arrow-leftarrow-rightaskfmemailfacebookgoodreadsinstagramtwitter
العودة إلى قراءات نقدية في القندس

جريدة المدى اليومية

قراءة في رواية “القندس”

ضحى عبدالرؤوف المل

كاتبة لبنانية

سريالية  صنعها الروائي ” محمد حسن علوان “من القندس في رواية حمل عنوانها صفة كائن  ماهر في بناء المسكن،  لكنه دميم الشكل،  وربما سريالي في شكله وحرصه  ومخاوفه،  وما بين قاع النهر لو جف ومذاق القهوة دون قرنفل ربط تخيلي  افتراضي،  وعصف ذهني روائي يتقدمه كائن القندس بموازاة  تثير عند القارىء  علامات تعجب تجذبه نحو المزيد من الشغف الروائي، ليكتشف كل من القندس والرواي وما بينهما من احداث مشتركة ، فهل استطاع” محمد حسن علوان”  بناء الرواية باختزال يعتمد على التصوير الحسي المتنوع سرياليا واقعيا تخيليا وما الى ذلك؟

“القنادس تتصرف بألفة أحيانا لكنها تظل شرسة في الغالب” جملة ذات مضمون محصور بالشراسة التي يمتلكها هذا الحيوان رغم الالفة التي يتصف بها ،  والاسقاطات المكثفة في الرواية اتخذت مساراتها عبر تحولات سلوكية يؤكد من خلالها على ما يحمله الانسان من جينات وراثية تنبىء عن استحالة وضع مخططات عائلية قادرة على احتواء العقول والعواطف معا بل ! والاختلافات الاجتماعية التي اظهرها في روايته “محمد حسن علوان” بفن روائي انتقادي سوسيلوجي ونفسي اخترق من خلاله الخط الاحمر في مجتمع سعودي متمسك بعاداته وتقاليده . الا أن الرواي لم يتخل عن عقلية العربي التي تتكون منها خلايا وجوده،  ولم يتخل عن نظرته للمرأة رغم الحب الكبير الذي عاشه مع امرأة تحيا بانفصام نسوي مع زوج وحبيب،  والسبب خلافات اسرية منعت غالب من الزواج بها ، ليحتفظ بنكهة كل لقاء في ذاكرة تكونت عبر محطات متفرقة،  وكأن الحب سياحة حياتية عبارة عن رحلة نقوم بها بمغامرات شتى.  الا ان اعظمها تلك التي نستيقظ منها على وهم كبير،  فهل بناء الرواية يعتمد على التشابه والمقارنه والنقد الاجتماعي أم أنه ارخى عفويته الروائية لتختزل  الاحداث عبر قصة حب تخفي معها حياة المجتمعات العربية؟ وهل هذا ما تقوله القبيلة التي في دمه؟

يطرح الروائي “محمد حسن علوان” الخلل الاسري والذي يبدأ من الاب والام والصراع الذي ينتقل الى الابناء الذين يقبعون تحت سقف مثقوب لا يمكن ترميمه ما لم يكن البناء من البداية سليما  “من الصعب جدا أن نعيش تحت سقف مثقوب ” فهو يضع مجهره الروائي على مشاكل العائلات العربية والمرأة  المتسلطة،  والمتخفية  تحت عباءة الطاعة الا انها في قرارة تكوينها هي كائن متمرد يحاول الخروج عن الاعراف والتقاليد بشتى الطرق فهل استطاع منح المرأة شهادة البراءة وصك الوفاء أم تركها مع غادة بين علامات تعجب لا تنتهي؟.

ما يحمله الطفل من جراح منذ الطفولة تعاوده بعد عمر الاربعين،  هذا ما يؤكده “محمد حسن علوان”  في روايته تاركا لغالب دوره الفعال في تكوين الحدث الماضي والحاضر،  لنستنتج المستقبل من خلال عنصرين زمنييين يمر بهما الطفل،  وتنقش ذاكرته كل التفاصيل “يضحكون واضحك ثم ينسون وابكي”  والجروح الناشئة عن قساوة الام والكره الذي تبثه نحو الاب،  وكأن الامومة تتعلق بالحب وبطيب العلاقة مع الرجل لتثمر في قلوب الالولاد،  ولتبقى شيخة نموذجاً لزوجة الاب التي تعكس طيبة لا تتصف بها ام غالب نفسها ، فهو يحاول بناء الرواية تناقضيا لتكون كجزء من مجتمع اعتاد على السلطة،  وعلى ابراز صفات العشيرة القبيلية التي تتكون في عقل الرواي قبل غيره،  فما اظهره من علاقات نسائية ما هي الا الوهم الذي بحث من خلاله عن ام بعيدة عنه وتسكنه باشتياق وحنان،  وهذا ما جعل حبكة الرواية العاطفية منسوجة اجتماعيا بمنطق المجتمع السعودي او بالاحرى مجتمعي الرياض وجدة،  ولكن لكل قاعدة استثناء ولكل مجتمع مميزاته السلبية والايجابية،  وهذا ما لم نلمسه في الرواية لتكون اجتماعيا قطعة من مجتمع اراد تصويره روائيا كما يجب.

عالم من الحيوانات بناه من قندس يتماهى معه وعائلة قنادس جل همها بناء مسكنها باحتراف ونظام،   وهو الذي يتسابق الى الملاهي الليلية باحثا عن الامن والاستقرار،  وكلما حاول فهم حياته لجأ الى الذاكرة ليستنبشها ، ولكن النقد الاجتماعي لم يكتف به عربيا بل انتقد المجتمعات الغربية التي عاش فيها تلميذا وعاشقا،  يبدو الملهى احيانا مثل سباق الخيل الرابحون يمضون سريعا ويتجهون الى منصات التتويج، والبائسون يلملم بعضهم بعضا اخر الليل ويمضون معا الى الاسطبلات الخلفية.” ان القندس بغرابته تواءم مع الرواية ورؤيتها واتجاهاتها وقدرتها على تصوير معاناة الاسرة وتفككها والمحاباة في الخروج من نهاية ما هي الا الوهم الذي كان يخافه في الحب والابوة والاخوة والامومة.

لا يمكن للرغبات أن تتخذ مكان الاهداف لأن الحياة نتيجة وجودنا فيها تعادل اهدافنا فيها فإما الفشل او النجاح وهذا ما اراده المؤلف من كلمة نجاح التي اراد المدرب التنموي طرحها.  الا ان لغالب قنادسه التي يتأملها كلما لجأ الى التأمل لعيد رؤية الحياة في اسرة مولود فيها ، ولا ينتمي اليها وهذه صعوبة الانتماء الاسري الذي يعاني منها الاولاد في العائلات التي تؤدي دورها ميكانيكيا توارثيا دون تجدد في مفاهيم الزمن الذي يمضي ويترك اثره على العقول المتحجرة الغير قادرة على فهم سلوكيات من حولها،  فهل يحاول الروائي “محمد حسن علوان ” انتقاد الاسرة العربية في مفاهيمها وعاداتها وتقاليدها ام يحاول التحرر من قيود المفاهيم العربية مع عدم الالتزام بالفكر الغربي ؟

تفكك اسري بين افراد عائلة جمعهم رحم وفرقت بينهم أحداث الحياة التي لا ينجو منها الاطفال عند حدوث شرخ عائلي او طلاق الام والاب وما يصدر عنه من مفارقات تنطبع في أذهان الاولاد،  ويخافها بعضهم او بالاخرى يخاف تكرارها ” اخي حسان قبل جبيني لاول مرة في حياته بدافع الشفقة ثم ترك المكان بعد دقائق،  وكأنه يعود شخصا غريبا وليس أخاه الاكبر.”فالموضوعية الروائية توازنت مع منطق الحكمة الادبية التي نثرها بين الاسطر للتفكر بها بعيداً عن الاحداث النفسية الموجعة مع الاحتفاظ بالحيلة الروائية التي جذبت القارىء منذ البداية حتى النهاية ، وكأنه هو الجزء المهم من رواية تركت للقارىء اكتشاف الحقائق المرتبطة بشخصية شبيهة بالقندس.