المجلة العربية
روائي موهوب في العشرين
وزير المياه السعودي
روائي في العشرين؟!
هل يمكن أن يحدث شئٌ كهذا؟!
يمكن!
إلا أن الروائي، إذا أردنا الدقة، في الثالثة والعشرين..
وهذه المعلومة موجودة على ظهر الرواية..
اسم الروائي الشاب محمد حسن علوان..
واسم روايته..((سقف الكفاية))..
وهي تتكون من 404 صفحات..
وهذا يعني ـ والأرقام على ذمة الكاتب ـ
أنها تتكون من 8656 سطراً..
أو 97523 كلمة..
أو 417758 حرفاً..
ما شاء الله!!
تبارك الله!!
* * *
عندما استلمت الكتاب ذهلت لجرأة الكاتب الشاب..
رواية؟!
مرة واحدة؟!
وبهذا الحجم؟!
راودتني فكرة شريرة وهي أن هذه المغامرة الحمقاء لا تستحق أن أضيّع معها دقيقة واحدة من وقتي..
إلا أن بقاء الفكرة الشريرة لم يطل..
طردتها ذكرياتٌ قادمة من الماضي السحيق..
* * *
كنت في العشرين عندما كتبت روايتي الأولى..
((حدث ذات صيف))..
كانت صفحاتها تتجاوز المائة..
وكانت تسجل، بأمانة، أحداث تجربة شخصية عاصفة..
لم يهمني أن أسمع رأي القراء أو النقاد..
كتبتها لنفسي..
ولم يقرأها سوى ثلاثة أصدقاء..
كان لكل منهم دور كبير أو صغير في أحداثها..
ثم اختفت الرواية..
لا أدري أين ذهبت..
ضاعت ولم أرها إلى اليوم..
حسناً!
لماذا أستكثر على شاب موهوب أن يكتب رواية في العشرين وقد فعلت أنا الشيء نفسه؟
يالقسوة الكبار عندما ينسون أنهم كانوا ذات يوم صغاراً
وكنت في العشرين حين أصدرت ديواني ((أشعار من جزائر اللؤلؤ))..
ورحَّب به الدكتور عبدالقادر القط..
وأثنى عليه الدكتور شكري عياد..
واستقبلني الأستاذ عباس محمود العقاد في مقر لجنة الشعر هاشاً باشاً..
وتلقى نسخته من الديوان وقال
((جزائر اللؤلؤ)) ؟ اسم بديع، أرجو أنيصبح ذائع الصيت مثل ((صهاريج اللؤلؤ)) للبكري..
حسناً!
كنت طالباً مغموراً عندما قررت أن أعرض موهبتي في السوق..
لماذا لا أعطي الحق نفسه شاباً مغموراً موهوباً؟!
يالجحود المشاهير حين ينسون أن لكلمات التشجيع في قلوب الأدباء الناشئين مفعول السحر!
* * *
((سقف الكفاية)) عمل روائي كبير..
لا يكاد المرء يصدق أنه مكتوب بقلم شاب ويد شابة..
فيه من التجارب مالا يعرفه سوى الشيوخ..
(أو هذا هو اعتقاد الشيوخ!)
وفيه من عبر الحياة ما لا يمر إلا على الكهول..
(أو هكذا يتصور الكهول!)
وفيه جرأة الشباب..
يستحيل على كهل أن يكتب عملاً جريئاً كهذا..
عن قصة حب تدور أحداثها..
في قلب الرياض..
* * *
لا أود تلخيص الرواية..
وإن كان تلخيصها أمراً سهلاً..
فأحداثها بسيطة جداً..
عادية جداً..
يمكن أن تختزل في فقرة واحدة..
ولكن السر ليس في المادة الخام..
السر في المعالجة..
تمكن هذا الروائي الشاب من أن يحول قصة حب عادية إلى ملحمة كاملة..
وكتابة الملاحم ليست بالأمر السهل..
ولا هي بالشيء الذي يتكرر كل يوم..
لكم البشرى!
يولد اليوم روائي موهوب اسمه محمد حسن علوان..
تذكروا هذا الاسم..
قبل أن يفرض نفسه عليكم فرضاً!
* * *
وبعد!
أسمح لنفسي، وعمر المؤلف ثلث عمري تقريباً، أن أصب على رأسه بعض النصائح الثقيلة..
أقول، أولاً، أن عليه أن يقتني،فوراً، كتاباً في ((مبادئ القواعد))..
وأن ينكب عليه بجد ومثابرة..
لا يجوز لروائي، طفلاً كان أم شيخاً، أن يجهل الفرق بن اختصاصات إن وأخواتها وصلاحيات كان وأخواتها..
وأقول، ثانياً، إن قضية الشعر الذي يكتبه بطل الرواية تقلقني بعض الشيء..
بعض الأبيات يصلح للإعجاب..
وبعضها يصلح للنشر..
وبعضها لا يصلح لشيء!..
أريد أن أقول:
إذا أراد صاحبنا أن يكون روائياً وشاعراً..
(كما يحاول البعض!)..
فعليه أن يتعب على الشعر قدر ما يتعب على النثر..
(أو أكثر!)
فالشعر، كما قال خبير عظيم من خبرائه، ((صعب.. وطويل سلمه))..
بقيت النصيحة الأثقل..
لو أن صاحبنا حذف مائة صفحة من عمله الضخم لزاد العمل جمالاً وروعة..
التكرار، حتى عندما يكون الأسلوب أخاذاً، يدعو إلى السأم..
وقليلون هم القراء الذين يستطيعون قراءة كتاب، أي كتاب، من 404 صفحات..
وهذه الرواية تستحق أن تقرأ..
وأود أن يعرف الروائي الشاب أني حذفت من ((العصفورية)) في الكتابة الرابعة أكثر من مائة صفحة..
وبالمناسبة، فأنا أرى أنه لا يجوز أن ينشر عمل روائي قبل أربع كتابات على الأقل..
حذفت ربع الكتاب.. ومزقت الصفحات..
ولم أندم..
* * *
كلمة أخيرة!
لمحمد حسن علوان أقول:
إذا جاء أحد سادتي النقاد ليعلن أن هذا الكتاب ليس رواية..
فلا تأبه بهرائه..
وإذا قال لك أحد من سادتي النقاد..
إنك لست روائياً موهوباً..
فاطلب منه ألا يتدخل في ما لا يعنيه!
والسلام!