جريدة الحياة
لاشيء يوقف الموت
قاص سعودي
للكاتب محمد حسن علوان نظرة خاصة تجاه الملائكة، ونظرة خاصة أخرى للملل ولجميع ما يطرأ على حياة شاب سعودي، ومعتز (ثلاثين سنة) هو من تكفل بإيصال كل أفكار محمد حسن علوان تجاه التفاصيل الصغيرة والكبيرة عن طريق روايته الثانية (صوفيا) التي جاءت في مئة وخمسين صفحة عن دار الساقي.
لم يترك علوان عادة الشعر في طرحة لكل الحوادث التي تمر على معتز، الشاب الوحيد، الذي غيّب الموت والديه مُبكراً، قبل أن يتعرف على صوفيا عن طريق الإنترنت وينتقل إلى لبنان ليكمل هناك الحكاية، في شقتها الصغيرة في احد أحياء بيروت.
الرواية في مجمل صفحاتها ذات لغة فاخرة، وتفاصيل يسهُل الإمساك بها، وعلى الرغم من أن معتز لم يخرج من شقة صوفيا خلال شهرين إلا في مرات قليلة جداً إلا أن الكاتب وفر للقارئ مناخاً مكتملا وتفاصيل وأحداثا كافيه تجبره على إتمام الرواية، كما أن الطغيان الفلسفي على رؤية معتز أعطت صبغة جميلة للعمل ولرؤية معتز المتأرجحة بين العاطفة العمياء تجاه صوفيا وبين شفقة تظهر أحياناً على تصرفات معتز.
أنصرف علوان إلى الكتابة الدقيقة عن تداعيات الوحدة والمرض الذي تعانيه صوفيا الفتاة المُثقفة بالفطرة التي عاشت معاناة الحرب في بيروت قبل أن تغتال قذيفة طائشة جميع أسرتها، لتنزوي في هذه الشقة الصغيرة قبل أن يداهمها المرض الخبيث.
حملت الرواية نُضجا سردياً وقصصياً كان قد تمنع في بعض فصول روايته الأولى( سقف الكفاية)، كما أن الإطار الحكائي كان حاضراً طوال فصول الرواية، لكن أحادية المحور ظل موجوداً كما في العمل الأول، وندرة الشخصيات.ويبدو أن الكاتب بذل جُهداً معرفياً في وقت الكتابة، فهو يصور معاناة بيروت أيام الحرب الأهلية، ويُسهب في تصويره للقناصة وكيف يترصدون للمارة والعابرين، وكيف فشلوا في إصابة والد صوفيا كثيراً، وكأن الكاتب يكتب بذهنية ترجمة العمل، فالكثير من الصور الفنية التي حملتها الرواية إلينا بشكل جميل تبدو أفكار غربية، مثل تناوله للأشهر وإسقاطها على الحالات المزاجية التي تصيب الرجل كتشبيهه لـ أكتوبر بالرجل الطيب وديسمبر بالعجوز والثقيل كأعمار الفاسقين.
كما أن الموت كان حاضراً في جميع زوايا الكاتب، فهو يقترب من القارئ ثم يبتعد، والوصف المُسهب لواقع صوفيا المرضي وتناوله الجنائزي للطقوس التي ترتكبها البطلة ظل مُربكاً ومُكرراً للقارئ، وقد يصيبه الملل نتيجة تباطؤ الأحداث في الرواية، وتصبح الأيام الأخيرة صراعاً لصوفيا التي تريد أن تستمر الحياة ليستمر معتز في البقاء لجانبها، في الوقت الذي يبدأ فيه معتز التملل منها، مما يدعوه إلى الكذب بعض الأحيان للابتعاد قليلاً، لكنه سريعاً يعود خوفاً من أن تلجأ إلى رجل غيره، وكل هذا يتم بدافع الغيرة طبعاً.
يدرك معتز فلسفة الحياة، ومعاني الوجود التي دائماً ما استعصت على شاب مترف، وهما يوشكان على الفراق، ويترجمها في صور شعرية جميله ”هل تعودين؟ اتركي عندي رقم غيمة، ارسمي الطريق على جبيني بإصبعك الواهنة هذه وسأتذكرّه حتماً، أعطيني أي شيء منكِ يضيء باتجاهك يوماً ما“، ولم يكن معتز ليترك كل هذا دون أن يتفقد حالته النفسية، فرغم كل مظاهر الضجر والسأم التي كان يبثها الكاتب مع صوت معتز الذي يقترب من حافة البكاء، قبل أن يُصرحَ علوان في النهاية بالملل.