arrow-leftarrow-rightaskfmemailfacebookgoodreadsinstagramtwitter
العودة إلى قراءات نقدية في القندس

صحيفة الخليج الإماراتية

القندس

محمد سالم

يمتلك الروائي السعودي الشاب، محمد حسن علوان، قدرات سردية كبيرة، ولغة سلسة تجنح في أحيان كثيرة إلى استعارة أدوات الشعر، خصوصاً في الوصف المبني على الاستعارة والمجاز، هذا ما يتجلى في روايته ”القندس“ التي وصلت إلى القائمة القصيرة من الجائزة العالمية للرواية العربية لهذا العام.

تدور الرواية حول حياة ”غالب“ الرجل الأربعيني العاطل عن العمل الذي قضى كل عمره في حياة فارغة عابثة، معتمداً على ما يستدره من أبيه التاجر، وكذلك حياة أسرته الممزقة التي يضع كل فرد فيها سداً حول نفسه وحياته الخاصة، ويكتشف غالب أثناء فسحة صيد على شاطئ نهر في مدينة بورتلاند في أمريكا أن هناك شبهاً بين أفراد أسرته وبين حيوان ”القندس“ الذي يراه للمرة الأولى، ففي شكل ذلك الحيوان وسلوكه في العزلة والفردانية وبناء السدود التي تصد الآخرين عنه، شبه بينه وأسرة أبو غالب ومن يمت لهم بصلة، وهنا يبدأ البطل في استعادة سيرة حياته وعلاقته بأبيه وأمه اللذين افترقا بعيد ميلاده بقليل، وبأخته الشقيقة وإخوته لأب، ومسيرته الدراسية الفاشلة التي انتهت قبل أن يحصل على الشهادة الجامعية، وساعات السهر الطويلة الفارغة في بيته مع أصدقائه، وعزوفه عن العمل مع أبيه المتسلط، وتنتهي الرواية باستدعاء غالب من بورتلاند إلى الرياض بسبب تدهور صحة والده الذي لا يلبث أن يموت، وعند إحصاء الإرث يكتشف غالب وإخوته أن أباهم لم يكن غنياً كما يظنون، ويجد غالب نفسه في مواجهة مستقبل لم يستعد له.

يتحكّم علوان في خيوط اللعبة السردية بشكل جيد جعله قادراً على المناوبة بين مختلف لحظات السرد باحتراف، لكن الرواية لم تستطع أن تتجاوز واجهة السرد الظاهري لحياة بطلها إلى تقديم منظور إنساني أو فكري، فنحن أمام استعراض سطحي لحياة أسرة متنافرة من دون سبب عميق، رغم أن كل أسباب التواصل التي عادة تكون بين أفراد الأسرة موجودة، وشاب عاطل على مدى عشرين عاماً من دون أن يكون هناك مبرر لهذه البطالة، وصورة مكررة لأب يتحكم في أفراد أسرته . وقد ساعد على ذلك التسطيح هيمنة صوت المتكلم المفرد (غالب)، حتى في الحالات التي كانت تحتاج إلى صوت الراوي المحايد، ما جعل الرواية رهينة لرؤية غالب الضبابية، وكراهيته غير المبررة لأفراد أسرته.

قد يتمتع قارئ ”القندس“ بلغتها وتدفق السرد فيها، ولن يجد ما يدفعه إلى التعاطف مع شخصياتها أو النفور منها، أو إلى تكوين وجهة نظر أو موقف فكري، لن يجد ما يجعله يعيش تجربة إنسانية أو فكرية عميقة.