طوق الطهارة
محاضر في الجامعة العبرية بالقدس
(محمد) حسن علوان هو روائي وشاعر وصحافي سعودي وُلد في الرياض سنة 1979، نال شهادة الماجستير في إدارة الأعمال من جامعة بورتلاند في الولايات المتحدة، اصدر أول رواية له ”سقف الكفاية“ سنة 2002، عندما كان عمره 23 سنة فقط، ومن ثم اصدر روايته الثانية ”صوفيا“، و”طوق الطهارة“ هي الرواية الثالثة والتي أصدرت في العام الماضي. هذه الرواية حازت على اهتمام الجماهير العربية، ونالت المرتبة الأولى في المبيعات في فترة معينة، وذلك لسبب واحد ووحيد: المواضيع التي تناولتها، نعم حزرتم،حيث تتصدى الرواية لقضية الجنس، قضية الطابو في مجتمعنا، وكيف قال المثل: ”كل ما هو ممنوع مرغوب“.
هذا الكتاب جاء في سياق كتب اخرى لكتاب سعوديين اخترقوا من خلالها هذا الطابو، أشهرها ”بنات الرياض“ لرجاء (الصانع) و”اختلاس“ لهاني نقشبندي وهؤلاء الكتب متشابهة جدا ليس فقط من حيث جنسية الكتاب والموضوع الذي تتناوله، بل ايضا من ناحية مستواها الأدبي المتواضع، ولذلك قيمتها تكتمن في جرأتها لتصدي لموضوع حساس بل مغيب عن النقاش العام، وهو موضوع الجنس. وعلوان وكأنه في سباق مع من سبقوه، يتخطى الحدود التي رسمها من سبقوه، حيث يتعرض في كتابه للتحرش الجنسي ضد الأولاد من خلال قصة بطلها حسان الذي تعرض لمثل ذلك التحرش على يد أحد معلميه في نطاق المدرسة. الحالة التي أثرت على مجرى حياته فيما بعد: ”أما أنا، فلم أفكر وقتذاك في الجنس كحالة سامية البته. كنت لا أراه إلا حالة لاحقة محتملة لأي من التحرشات التي تعرضت لها في طفولتي“. كما يتعرض الكاتب لحالة المثلية، حيث يشكك حسان في نفسه ويعترف أمام طبيبه النفسي انه يفكر أحيانا بالرجال عندما يجامع النساء: ”لم يكن ذلك مفاجئًا، لوزان (الطبيب النفسي)، ولم تكن تلك الميول المثلية حالات نادرة في العيادات النفسية، لا سيما في الرياض…“. أما بالنسبة للعلاقات الجنسية مع النساء، فيطلعنا الكاتب عن سر معلن وهو ظاهرة ممارسة الجنس في السعودية بشكل مستفيض وأحيانا بشبق خاص رغم الحجاب الذي يوحي بعفة وطهارة نساء ورجال المملكة، فحسان بطل الرواية يشاركنا بغزواته وببطولاته حيث يقول: ”ربما كان أكثر من ثلاثين أمراة، مجموع اللواتي نجحت في اللقاء الجسدي بهن، لكل واحدة منهن افتتحت موسمًا مستقلا من الحصاد، واحتفظت بتذكار من القصص“.
ومن ناحية اخرى يظهر لنا الكاتب حالة البؤس التي تعيشها المرأة السعودية، حيث انها تعتبر آلة للذة الجنسية ليس إلا: ”ذلك ما ابتدعتها العقلية الذكورية المسيطرة عبر التاريخ، عقلية احتكار المرأة واعتبارها من بقية الأملاك أما أن تحوزها، أو تقاتل من اجلها، أو تموت كدًا عليها. حتى المرأة نفسها متأثرة بهذا الاغتيال لجنسها، وأصبحت تتجه لا إراديا لان تحول نفسها إلى هذا الشيء المملوك…“. للمرة الالف السؤال الذي يطرح نفسه، ولربما السؤال الذي اشرف على اغتيال نفسه، لماذا هذا التزمت الاجتماعي والحرمان الجنسي عندنا نحن العرب. مع ان العرب كانوا أول من تعاملوا مع الجنس بشكل فطري، وبكونه قسما من حياتنا، في أدبياتهم خاصة في العصر العباسي. ومع أن الديانة الإسلامية تتعامل مع الجنس بشكل طبيعي، بل النصوص الدينية هي الأكثر انفتاحا على هذا الموضوع لربما من النصوص للديانات السماوية الثلاث. لماذا هذا التزت والرجوع إلى الوراء، ففي حينه نحن كنا المنفتحين والمتنورين عندما كان الغرب يغط في دهاليز الظلمة، وكان يتعامل مع الجنس قبل مئات السنين وخاصة في العهد الفيكتورياني، كما نحن نتعامل معه الان. اعتقد أن للموضوع لا توجد أية علاقة للدين، بل هي قضية اجتماعية اقتصادية. فالنظام العربي الذكوري، يتعامل مع المرأة وكأنها سلعة وكأنها شيء من اشيائه، وبكونها كذلك هو يحاول الحفاظ عليها، تمامًا كما يحافظ على سيارته الفخمة، يحاول الحفاظ عليها من أن يمسها أحداً، أو يخدشها أحد. يحاول الحفاظ على ”طهارتها“ وعلى ”عذريتها“ ومن خلال ذلك يحافظ على كرامته، كرامة العيله، او كرامة الطائفة. أما هو فيمكنه أن يسرح ويمرح كما شاء وأين ومتى شاء. وكأن كرامة الطائفة، والشعب ملقاة على كاهل المرأة، وعلى قدسية عذريتها، أما كرامة الرجل فهو غزو أكثر ما يمكن من قدسية نساء من خارج القبيلة.
اعتقد كما سبق وذكرت أن للموضوع إبعاد اقتصادية أيضا، فالمرأة في الغرب بدأت حركة تحررها مع انطلاق الثورة الصناعية. الثورة الصناعية التي اوجدت الحاجة الى الايادي العاملة، فاضطر المجتمع السماح للمرأة بالخروج للعمل، والاستقلال الاقتصادي حدى بها للبدء بالمطالبة بحرياتها. والحريات لا تتجزأ. وكذا عندنا في البداية وعندما كان بامكان الرجل سد رمق العائلة ”سجن“ المرأة في البيت وتعامل معها كخادمة ليس إلا. اما اليوم وبسبب شظف الحياة تخرج المرأة للعمل وبذلك خرجت من القفص الإجتامعي ووضعت المجتمع العربي امام تحدي جديد وأمة أجتماعية لا نحسن التعامل معها. قبل خروج المرأة للعمل كان بإمكان الرجال ”الحفاظ“ عليها بين اربعة حيطان، لكن اليوم الوضع اصبح عقيمًا، اليوم الوضع اصبح عبثيًا، لا يمكن التحرر في جهة واحدة، والحفاظ على الجهة الاخرى في غياب الماضي. لا يمكن التقدم برجل واحدة والابقاء على الرجل الاخرى في مكانها. ذلك يفرز وضعية إنفصامية، وضعية مرضية، وهذه الوضعية، تفرز الشذوذ الجنسي، تفرز الشبقيه الجنسية في اكثر البلدان حرمانًا وتكتمًا وتزمنًا مثل السعودية. وذلك ليس صدفة، فكلما احكمت الرباط ، كلما فرضت المحرمات أبيحت تلك من تحت البساط، وياما تحت السواهي دواهي. ووضعنا ليس بافضل كثيرا من السعودية، فالتزمت والكبت والتحريم لا يلغي الحاجة الانسانية، الحاجة للجنس. بدل التحريم يجب التهذيب، بدل التزمت يجب الانفتاح تدريجيا. لا يمكن البقاء على هذا الوضع المرضي. الوضع الظالم فيه يسمح للرجل ما يمنع عن المرأة. فالظمير في بلدي كما قال أحدهم يقف على رأسه!