arrow-leftarrow-rightaskfmemailfacebookgoodreadsinstagramtwitter
العودة إلى قراءات نقدية في سقف الكفاية

مدونة أول الهذيان

الرواية السعودية: سقف الكفاية موضوعاً

شوان حسن

مدون عراقي

يلحظ القاريء تأخر العربية في تقديم الرواية كمنتج ينتظره القارئ. كما يلحظ الجميع أن أخبار الكتاب أو المؤلف لا تتعدى الهامش فلم نعد نسمع بطوابير القراء في انتظار النسخة الأولى من الرواية لمؤلف عربي. ولا نرى فيما نرى الكتاب وهو يقرأ في المحطات أو مواقف الباصات أو قبل ساعات العمل. هكذا هو الحال مع الكُتاب والكتب. بل إن عدد ما ينتجه المثقف العربي في عشرين سنة لا يتعدى ما تنتجه أمريكا وحدها في سنة.

لكنني في تنقلي بين العديد من المكتبات العربية لاحظت وفرة الإنتاج السعودي والظهور الكثير من الكتاب الشباب الذين خرجوا عن مألوف الثقافة المحلية والعربية لكنهم حافظوا على جودة اللغة والنص مع الحفاظ على الحداثة و الأصالة. ليحققوا الموازنة الصعبة وليخرجوا علينا بنصوص تستحق الوقوف عندها.

فمحمد حسن علوان مثلا: ذلك الروائي السعودي الشاب يخرج علينا بأسلوب قد يكون حديثاً على الرواية السعودية لكنه في الوقت ذاته ينهض من عمق وثقافة أصيله بدأت تتشكل مع مرور الوقت في مجتمع محافظ تغلب عليه النمطية. هذه الصورة الشائعة التي عهدناها في تكوين الانطباعات وإطلاق الأحكام المسبقة. ولكن هاهو محمد حسن علوان يقلب المعادلة ويثبت أن القشرة لا تعكس ما في الجوهر وأن رحم الثقافة السعودية لن يعجز عن إنجاب جيل جديد بأصالة الأجيال القديمة بنكهة حديثة. فمحمد حسن علوان في روايته “سقف الكفاية” يصنع من قصة حب لم يكتب لها أن تكون سعيدة وهذا ما يمكن أن يحدث للآلاف من الشباب وفي كل المجتمعات العربية. إلا أن محمد حسن علوان يصنع من هذا الحدث المتكرر نصا نثريا رائعا ورواية تأخذنا من الشرق إلى الغرب مستفيدا من المحددات الاجتماعية التي تجعل من قصة الحب السعودية وكأنها مهمة مستحيلة في وجه العشاق وهم يتحايلون على العادات واعين الرقيب وسلطة المطوعين. ترفع محمد حسن علوان عن كل ذل الكم من الصور النمطية فلم نجده يعذب البطل بأيدي المطوعين ولم يجعل من المحبين طريدة للشرطة ولم يجلد ذاته ولم يجلد العادات ولا هو بحث عن الشهرة في الخوض في سلطة الدين التي تعتبر النمط السائد عند الحديث عن المجتمع السعودي.

أقول ترفع عن كل ذلك وأطلق العنان لقلمه الجميل ليخرج علينا برواية رائعة ونص رفيع ذكرني بأحلام مستغانمي في ذاكرة الجسد. محمد حسن علوان لم يقع في فخ الجغرافية ولم تكن كندا إلا مشهدا في مسرحيه كانت كل أحداثها تدور في الرياض. ولم يقع في فخ الشهرة فلم يمتطي ظهر الجنس في رواية كانت يتوفر فيها عنصر ما قد يدور في غرفة النوم بين عاشقين. ليرتفع علوان بالقارئ إلى أفق سردي لا تنقصه الموسيقى تاركاً للقارئ حظه من تصور أحداث الرواية كما أن علوان يوظف بذكاء هموم الشرق الأوسط وإذا بالعراق وبكل ما يمر به يبدو ظاهرا جليا بشموخ وعنفوان وضخم في شخصية ديار ليذكرنا علوان بان الهم العراقي هم الجميع وانه درس لا تزال الأجيال لتعي حجمه.

بهذا يكشف علوان عن جانب آخر من رواية هادفة ولكن بقسوة وهو يستعين بشخصية العراق المتمثلة في ديار وهو يسرد قصة العراق في حواراتهم الثنائية أو عندما يجمعهم المجلس مع مس تنغل تلك السيدة الكندية التي تكشف عن وجه الغرب الإنساني الذي يستوعب مأساة الشرق دون أن يترك غربه بالضرورة. ففهم الآخر لا يتعدى بعض الانصات. محمد حسن علوان أتحفني شخصيا ومنحني قراءة استمتعت بها واستمتعت بالنصوص النثرية التي تضمنها الكتاب. الرواية من الحجم الوسط وأسلوبها سهل ممتنع قريب على جميع الأذواق والرواية إضافة رائعة ومهمة إلى المكتبة العربية وإنجاز للرواية السعودية فهنيئا للكاتب ما خطت يمينه.