arrow-leftarrow-rightaskfmemailfacebookgoodreadsinstagramtwitter
العودة إلى قراءات نقدية في موتٌ صغير

صحيفة الرياض السعودية

موت صغير

ثالثة البوكر سعودياً

سعد الحميدين

كاتب سعودي

سجل الروائي محمد حسن علوان الفوز الثالث بجائزة البوكر بروايته (موت صغير)، وقد كان الأول عبده خال بروايته (ترمي بشرر)، و”الثاني/ة” رجاء عالم عن طريق روايتها (طوق الحمام).

هذا الثلاثي دخل الأفق الواسع للرواية العالمية في السنوات الأخيرة المتقاربة، وبشهادات النقاد من المقومين والمهتمين بالرواية العربية بأن الروايات الثلاث استحقت الجائزة عن جدارة فنية تمثلت في الأعمال جميعها، حيث ظهر فيها عامل المثابرة والأناة مع التركيز على المواضيع التي تناولوها سواء أكانت من الواقع المعاش كمرتكز، أو من التاريخ واللجوء إلى البحث والتنقير ومن ثم ربط ذلك في حزام سردي يأخذ الموضوع في إطاره العام ويفنده بالشواهد أحياناً، وأخرى بالخيال المصحوب بجمالية وطلاوة السرد، ولكن المهم في الأمر أن المواضيع التي طَرَقَها، أو تَطَرَّق إليها الثلاثي الروائي كانت تصور وتجسد أفكاراً تدور في العقول سواء كانت قديمة أو جديدة، وهي تكون جديدة حتماً لأنها كتبت الآن، وفي حالة الآن تنعكس المرئيات الحديث على العمل تناولاً، وصياغةً، وسرداً.

موت صغير، لم تأتِ فجأة، فقد كان علوان الروائي الموهوب منذ (سقف الكفاية) قد صوَّبَ سهمه نحو الهدف الذي يريد أن يحققه، ومضى يصوب نحو الهدف الذي حدده عبر رواياته (سقف الكفاية – طوق الطهارة – صوفيا – القندس) وفي هذه الروايات كان لافتاً، وقد دخلت القندس القائمة القصيرة، ولم ييأس من عدم تحقيق المركز الأول، بل أصر على أن يستمر في العمل الجدي الذي آلى على نفسه أن يواصله إلى أن يصل على طريقة المثل الأنجليزي (حاول، ثم حاول، ثم حاول، ثم حاول فإنك لابد واصل).

وصل العلوان بالمتابعة، والإطلاع النهم المرسوم المخطط كخارطة طريق، قرأ، ثم قرأ، وقرأ، ودوَّن المعلومات الضرورية المساندة للموهبة، وكتب، وفي اعتقادي ليس من أجل الجائزة، ولكن من أجل أن يشبع نهمه الكتابي في فن الرواية التي وجد نفسه يتنفس من خلالها، ويشرف ويشاهد العالم بواسطتها، فقد عشقها وأحبها فكان يكتب الرواية تلو الأخرى، كل رواية مغايرة للأخرى، إذا تتدرج في الصعود والتنامي، حيث كل رواية تجربة، وفي تراكم التجارب مفاتيح الأبواب المراد فتحها، ولكل باب مفتاحه المناسب والملائم الذي يتم بعده الولوج إلى الداخل، ومن ثم الامتلاك، ولا يتوقف عند الامتلاك من تكونت لديه الرغبة التى تقود دوماً إلى ماهو أكمل، فيظل الكاتب يكتب طوال حياته، ومهما مرت به السنون -أقصد بعاشق الكتابة- وتوالت العقود ويقدم الجديد والأفضل لكونه يتجاوز نفسه في عملية تحد عطائي يراد له الاستمرار.

صاحب (مَوْتٌ صَغِير) بعد البوكر عليه أن ينظر لما بعد البوكر، وفي العالم جوائز، وهي رموز وشهادات على إنجازات، ومحمد علوان الذي يسير بثبات، ويتكئ على الجدية، وينظر إلى البعيد، سنرى منه في القادم ما يبهج وما يريح ويبرهن على أن من يعمل وأمامه هدف يسعى إليه مستعملاً كل الأدوات التي يملكها لكى تمكنه من تحقيق هذاالهدف، سيصل إلى ما اجتهد من أجله، وهو في دأبه وتجاربه يماثل الشخصية الريئسة في رواية اليزابيث جلبرت (توقيعه على الأشياء كلها) “إلما” التي تفرغت للبحث والعلم، متنقلة في أنحاء العالم من أجل المعرفة، فتكون ثالثة ثلاثة (دارون، وولاس، وإلما) نذرت نفسها للعمل من الصغر حتى تخطت التسعين لم تتزوج فخورة بقولها: “محظوظة لأنني تفرغت للعلم، لم أشعر أبداً بأنني غير مهمة.. هذه الحياة امتحان، والمعرفة أثمن السلع”،

مع الفارق أن (إلما) نتاج خيال الكاتبة، وصاحب (موت صغير) واقع استخدم الخيال والمعرفة وسجل النجاح الذي سيتلوه نجاحات، وهذا إحساس خاص يحمل أمنية أرجو أن تتحقق.