arrow-leftarrow-rightaskfmemailfacebookgoodreadsinstagramtwitter
العودة إلى قراءات نقدية في القندس

صحيفة الوسط البحرينية

القندس:

إصرار على بوتقة الحب والذات

عبدالعزيز الموسوي

كاتب وقاص بحريني

”القندس“ هو عنوان الرواية الصادرة حديثاً للروائي السعودي محمد حسن علوان عن دار الساقي في طبعتها الأولى 2011 جاب خلالها القندس 320 صفحة من الحجم المتوسط متوغلا في 40 فصلا يسرد فيها بحذر بالغ تفاصيل ذاتية،عائلية ومجتمعية دقيقة، تماماً مثلما يجمع الأخشاب ليبني سدّه العائم في النهر.

غواية العنوان

لا يمكنك وأنت تقف عند عتبة عنوان رواية ”القندس“ ولا تستحضرك الأسئلة ويجول في ذهنك كل ما يمت لهذا العنوان بصلة، بالنسبة لمخزوني المحدود كانت عبارة قرأتها في رواية ”السجينة“* أتذكر هذه المقولة بصفة خاصة لأنها تذكرني بقدرة الإنسان على اختلاق الدعابة في ظل حرمانه من أبسط سبل الحياة، كان الأبطال يحفرون نفقهم نحو الخلاص من سجون تحت الأرض، كانوا يرددون أمام الحرّاس: ”دخلت القنادس إلى سدني وأعلام النصر خفّاقة فوق رماحها“. فهل كان العلوان يحفر نفقاً لخلاص أبطاله؟

أيضاً يستحضرني الممثل ”ميل غيبسون“ وهو يمسك بيده دمية على هيئة قندس في فلم حمل اسم *”القندس“ والذي يحاول غيبسون التخلص من كآبته المزمنة من خلال علاقته بدمية القندس. فهل أراد العلوان أن يتخلص من مرض ما مستعيناً بذات الحيوان؟

كل ذلك يأتي في الذاكرة لمجرد قراءة العنوان، ثمّة أمر آخر وهو شخصي جداً، يتعلّق بـ ابني الصغير، عندما أرى أن شعره أخذ يحتل من وجهه أكثر مما ينبغي نبزته : ”متى أوديك الحلاق أيّها القندس؟“ في بداية الأمر سألني: ماذا يعني ”القندس“؟ أجبته: حيوان برمائي تطفر عيناه من وسط شعره الكثيف. فهل اختار العلوان أن يتنابز بالألقاب مع شخصياته فلم يجد أفضل من القندس ليقدحهم به؟

أجد أن هذا التحليل الأخير قريباً بشكل ما من تبرير لصق مسمى هذا الحيوان على غلاف الرواية، فـ البطل مندهش من مكانة هذا الحيوان الذي يحتل كل هذه المساحة من الإعلانات وذاكرة الناس وتقام باسمه المهرجانات، كان الأشهر في بورتلاند، وبما أن “غالب” جاء لهذه المدينة للبحث عن ذاته لم يجد أمامه سوى هذا القندس، ولأنك لا يمكن أن تعبر ذاتك إلا عبر ذوات الآخرين راح غالب يتأمل هذا القندس ويحيل كل صفاته الحيوانية على عائلته، فـ شيّئهم جميعاً لقنادس وراح يتأملهم ويحلل كل تصرفاتهم من خلال القندس الذي ظهر له بكل عائلته من ضفة ويلامت.

”تأملت سنيّه البارزتين اللتين اكتستا لوناً برتقالياً شاحباً من فرط ما قضم من لحاء البلوط والصفصاف ، فذكرني لوهلة بما كانت عليه أسنان أختي نورة…… أما ردفه السمين فذكرني بأختي بدرية…. وعندما رفع إلى عينيه الكلّتين محاولا أن يقرأ ملامحي ونواياي بدا مثل أمي… انتزع التمرة من يدي كما ينتزع ابي ثمار الحياة انتزاعاً… قبض عليها بيد شحيحة ذكرتني بيد أخي سلمان عندما تقبض على المال..“ص1ــ

الحكاية

”غالب“ بطل القندس هذا المتمرد المأزوم الذي يعاني الآن من القولون وقد تشوّه وجه الجميل جرّاء حادث سيارة، كان قبل ذلك قد التقى بـ “غادة” أثناء زيارته لـ مدينة جدّه: ”علقت غادة بصنارتي التي رميتها بلا مبالاة في أحد شبابيك جدة ولم أعوّل عليها أن تعود بشيء. لكن الذي يعرف جدة يعرف أنه عندما يكون الموسم ربيعاً يلقي البحر على المدينة اطناباً من اللقاح الذي يتنفسه الناس ولا يرونه. يصبح الحب حالة عامة والشوارع مليئة بالقلوب الخصبة.“صـ303ــ توثقت علاقتهما من خلال اللقاءات السرية ونمت بذرت الحب، لكن لم يكتب لهذا الحب أن يتوّج بـ ارتباط مقدّس لأسباب قبلية: ”كان رأي أبي معلوماً لي قبل أن أضطر لمفاتحته، تماماً مثلما تعلم هي مسبقاً رأي أبيها.كل من العائلتين كانت تتعالى على الأخرى مما جعل المعادلة أصعب فعزفنا عن حلها قبل أن نحاول“ ص201ــ ودون محاولات تذكر آمنوا أن لا سبيل للارتباط تاركين أنفسهم في مهب العشق، لكن غادة تتزوج سفيراً وتغادر عشقها الأول ليأخذها الغياب سنة كاملة قبل أن تعود لتسترد مكانها الشاغر دائماً..”كانت غادة عاشقة مثالية لفتى صاخب ولكنه لن يتزوجها مطلقاً كما تقول القبيلة التي في دمه، وكنت عاشقاً لحوحاً لفتاة حرة ولكنها لن تتزوجه أيضا كما تقول المدينة في دمها. هكذا تركنا القصة مفتوحة دون تدوين تفاصيلها حتى إذا اضطرم الحب بيننا رمينا باللوم على الأباء، وشتمت هي جنوبي المتخلف وشتمت أنا حجازها المتحذلق. أما إذا خفت الحب وتحوّل إلى علاقة باهتة كتلك التي نعيشها اليوم تذكرنا معاً بأنها ربما جاءت أبهت لو كنا تزوّجنا فعلا.“صــ204ـ

تستمر العلاقة المجنونة حتى يصل كليهما لسن الأربعين، يلتقيان بين زمن وآخر في مدن مختلفة من العالم، وبينما تعيش غادة حياتها و تربي أطفالها يظل غالب سجين نفسه، يتمرد أكثر فيقرر أن يعتزل في بورتلاند بالقرب من نهر ويلامت يفني أيامه بين تعلّم صيد السمك و التصعلك في الحانات ثم العودة لشقته المستأجرة، من هناك يظل يتواصل معها هاتفيا، إلى أن تفاجئه بقرار زيارتها لمحل إقامته لتدبّر شؤون دراسة ابنها، لكنها وبسبب خلاف يدب مع زوجها، تقرر البقاء في بورتلاند لحين يرضخ زوجها لمطالبها، فتسكن شقة غالب قرابة الشهر قبل أن تعود إليه، لكن خلال هذه الفترة التي يجرّب فيها غالب العيش مع أحد آخر يكتشف أن الأمر برمته كان نزوات طارئة .. ”الحقيقة التي كشفها استيقاظنا معاً في الصباح على أمزجة متناقضة وصمتنا الطويل في المساء أمام برنامج تلفزيوني ، هي ان علاقتنا برمتها لم تكن أكثر من صدفة غير متقنة . الآن اكتشفت بشعور مختلط بين الألم والراحة ان الجوهرة الصغيرة التي احتفظت بها في صندوق مخملي في أقصى القلب كانت مزيفة ولا تستحق سوى ثمن بخس من النزوات الطارئة.“ص295ــ

إذن ما الذي يجعله يستمر معها طوال عشرين سنة دون أن يكون الذي بينهما يستحق كل هذا العناء والمخاطرة؟ ما يحاول غالب أن يقوله ما بين السطور أن العشرة تجبرنا أحياناً أن نجامل حتى في رغبتنا الجنسية ونستمر حتى يجعل الله لنا مخرج وذلك لا يعني أننا لا نحب ولكنه حب متعدد الأوجه..

”بالتأكيد كنت أحبها ولكني لم أكن أعرف نوع هذا الحب.أعتقد أني مارست معها نصف أنواعه على الأقل. أحببتها باستخفاف في البداية لأني كنت أظنها سهلة المنال بسبب استجابتها السريعة. فكرت في البداية أن بنات جدة كلهن كذلك ولكن عشرين سنة من الدوران حولها مثل أطواق زحل بخرت هذه الفكرة تماماً..“ صــــ204ــــ

”رغم أن وجهها المستدير لم يعد كامل الألق وأصابعها تضاعف حجمها حتى بدا لي كأنها قلت عددا، وصرت أحصي في بطنها إذا جلست ثلاث طيات، ولكن منذ متى أنا ألتقيها لجمالها؟“ صــــــ296ــــ

يفرد غالب في السرد الكثير من تفاصيل عائلته بدء من الأب الذي يأخذ الكثير من المنعطفات وصولا لـ أشقاءه من أبيه كون أن أمه تزوجت بعد طلاقها من أبيه برجل آخر كما فعل أبيه أيضاً وتزوج من شيخة التي أحسنت إليه برعايتها، إلا أن غالب يظل معتزلاً عن أخوته فيحتل سلمان مكانة خاصة عند أبيه الذي بدأ يأخذ طريقه نحو الثراء والشيخوخة، أخته منى التي تشبه في التمرد، بدرية التي تلجأ للتدين والتشدد، عمته فاطمة الأرملة التي راح يقص عليها مغامراته، حسان و سلمان، صديقه فيصل، والخال بالرضاعة داود، يستمر في سرد الكثير عن تاريخ عائلته وتحديدا جده “حسن الوجزي” الذي يظل ”ثابت“ ابن قريتهم القديمة يسرد عليه وهو يدون كل شيء على أمل أن يعدّ بحثاً لا ينجزه أبداً.

يعود غالب في ختام الرواية من بورتلاند مع موت أبيه ليتقاسم وأخوته التركة التي لم تكن كما يتوقعون لكنهم اقتسموها وانصرفوا لحيواتهم.

المكان

يحتل المكان في هذه الرواية مساحة واسعة واشتغال واضح على المفارقة المكانية بين البلد الواحد واختلاف مدنه كـ جدّة والرياض أو بين بيئتين مختلفتين إحداهما في الشرق وأخرى تقبع في الغرب _السعودية و بورتلاند_ وقد أجاد إبراز المعالم والوصف بما يتناسب مع المشهد الداعم للأحداث، الشيء الملفت أن ثمّة قسوة مفرطة على الرياض والذي يصّر العلوان على أن يخرج كل أبطاله من أرضها..

”تحتاج الحياة في الرياض أحياناً إلى حوادث ومستشفيات حتى تنكشف مشاعر الذي يحيطون بنا.“ صــ70ــ
”بعد ذلك تعود إلى لندن حيث تعيش وأعود إلى الرياض حيث أموت.“ صـ87ــ
”عندما أطفأت شمعة السادسة والأربعين شعرت بأن الرياض مملة ومتربة وليس لديها ما تمنحني إياه.“ صــ100ــ

أبطال الأربعين

الملفت في رواية القندس هو ترجل البطل من صهوة العشرين ليتربع على قارعة الأربعين، التركيز على هذه الفئة العمرية جاء بذكاء ملفت حيث استطاع العلوان أن يدخلنا لعوالم هذه المرحلة عبر طريقين، الأول يمر جسدياً بحيث اختار بعض الأمراض التي تتناسب وهذه المرحلة العمرية كـ مرض القولون عند غالب و آلم الظهر عند غادة ومن طريق آخر ركّز على البعد النفسي والأحاسيس الأكثر وعياً في هذه المرحلة..

”لا يهم. لا يوجد آباء وأمهات لمن تجاوزوا الأربعين مثلي. وجودهم في هذه المرحلة من العمر يصبح تذكاراً وسخيفاً.“ صــ73ــ
”الآن تصفّنا الأربعون على رف غابر مثل طقم قديم من العشاق.لم نعد نصلح لشيء باستثناء تمرير النصائح التافهة وتدبير اللقاءات المتثاقلة.“ صـــــــ136ـــ
”أنا الرجل الذي عمره ست وأربعون سنة وفي ذاكرتي حكايات ومدن وأشخاص ومتاعب.وقعت في البكاء الذي أوكأته يداي ونفخه فمي.“ صـــ168ـ
”الأربعون تغلق باب الاعتياد وتطرد من مفاصلنا آخر قطرات المرونه.“ صـــ196ـ

الحس الساخر

منذ البداية يلحظ القارئ هذا الوميض الساخر والمتسارع وإن خفت فيما بعد وصار يومض بشكل أقل إلا أنه ظل علامة لا يمكن إغفالها..

”آثرت ان أؤجل فضولي حتى أعود إلى شقتي في المساء وأنقب عنه في الإنترنت أو اسأل كونرادو، جاري الفلبيني السمين، لأنه يعرف الكثير عن الحيوانات .ألم يقل إنه كان صياداً قبل أن تخترق ساقه طلقة بندقية خاطئة ، فأصبح سباكاً حتى داهمه زوج ضخم وهو يضاجع زوجته في حمامها الذي كان يصلحه، فأصبح سائق تاكسي حتى اعترض موكب رئيس حزب التحالف الفلبيني فحطموا سيارته، فأصبح كهربائيا حتى الآن؟.“ صــ7ـ

”ترهل خداي وعنقي أخيراً مثل عجين اختمرت طويلاً. بعد ذلك جمع حادث السيارة كل تلك الملامح المبعثرة أصلا وبعثرها مرة اخرى بمعرفته..“ صـــ10ــ
”هذا الملعون يتجاهل تمري ويرحل. الكيلوغرام الواحد من هذا التمر الفاخر أغلى ثمناً من لحمه..“ صــ13ـــ
”وانتشرت في المحال قمصان بصورته وهو يغمز بعينه، تباع بالسعر الذي يثير حنقي دائما: تسعة دولارات وتسعة وتسعين سنتاً.“ صــــ25ــ
”خرجت على سيارتي وأنا أفكر كيف يتعامل الله مع الدعوات المتتابعة التي يرفعها أبي وأمي عليّ منذ ست وأربعين سنة حتى الآن؟ هل من المعقول أنه لم يتخذ قراره بشأنها حتى الآن؟ أتراه يمهلني.. أم يمهلهما؟“ صـــ37ــ
”منذ وصل أبي إلى الرياض ووجهه معفّر بالدّين واليتم وهو يشعر بأنها حريق كبير يوشك أن يأخذه. ولذلك ربّانا جميعاً كفرقة إطفاء.“ صـــ41ــ
”تخيلت أنها إذا استطاعت أن تخلع حذاءها بعد عشر دقائق فقط في شقتي فقد تخلع زوجها إذا أقامت هنا أكثر من أسبوع.“ صـــــ168ـ

الحكمة

كعادته يمرر لنا العلوان الكثير من الحكم في العبارات التي لا يمكن أن تمر دون أن تجرح ذاكرتك فتقف تتأمل نزفك، لم يحدد حكيماً بل جعل الحكمة تخرج من كل الشخصيات بشكل عفوي كل حسب بيئته وثقافته..

”لا شيء يجيء متأخراً إلا عللته الأقدار بأسباب حكيمة“ صـ38ــ
”من الممكن أن نتحمل مواربة الأبواب غير المحكمة ولكن من الصعب جداً أن تعيش تحت سقف مثقوب“ صـ108ـ
”القطارات لا تعود للوراء“ صـ180ــ
”دائما هناك امرأة كافية لبعض الوقت“ صـــ191ــ
”الحب شيء والنضال من أجله شيء آخر“ صــــ202ـــ
”إذا أردنا أن نخنق حباً قديماً، فعلينا أن نسخر منه باستمرار!“ صـــــ227ــ
”المسنّون الذين بلغوا من الوهن مبلغه مثلي لا يحسدون يا ولدي، إنهم يتحسّرون فقط. ولتكتشف أنت وحدك يا ولدي أن بين الحسد والحسرة دائماً زقاقاً موغلاً في اليأس“ صــــ235ــ
”الأردية الأكثر بياضاً أسرع اتساخاً“ صــــ244ـــ
”ما يُسمع مهما كان ثميناً يظل أقل بكثير مما ُيرى.“ صـــ247ـــ

لغة السرد

يصعب أن تفلت من لغة علوان السردية بدء من روايته سقف الكفاية مروراً بصوفيا وطوق الطهارة متوقفاً عند القندس هذه اللغة هي مفتاح صبر القارئ على هذا الروائي الجميل، رغم أن السرد لأحداث الجد والأب أخذت الكثير من المساحة التي كان يتطلع لها القارئ لتضاف لـ حكاية العاشقين، أيضا شخصية ”ثابت“ تماهت كثيرا مع البطل الراوي فصار لسانه وثقافته ويمكن تحديد هذه الفجوة بمقارنة بيئة ثابت التي لم تخرج عن ثقافة الأب و الأم والعمة فاطمة و الأخت بدرية في حين أن هذه الشخصيات لها صوتها المنفرد لا نجد لثابت صوته الخاص إلا في كلمة ”يا ولدي“ رغم احتلاله لأكثر من 4 فصول من الرواية.

النضج

في هذه الرواية يتضح جلياً النضج الأدبي والمعرفي لدى حسن علوان
فأنت تجد خليطاً من الروايات تمر عليك وأنت تقرأ القندس، أهمها رواية ”حين تركنا الجسر“* وتجد ذاك الرابط حين كان بطل الرواية زكي نداوة مع كلبه وردان ينتظر بزوغ البطة الخرافية، كذلك نجد غالب ينتظر القندس بذاك الترقب والشغف الوصف الآخذ في الدهشة، ذاك الإيغال في الشخصيات ومحاولة الوصول بكل شخصية لنهاية مرضية قدر الإمكان، التنوع في الأعمار و الأمكنة والجنسيات (باسل السوري ، زكي المصري، شفيق الباكستاني، الخدم الاندنوسيات، مخلص الحلاق) في محاولة واضحة لطرح قضايا شائكة كـ الكفالة والعمالة دون التكلف أو زج أحداث طارئة تكون ناتئة في جدار الحبكة. أستطاع أيضا علوان أن يهرب بطريقة سلسة من مأزق التورط في تواريخ بعينها فـ اتبع تقنية فلاش باك ثم أخذ يتنقل في الأزمنة دون وضع الكثير من العلامة بـ استثناء مرحلة ما بعد حرب الخليج ولأن الأحداث اختلفت أزمنتها يصعب تحديد العمر للأبطال لولا ذكر ذلك بوضوح ”ست وأربعين سنة“ هي ما يمكن توزيع الأحداث عليها.

نستطيع أن نرى هذا النضج رغم أننا مع روائي لم يتخلى عن صناعة كل أبطاله في مصانع الرياض ولم يتخلى عن ذريعته الأثيرة وهي الأبطال الذين ينتظرون تركة أبائهم والأبناء المتمردين والعلاقات التي لا يمكن لها أن تكتمل ما شفع لهذا النضج أن يومض هو تخطي بطل العشرين للأربعين وتكثيف السرد من حين الأماكن والأزمنة والشخوص.

ماذا بعد القندس؟

أتمنى أن يستريح العلوان قليلاً، الفترات المتقاربة لا تعطي متسعاً لنضج أكبر وأشمل وأوسع، نضج في طرح ما بعد الحب؟ قضايا أكثر الحاحاً تعطي للكاتبة حيّز أكبر في الحركة و التجريب، أربع روايات عشقية والإصرار على بوتقة الحب والذات تستحق من العلوان التفكير بالقادم على مهل، ولنكن أكثر صدقاً كنا ننتظر شيئاً أكثر اختلاف وأعمق فكر وهو ما يتمتع به محمد حسن علوان ولذلك ننتظر بفرح ويقين.

هوامش:

* ”السجينة“ رواية لمليكة أوفقير
* ”القندس“ فلم للمخرجة الأمريكية جودي فوستر الذي يعالج حالة كآبة مزمنة تتحول إلى مرض نفسي. يحاول البطل تخطيه عبر التعلق غير الطبيعي والمرضي بدمية قندس.
* ”حين تركنا الجسر“ رواية لعبدالرحمن منيف