arrow-leftarrow-rightaskfmemailfacebookgoodreadsinstagramtwitter
العودة إلى قراءات نقدية في موتٌ صغير

بوابة الأهرام

استدعاء ابن عربي سرديًّا

قراءة في رواية "موت صغير" الفائزة بالبوكر

رياض الدليمي

كاتب وشاعر عراقي

في رواية “موت صغير”، للسعودي محمد حسن علوان، التي فازت منذ أيام قليلة بجائزة البوكر في نسختها العربية لعام 2017، يبدو النص هو محيي الدين بن عربي، وهو المادة المروية في عين تسجيلية راصدة عبر التاريخ والمراجع والحكايات المروية عنه.
هي بمثابة قصة ورواية حياته وتشكلاته ومنجزاته ومقولاته، التي اتفق معها الكثير واختلف معها الكثير، وأصبحت شخصيته مثار جدل، هذا الفيلسوف العرفاني والشاعر الوجداني، جسده الروائي محمد حسن علوان في سلسلة أسفار من حياته، وخاض في جدلية مقولاته وحججه المختلف معها والمتفق عليها.

وقد ركز في بداية الأمر على ولادته ونشأته في الأندلس وسلسلها منذ عام 1211 م، ولابد من الإشارة إلى أن الروائي كان محترفا في وضع سيناريو حذق لروايته وحاكيته وهي سيرة وأسفار ( ابن عربي) في أحلامه ورؤاه منذ الصغر حتى شبابه، وكيف لفت نظر أبيه وهو يرى رؤياه لقوى الشر وهي تحيط به وتريد له مكروها، حتى جاء الرجل العرفاني الذي خلصه منهم بقراءة سورة (يس).
الرواية، هي الخوض بالعرفان والتاريخ والفلسفة والسياسة والاجتماع، لم يكن الروائي حياديا في أسفار روايته التي بلغت المائة، بل كان محللا يسطع الضوء لما يريد أن يضيء عليه من جوانب تاريخية واجتماعية وسياسية تشكل هوية وشخصية الإنسان العربي، سواء كان في الأندلس أو مراكش أو حلب أو دمشق أو بغداد وحتى في مكة، لقد وظف من خلال شخصية (ابن عربي) تكوينات الشخصية المشرقية وهو يتنقل مع بطله في أصقاع الشرق من أرمينيا وبلاد فارس وتركيا وبغداد حتى الجزيرة العربية.
لقد قسم علوان فصول روايته إلى أسفار، وهي مداخل لفلسفة (ابن عربي)، حيث يبدأ السفر بإحدى مقولاته، وقد اختارها بعناية لتتمشى مع ما يريد قوله أولا، وما يتحاكى ويتناغم مع فكر (ابن عربي) في مختلف مراحل عمره.
في السفر الأول، وظف مقولة (إلهي ما أحببتك وحدي لكن أحببتك وحدك)، وقد أرخ الروائي عام 1212 الميلادي ليكون مفتتحا لروايته، وهذا التاريخ يتمشى مع زيارة ورحلة (ابن عربي) لمنطقة أذربيجان.
وفي هذه المنطقة رسم سيناريو روايته من خلال وصف دقيق للمكان وللطبيعة ولهذيانات وأحلام ورؤى (ابن عربي). والحقيقة أن السفر الأول بمثابة سيناريو للرواية بمجملها، وهو المكان اللامكان الذي تنطلق منه الأحداث والكاميرا لتصور أسفاره، أي أحداث الرواية.
في بعض من المقولات التي افتتحت أسفاره وهي فصول الرواية: (الزمان مكان سائل، والمكان زمان متجمد)، و(الخفي في الجلي)، (الممكن برزخ بين الوجود والعدم)، (أنت أيها الإنسان، أنت المصباح والفتيلة والمشكاة والزجاجة)، (اعتزل الناس ليسلموا منك لا لتسلم منهم).
جاءت الرواية بأحد عشر سفرا وبمائة مقولة وختمها بالسفر الأخير.
الرواية حكاية كان ساردها (بطلها) هو محيي الدين بن عربي، اتخذ منه الروائي ساردا لكل أحداث روايته، أي حياته وهو ميت في قبره، وهو كوخ على قمة جبل، وهي إشارة لعلياء الروح وقربها من بارئها وهي مستكينة في برزخها.