arrow-leftarrow-rightaskfmemailfacebookgoodreadsinstagramtwitter
العودة إلى قراءات نقدية في سقف الكفاية

جريدة الرياض

رومانتيكية قيد التجدد

ترف العيش، ومآسي الحب

فاطمة المحسن

ناقدة عراقية

“سقف الكفاية” رواية لشاب سعودي اسمه محمد حسن علوان، أصدرها عن دار الفارابي ببيروت قبل سنتين ولم يتجاوز ربيع عشرينياته، فهو من مواليد 1979، هذه الرواية تحمل وعد كاتبها في أن يكون روائيا صبورا متميزا، يحاول أن يجد لصوته القدرة ومران التعبير عن قضية تشغله، ولكن سرده يكشف المدى الذي وصلته تأثيرات روايات الحب الرومانتيكي على الشباب، وبخاصة رواية أحلام مستغانمي “ذاكرة الجسد” تلك التي أعادت الدرس من أوله في لغة الحب التي كنا نظن أنها اندثرت مع انحسار الاهتمام برواية غادة السمان.

كتاب علوان الذي يتجاوز حجمه الأربعمائة صفحة، لو حذف القارئ منه مائتي صفحة لما ندم على فعلته، فالحذف سيزيد الرواية تماسكا ويبقى لبّها الذي يحوي مواضيع مهمة وبنية سليمة وشخصيات من نمط جديد يعرف كاتبها الكيفية التي يجعل منها نماذج مقنعة على نحو نسبي في الأقل.

“سقف الكفاية” تحاول تمثيل أسطورة الحب القاتل الذي يتورط صاحبه على نحو مازوكي في تعذيب ذاته بعد أن تنهي الحبيبة لعبة الحب، لتمضي إلى جد الزواج، فيبقى الفتى يلاحق أطيافها. كل الرياح مواتية كي تصبح هذه القصة حكاية عادية، فهي تنمو في زمن الرخاء والترف والوفرة الاقتصادية، ولعل مفارقتها أن تلك البيئة أنتجت خصوصية التعبير عن الرغبات ونمط التعايش بين القديم والجديد في أساليب التفكير وفي الممارسات اليومية التي يبحث فيها الإنسان عن سعادته وتطوير قدراته بأقل الخسائر الممكنة.

مخيلة الشاعر أو صوت الشعر يوجه دفة السرد، وشخصيتها الأولى أي العاشق، هو الشاعر نفسه الذي يضع شعره وخواطره أمام القارئ كي يكسب الرهان في قصة الحب المفترضة. المهم في مادته أنها لا تحاول تثاقفا كما هي عادة الروايات العربية في مطولات الإفصاح عن مكانة أصحابها من السرد، بل هي تجسد التعبير عن مشاعر البطل على نحو عاطفي، لتقترب من لغة الأغاني والخواطر والمذكرات التي يتداولها الشباب في المدارس والجامعات.

ولا يمكن أن نحسب هذا الأمر نقصاً في الرواية، فعالم الشباب الذي تصور الرواية جزءا منه، يفصح عن وجه من أوجه الحرية والتباسات طقوسها السرية منها والعلنية، وهي تمثل الجانب الرؤوم والرقيق من المحبة والتواصل بين البشر. فبطلها لا يقوى على الحياة دون تلك العلاقات الحميمية التي تنمو في بيئة الجمال والتراحم. انه يحب أخته الرسامة ويتبادل معها الأسرار والرسائل والقصص التي تشغله وتشغلها، لأنها تنتمي إليه على نحو متكافئ، مثلما ينتمي إلى حبيبته بتسليم من يعرف أنها صعبة المنال ولا يستطع أن يمسك بكل أسرارها. انه لا يرى من الدنيا إلا وجهها العاطفي، فهي ترفل بحنين الغياب وزفرات التأسي، ولعل تصويره شخصية العراقي الذي التقاه في كندا وتعلق به، تفتح الصفحات عن حكاية التداخل بين السياسة والحب، في معالجتها الغربة والهجرة والعنف والتعاطف ومآسي العراق وقسوة نظامه.

على رغم معاناة الرواية من تخمة العواطف والإنشاء، غير أن بنيتها تبدو متماسكة، ولا تشي بتفكك في انتقالات الأزمنة وفي تصعيد الحدث وفي ترادف المواضيع وتداخلها، فهناك زمن الاستذكار الذي يخترق الحاضر والماضي، وهذا الزمن يفرد لقصة الحب الحيز الأكبر، منذ اللحظة التي يبدأ فيها التعارف عبر التلفون، وهو أداة الوصل الأولى في كل قصص الحب السعودي، لحين ما تحل ساعة هجر الحبيبة التي كانت في الأصل تصوغ لها عالمين منفصلين: عالم للزواج وآخر للحب. المرأة هنا تتبادل الدور مع الرجل الذي يعيش في المجتمعات المغلقة في الغالب ازدواج العواطف، فالحب هو الشطط والحماقة، والزواج هو العقل الذي لا يكترث بقيمة العواطف الفوارة. يشتغل الروائي على هذه الموضوعة، حين يحاول قلب الأدوار في شخصياته، فالبطل الشاعر لا يستنكف من عواطفه الأنثوية، بل ويردف الأمثلة للبرهنة على ضعفه الأنثوي واعتزازه به.

انه يرثي مدينته الرياض التي تعلم الصبيان التكابر على الفتيات: “لا أعرف كيف يمكن لأم تربي ابنها على انتقاص بنات جنسها دون أن تدري!، فيكبر الفتى وهو مستعل على النساء، وتكبر الفتاة وهي خائفة من رجل لم تعرفه، لم أفهم أبدا لماذا يعلمون الأولاد درس التفاضل على النساء، ولا يعلمونهم درس”التكامل” معهن من أجل معادلة صحيحة!”.. لغة هذا الشاب الذي يتمسك بفروض الدين ويدخل في محرابه محبا مؤمنا متساميا، هي التي تفصح عن العوالم الجديدة التي تولدت في رحم مجتمع جديد، تلك العوالم التي ترقّ فيها العاطفة لتطرد التخاشن والقسوة.

نهاية الرواية على درجة كبيرة من الأهمية، فالقصاصات التي كتبها الشاعر إلى حبيبته تستطيع استرجاعها، عندما تُنشر وتعرف الحبيبة قصد كاتبها، فمثلما تستطيع كلمات الحب أن ترسم ملامح العاشق وتجعل منه بطل روايات ممتعة في الحياة، تبقى قوتها في النهاية هي الفصل في مقولة الحب، ولكن تطابقها مع الحياة يبقى احتمالا بين احتمالات الخيال الروائي.

503 Service Unavailable

Service Unavailable

The server is temporarily unable to service your request due to maintenance downtime or capacity problems. Please try again later.

Additionally, a 503 Service Unavailable error was encountered while trying to use an ErrorDocument to handle the request.