arrow-leftarrow-rightaskfmemailfacebookgoodreadsinstagramtwitter
العودة إلى قراءات نقدية في طوق الطهارة

جريدة الرياض السعودية

الطوق المكسور

شريفة الشملان

قاصة وكاتبة سعودية

كنتُ كتبت عن رواية (محمد حسن علوان) طوق الطهارة، مؤكدة انبهاري ببداية الرواية كلغة، جميلة ومؤثرة.. ووعدت بالكتابة عنها بعدالانتهاء منها.

في العنوان نفسه، يضعنا علوان مباشرة مع ابن حزم وكتابه الجميل (طوق الحمامة)، حيث يحيلنا للحب الذي شاهده ابن حزم وكتب عنه، ولكن ما بين زمن (طوق الطهارة) و(طوق الحمامة)بون شاسع، تتمازج خلاله العصور، ويذوب كل رأي ومشاهدة لابن حزم، وذاك لم يمنع من التفكير بمفردة طوق، وكسر هذا الطوق، والخوف الأزلي من نتائج هذا الكسر، خوف دنيوي وخوف ليوم آخر. هذا الطوق الذي أفرده (علوان) عنواناً، كان من الممكن أن يكون حزاماً، كحزام العفة مثلاً، أو صكاً أو نقاء، لكن علوان اختار الطوق الذي كسره وحملنا حكاية كسره.

قرأت لعلوان روايته الأولى (سقف الكفاية) ولم أقرأ (صوفيا)، لذا بدت لي رواية (طوق الطهارة) وكأنها توضيح لشيء أخفاه عنا علوان في (سقف الكفاية) فقال لنا إنه: لغوياً أخف شاعرية وإن كانت الشاعرية تظهر فيما بين صفحة وأخرى، لكن صوت الراوي تعادل مع صوت الشاعر فيها بينما في سقف الكفاية سيطرالشاعر على مجملها.

(طوق الطهارة) صوت الكاتب، ذلك الذي يكتب الرواية، وبعد المقدمة، هذه المقدمة يقدمها علوان رواية لنا. هو الذي جاء ليقول إنه يكسر قيد الطهارة، ولا يرتقه كما كان في السابق أو ينتظر حتى يكبر كي يتطهر من ذنوبه…. (مثلما يفعل التائبون الذين قرروا استعادة (ميدالية الطهارة)، بعد دورة حياتية ضالة!) ص8. ولعل ذلك يجعل جيلي يستدعون شطر بيت لكامل الشناوي من قصيدة (لا تكذبي) غناها عبد الحليم حافظ (كنت لي ذنبا سألت الله ألا يغفره).

علوان هنا بدا لي وكأنه ينتقم من بطله في سقف الكفاية، ذاك البطل المنصهر بحب واحد لفتاة تعشق في آن واحد ثلاثة، ولأكون أكثر تلطفاً أقول لها علاقة ما بثلاثة، خطيبها، وعاشق عبر النت، وبطل سقف الكفاية. لكن ذاك البطل لا يرى بها عيباً، ويتفانى بها عشقاً، حتى يتزوجها في النهاية بعد أن طلقت. وهنا يتقاطع مع بطل (طوق الطهارة) الذي يعشق أيضا مطلقة ويتزوجها لأسبوع واحد فقط، تغادره وقد تغلبت الأمومة على العشق. بطلنا الجديد، تبدأ قصته بعد طلاقه لزوجته، حيث يكون الجسد لديه غير القلب، وحيث ينتقل بذاك الجسد من سيدة لأخرى بعيداً عن الرياض في مزرعة طبيبه النفسي الذي تحول لصديق وعبره صادق أخاه.

في الرواية تتعدد النساء، لا يظهر منهن إلا المؤثرات على البطل (جورية)، المرأة الأولى في قاموس عشقه، ولم تكن بالنسبة للبطل إلا رفيقة لفترة، بينما هي فكرت به رفيق عمر، ثم تنتهي علاقتها معه بالفشل، تلملم جراحها وتمضي، وينتقل قلبه بعدها، لغالية التي غلت حياته غلياناً، وكاد يصفها بأنها الجزء القوي وربما التصق بها وصف ذكوري الذي كاد يطرحه في البداية، قوتها مقابل ضعفه وهذا الوصف الذكوري ينتقل به ليصف سارة أخت صديقيه على لسان شقيقها (عندما كنت صغيراً، كثيراً ما سمعت أمي تتمنى لو كنت أنا ووزان ابنتيها، مقابل أن تكون سارة ولداً.) ص 176. عندما انتهت حياتهما القصيرة مع بعض بالطلاق، راح ينهل من النساء جسداً بلا قلب ولا روح، يستقر قليلا مع عشيقة تدعى مريم، هذه المريم يصفها وأنه التقى بها في السويلدير بلبنان، تحديداً بيروت وهي المدينة التي ولد فيها، وعند بيروت لم يقف بنا كثيراً ليجول بنا عالم الثقافة والفكر، عالم المسرحيات والمعرفة والكتب. اللهم إلا بلمحة صغيرة جداً عن والده في السبعينيات حيث اتخذ من بيروت مقراً بعد التقاعد….

نقطة هنا، عن المرأة، فهو مس مساً خفيفاً واقع المرأة عبر أخت صديقيه (سارة)، تلك المتمردة، التي تقود السيارة في المزرعة، ولابد لي من وقفة مع الحوار الذي أورده (علوان) على لسان البطل وشقيق سارة أيمن الذي يرى بها طاقات لا تدري كيف تصرفها.

يبدو محمد حسن علوان في سقف الكفاية لديه الكثير ليقوله، لكنه يخفيه ويؤطره، ويخشى المرور من جواره، فهو يصهل مع النساء ويلتقيهن يمينا وشمالا، ورغم ذلك لم تأته عصا ولا خيزرانة من هنا أو هناك. ابتعد قدر الإمكان عن السياسة وأشار لها من بعيد إشارة خفيفة قد لا تدرك. سجن والده مثلاً. أثناء نبشه في الماضي يحاول أن يعثر على خيوط ولو واهية لتبدي له سبباً نفسياً وبالذات ما يتعلق بما قرأه عن فرويد يريد أن يتخلص من إثم علاقته بجورية، أو كآبة فقد غالية، تلك الغالية التي كانت سبب نشره رواية أحزان نشرها على النت، مجبولة باسمه، خيطاً يجرنا لرواية تتوالد من بعدها، وتزجنا هذه المقدمة بتداعيات كثيرة، ويمر على أحزان الطفولة وخاصة علاقة المعلم الشاذ بالتلميذ الناعم المدلل..

على كل بقي الطوق مكسوراً لم يجبر.