arrow-leftarrow-rightaskfmemailfacebookgoodreadsinstagramtwitter
العودة إلى قراءات نقدية في سقف الكفاية

جريدة الجزيرة

محمد حسن علوان يقيم سقف الكفاية

الرواية تأخذ شكل الشهادة على ما يكتبه المبدع

عبد الحفيظ الشمري

قاص وروائي سعودي - محرر ثقافي وكاتب زاوية في جريدة الجزيرة السعودية

تتكئ الرواية على تواتر حكائي، وحوارية مفرطة
* * *
علوان قدم ذاكرته على الأحداث والتصق باللغة

”سقف الكفاية“ عمل روائي مطول أطل به محمد حسن علوان على المشهد الأدبي لدينا محاولاً في سياق إصداره الجديد أن يبني لحمة السرد، ويسجل حضوره الروائي باكراً.. لتأتي الرواية عملاً هائلاً تجلت به اللغة التي صقلت أفكار الراوي البطل وهيأت القارئ لأن يقبل على العمل.. وينسى التاريخ تماماً إلا من ذكريات بسيطة أوردها الكاتب في الصفحات الأولى من الرواية.

مركزية قص علوان

تبدأ رواية ”سقف الكفاية“ لمحمد علوان في بناء مركزية وصفية للأحداث تذكرني بمركزية رواية ”الرياض.. نوفمبر“ للكاتب سعد الدوسري والتي لا تزال مخطوطة على ما أظن.. لتتقاطع أحداث هذه الرواية لعلوان مع رواية الدوسري في تدوين أحداث يومية دقيقة مع اختلاف الحاضن الزمني لكل رواية..

تأتي الرواية لعلوان قائمة على هذا التفصيل الهادئ لحالة البطل الذي يعيش حالة الكتابة ذاتها لتصبح الرؤية القصية أكثر مركزية تسرف في شرح الأحداث، والمواقف.. بل أنها تعرض لحياة الشخوص وتحلل أحلامهم ورغباتهم لتصبح الصورة العامة للسرد مبنية على هذه الهالات التي يوردها الراوي البطل على هيئة استرجاع لبعض المواقف التي تؤكد رغبته في بناء هذا البرج العالي من حكايته الهادئة.

لغة الرواية تسند الحكائية

أسرف العلوان في سبر أغوار الحكاية.. بل أنه حاول افتعال مواقف تتعارض مع صفة الراوي الذي ينتهج أسلوب الواقعية في اقتفاء حساسية خطابه الحكائي نحو القارئ.. لتظل هذه الحكايات المترابطة جسراً يتهادى بالقارئ نحو النهاية البعيدة..
وفي ظل هذا الإكتظاظ الإنفعالي ينجح الراوي في الاستناد على اللغة بوصفها معاضداً حقيقياً لهذه الرؤى.. فاللغة التي وردت في ثنايا هذه الرواية المطولة هي القاعدة الأهم والتي انطلق منها نحو تفصيلات السرد ليصبح هذا التلازم بين اللغة والحكاية ثنائياً ضرورياً لتواصل القارئ مع هذا العمل..
يحاول العلوان أن يوجد لغة شعرية تلون حالة الهياج العاطفي، وتملأ فراغات الذات التي تئن تحت سطوة الكآبة الضارية تلك التي يفصلها في أول ”صفحة 68“ من الرواية.

بين شعرية الموقف وشاعرية الراوي

تجسد الرواية «سقف الكفاية» ملمحين اثنين حول شعريتها المبتغاة: شعرية الموقف، شاعرية الراوي.. يتجسد ولع الكاتب في حشد هذه الطاقات في بناء شعرية الموقف الذي يمر به البطل في ثنايا بحثه عن الذات.. لكنه يتزيد في هذا الأمر من فعل الشعر ذاته إذ يلقم سعائر السرد حطب القصيدة مؤكداً في سياقه أن تأويل أي نص في الرواية يندرج في أفق المناشدة المستميته للخلوص من هذه الأحداث والمواقف المثقل بها هذا الرجل المعاند.. ذلك الذي يقف عند قصص مألوفة.. فائقة الوضوح ليعاتب أهلها.. ويقف من أقوالهم موقف الناقد والمصحح أحياناً ”الفصل الثالث ص100“.

فالشعرية هنا تتداخل مع السرد الدقيق لتجعل من الشعر مفسراً لكل حدث أو مقولة.. مما يجعل الأمر غاية في التشظي والإغراق بالوصفية غير المنتقاة.

صمت الشخصيات… أحادية الوصف

حشد الراوي طاقاته كاملة، وتدخل في عوالم الشخصيات لكنه لم يمنحهم الحق الكامل في قول شيء في حضرته، ولا يعلو أي حديث على حديثه لتحيل هذه الحكائية الطويلة العمل إلى إضمامات مطولة عن أحداث يمكن الإشارة إليها فقط دون الدخول في تفاصيلها.

الكاتب علوان لديه قوة متميزة في السرد والوصف.. لكنه لم يعط الشخوص أدوارهم الحقيقية ولم يتقشف في وصفيات القص.. لأننا قد نجد مشقة في تتبع هذه الحالة العاطفية التي تمر بدورة حياتية كاملة.. وكأنها البطل خلق لهذه الإشكالية.. حتى أصبحنا نسير وراء الأحداث ونحن ندرك أنها سلسلة لن تأتي بجديد يوقف نموها ويعيد رسم حياتها من جديد حتى أصبحنا في هذه الحالة إما رؤية أحادية لبطل يسرف في وصف عالمه الخاص الذي يتقاطع مع تجارب كل واحد منا نحن «القراء» لكنه ينجح في استمالتنا عندما يحاول أن يتقن قول الحكاية كاملة ويأسرنا إلى اللغة التي تزاوج بين القول والحديث لتجسد هذه الرحلة للراوي عبر النهاية فرصة ممكنة أن يحقق لحظة التنوير العامة ليجعل العمل نصاً قابلاً للتجارب القرائية التي توائم بين الرغبات لتشكل ضفيرة حكائية هائلة الطول.. يمكن أن تجسد بقاء النص بين يدي القارئ..

أقول لمحمد حسن علوان: ليتك رأفت بنا وتقشفت في بعض الأمور التي لو تركتها لما تأثر النص أبداً.. ليتك يا محمد منحت الشخوص فرصة القول بما لديهم، ولك الشكر على هذا الجهد المثالي الذي توزع على العمل وأصبحنا أمام عمل متكامل يسجل حضوره البهي.