرراً البتة.

في صميم العاطفة ذاتها، أصفق بحرارة، وأعترف بتلاحق أنفاس دهشتي التي تحدق بين الأسطر في وصفٍ ولا أجمل لكوارث لذيذة تحط على القلب كـ حبٍ، كـ حياة، كجنونٍ لا يسهل إمساكه فضلاً عن كتابته بتعقل!، كان وصف شعور اللحظة، شعور الكلمة، شعور الموقف والمبدأ، أجواء الحوار وانفعالاته، نقياً جداً كماءٍ يعكس وجه السماء الأزرق، لذيذٌ لدرجة المشي عليه بقلم رصاص يحوله لسيمفونية مقتبسه.