arrow-leftarrow-rightaskfmemailfacebookgoodreadsinstagramtwitter
العودة إلى قراءات نقدية في سقف الكفاية

جريدة الرياض

أصالة الإبداع و(مصالة) النقد!

بدرية البشر

قاصة سعودية - تكتب زاوية (ربما) في جريدة الرياض السعودية

اهتديت لموقع المبدع السعودي محمد حسن علوان عن طريق قصة جاءتني عبر بريدي الإلكتروني وحملت إلي قصته الرائعة (يباب الحلم) ابتهاجاً شديد اللهجة، ولم يكن هذا بسبب شعوري بولادة مبدع سعودي جديد، بل بولادة نمط لمبدع سعودي استطاع أن يكسر قداسة الصورة (الخايبة) السائدة التي ظلت على مدى ثلاثة قرون أو أكثر رائجة، صورة المبدع الفوضوي، رث الثياب، العابث، الفاشل، الذي يرى أن العلوم تقيد إبداعه، بعض منهم أو منهن يجد أن الاحتفاظ بمقالة كتبها، مخالف لقوانين العمل الإبداعي، واجتراح للإبداع تقييده في أرشيف، فالمبدع هو من يهيم على وجهه في الشوارع ينثر أشياءه في فوضى عارمة وعلى الآخرين أن يتبعوه ليلقطوا ما نثر، ويبنوا له منها، بيتاً متى ما شاء دخله، ومتى شاء خرج منه، وعلى هذه الشاكلة وجد كل فوضوي وعابث ومفلس، نفسه مبدعاً وسهل، ادعاء الإبداع وسهل اتهام الناس بالجهل، وسهلت القطيعة بين المبدع والناس، لكن محمد حسن علوان، كسر هذا الطوق الوهمي، بجسارة لا مثيل لها، جاء مرتباً، منظماً، نظيفاً، خريجاً، شاطراً للحاسب الآلي، كتب روايته في الرابعة والعشرين، ويجمع كل ما كتبه، وكل ما كُتب عنه في موقع إلكتروني، وسجل حتى نقاط بيع كتبه فيه، يعتني عناية شديدة ببريده الإلكتروني، ويرد على كل من يكتب إليه، بل أن بطل روايته كسر صورة الأبطال التقليديين، حين صلى ركعتين قبل أن يذهب للقاء حبيبته، محمد حسن علوان عبر بأصالة عن نفسه، ولم يلبس ثوب أحد، وهذا في نظري سر تفوقه. وفي سيرة إبداعية وشخصية قصيرة أثار ردود فعل طيبة لدى القراء وأنا منهم ولدى النقاد وأنا لست منهم، وهو يستحق كل هذا الاحتفاء، فعلوان يمتلك لغة شعرية مدوخة، وصوراً فنية تكشف عن عقل يتأمل، وعيناً صافية كالبلور تعكس ألواناً مدهشة للحياة كما يراها أديب، حين يعيشها، لكنني أدرك بكل هدوء أن هذه اللغة تفيض على رواية فأنا تتلمذت على روايات ماركيز، وكونديرا، واليزابيث الليندي، وأعرف أن الروايات تعتمد على عنصر درامي، وفكري، لا يغني عن غيابه، اللغة الرائعة وهذا ما انتظرت أن يضيء به النقاد طريق علوان، الذين على ما يبدو سرقتهم اللغة كما سرقتنا نحن القراء الانطباعيين، وكشفت لي أن النقاد من السهل تضليلهم، وأنهم انطباعيون مثلنا أيضاً، رغم كل دروع النظريات والمناهج الأكاديمية، وإلا لماذا تُهمل الأعمال الأخرى التي يكتبها روائيون آخرون اخترقوا حاجز الرواية بنجاح، ولماذا يختار كل ناقد أن يتبع بفخر واعتزاز أثر ناقد آخر رصف الطريق قبله في تكاسل، وعلى هذا النمط ظهر لنا نقاد متخصصون في أسماء معينة، أن النقد الذي لا يعرف وظيفته أخطر من غيابه، فبلا نقد لن ينمو الإبداع ولن يتطور المبدعون وستصبح حياة المبدعين قاحلة.