arrow-leftarrow-rightaskfmemailfacebookgoodreadsinstagramtwitter
العودة إلى المقالات الإعلامية

الروائي محمد حسن علوان

مقص الرقيب لم يُبعد ”صوفيا“ بقدر ما جعلها أقرب للأجواء المحلية*

صحيفة المدينة السعودية

حوار/ خالد الخضري

بدأت علاقته بالعمل الإبداعي من ثلاث سنوات، خلالها تمكن من تقديم عمل روائي أثار ضجة في الساحة الثقافية وهي روايته ”سقف الكفاية“، التي دار لغط حول قدرته على كتابة عمل روائي بهذا الحجم، وهو اسم لم يكن له حضور فاعل في الساحة الثقافية سابقاً، والاتهام الذي أثير حول هذه الرواية في حينها، وتناول الكثير من النقاد لها بمقالات في الصحف، كان منهم الناقد المعروف عبدالله الغذامي، وغيره من الكتاب.

إنه الروائي الشاب محمد حسن علوان الذي تصدر له هذه الأيام روايته الجديدة ”صوفيا“ عن دار الساقي في بيروت، والذي تناولنا معه العديد من قضايا الإبداع، وعلاقته بالعمل القصصي والروائي، وعدم حرصه على إصدا رمجموعة قصصية رغم كتابته لعدد من القصص المنشورة على مواقع الإنترنت الإبداعية، وعدد من قضايا الساحة الثقافية في هذا الحوار الصريح.

***

الكتابة الابداعية، ذلك الهاجس الذي يتولد في داخلنا، لخلق في أنفسنا تلك الرغبة الجامحة في التجدد وصناعة عوالم خلاقة خاصة بنا منشؤوها الواقع المحيط: ما مدى علاقتكم بهذا الواقع، وما مدى تفاعلكم مع ما يثار حولنا من أحداث معاصرة، خاصة وأنك ككاتب لست معزولاً عما حولك، وكيف تولد الأحداث لديك؟

التفاعل مع الواقع روائياً أمر أكثر تعقيداً من التفاعل الذي تنتجه أنماط الكتابة الأخرى، الحدث الواقعي قد يتحالف مع الحدث الروائي شرط ألا يكون الزمن شرطاً إبداعياً حتى لا تتحول الرواية إلى نشرة أخبار، أو وثيقة اجتماعية، أكثر من دورها الأساس كفن عابر للزمن والأمكنة. لذلك لا أتوخى هذا التفاعل المباشر على مستوى النتيجة بقدر ما أراقب الأشياء برصد تحليلي أربي به الذاكرة على قابلية إعادة صياغته لاحقاً كمخزون استراتيجي لكتابة متأخرة.

عودة إلى ما أثير حول سقف الكفاية، وهل ما تناوله كبار الكتاب حولها لحد التشكيك في قيام شخص آخر بالتدخل في كتابة هذا العمل كان خدمة إعلامية لتلك الرواية وساهم في نجاحها؟

الشروط الإعلامية (لرواج) عمل، ليست بالضرورة شروطاً فاعلة (لنجاحه)، وذلك لسببين رئيسين: الأول، أن المستهلك للفن ليس كأي مستهلك آخر يمكن للإعلام أن يزيف عليه ذائقته إلى درجة تغييب معياره الشخصي في قبول الأعمال الأدبية ونقدها. والثاني، لأن الشروط الإعلامية هي شروط مؤقتة، تفقد جاذبيتها الثقافية بمجرد وصول الرواية إلى يد قارئها، وتبقى وحيدة بين يديه، ويخلو بها هو بعيداً عن كل العوامل الأخرى التي كانت تشيع حولها.

وقد ذكرتُ من قبل في حوارات صحفية أن تهمة التشكيك في أني كاتب الرواية لم تكن قضية ثقافية مدعمة برؤى وأدلة نقدية بقدر ما كانت رؤية شخصية من أفراد قلائل في المشهد، ولا أدري لماذا التصقت بالعمل كل هذا الالتصاق في الصحافة المحلية فقط.

ربما ما يشير إلى ذلك تلك الرغبة الجامحة في إطالة الأحداث من كاتب النص، وصناعة عوالم ربما لم تخدم الحدث الرئيسي، مما يجعل البعض يؤكد أنه لو تم إبعاد تلك الأحداث المحشوة لما أثرت على النص؟

هذه رؤية نقدية وصلتني ضمن بضعة دراسات وقراءات وآراء أخرى، يقابلها على الطرف الآخر دراسات وقراءات وآراء، قد تكون أكثر، رأت إيجابية ما رآه آخرون سلبياً، وهذا شأن الذائقة، تختلف دائماً، ولعله في صالح العمل أحياناً أن تنقسم حوله الذائقة انقساماً جدلياً نقدياً، متعدداً، لأنه يعود عليّ بردود أفعال جديرة بالمراقبة فعلاً.

هذا يجعلنا نطرح تساؤلاً هاماً يثار حول الكثير من الأعمال الروائية السعودية الصادرة حديثاً، وهو أنها لا تتجاوز كونها قصص قصيرة تم تحويلها إلى عمل روائي ـ من حيث الحدث والفكرة، رغبة في كتابة الرواية ـ كموضحة حديثة، وهي لدى الكثير من الكتاب لم تتجاوز كونها قصة طويلة، ما تعليقك؟

القصة القصيرة جنسٌ فني لا يربطه بجنس الرواية أي سمة إبداعية أساسية مشتركة، وهما فنان مختلفان تماماً، وهذا رأيي الشخصي بالطبع. وبالتالي، فإن الخلط بينهما على المستوى الإبداعي، دون مبررات فنية لهذه المقاربة، هو خطأ، ولعله خطأ شائع محلياً، كما قرأتُ ذلك في دراسات نقاد معاصرين.

في روايتكم الجديدة ”صوفيا“ التي صدرت حديثاً، يلحظ من خلال الأحداث الابتعاد عن الأجواء المحلية، لماذا الهروب من العوالم المحلية، هل هو بهدف التخلص من مقص الرقيب، والمحاكمة الاجتماعية؟

عندما أكتب، فأنا أفعل ذلك محكوماً بالقوانين الفنية فقط، ولا أضع اعتباراً لكل ما هو خارج المنظومة الفنية لكتابة عمل أدبي، أو على هامش الفلسفة التي أهدف إلى مساءلتها روائياً في النص، ولذلك، فإن اختياري للخلفيات المكانية بعيداً عن الأجواء المحلية على حد تعبيرك، هو مجرد ظرف كتابي متعلق بالنص نفسه، ويخدم رؤية إبداعية مرتبطة بما خلف غلاف الرواية فقط.

رواية (سقف الكفاية) جاءت موغلة في التفاصيل المحلية بكثافة، بينما جاءت (صوفيا) غير ذلك، فهما تجربتان بأهداف فنية مختلفة، الأولى تسائل الواقع، والأخرى تسائل الفلسفة، ولكل هدف منهما أقوم بتوظيف أدوات قادرة على توفير هذه المساءلات بصفة دائمة على سطح النص.

وإذا كنت تعني بمقص الرقيب: الإبعاد والمصادرة، فهذا قد وقع لرواية (صوفيا) فعلاً، دون أن يقيها ذلك ابتعادُها عن الأجواء المحلية.

يرى البعض أن المرحلة الحالية في عالم الإبداع قد تجاوزت الرومانسية، وأن الكاتب بحاجة للتفاعل بقدر أكبر مع واقعه، والابتعاد عن اللغة الرومانسية التي تطغى على كتابتكم، فهي في نظرهم تظل تصبغ العمل الإبداع بصبغة الكتابة الوجدانية، لمرحلة من مراحل السن يمر بها كل إنسان؟

لا أجد الرومانسية مرحلة بقدر ما هي ثيمة سردية حرة، يمكن استخدامها في الأعمال الأدبية، وفي الحياة أيضاً، حسب النية الكتابية المرصودة للعمل، أو الإنسانية المرصودة للموقف، وهذا النوايا يجب أن تكون مخلصة للشرط الإبداعي ومنتمية له بقدر كاف لتخليصها من أي تبعية ما لشروط خارج المدار الأدبي.

ولا أجد الرومانسية أيضاً فعلاً منافياً للواقع، لأنها تتواجد بضرورة أحياناً في الحراك الإنساني، ولا يمكن إنكار رائحتها في السلوك، والشعور، والقيم العاطفية. أنا لست مع أن نلقي وراءنا بالثيمات التي كتبنا بها في مرحلة ما كأداة مستهلكة نلغيها تماماً من الخارطة القادمة، لأن التقدم الفني فعل تراكمي في الأصل. علينا أن نفرق بين التجديد في التكنيك الذي يتطلب تجميد القديم مع الاحتفاظ به كبنية للجديد، وبين التجديد في الثيمات الشعورية، لأنها محدودة في الأصل، ولا يمكن توليدها بسهولة.

يثار تساؤل حول عدم قيامكم بجمع قصصكم القصيرة في مجموعة قصصية، وهل هذا الأمر يعود إلى رغبتكم في تقديم نصوص أفضل مما تم نشره عبر الأنترنت، أم ما هي حقيقة أسباب تأجيل هذا المشروع؟

السبب هو أني لا أملك كماً كافياً من القصص القصيرة لأجمعها في كتاب، فما كتبته حتى تاريخ هذا الحوار هو ثمان قصص قصيرة فقط، على مدى ثلاث سنوات من ابتداء ممارستي لهذا الفن.

كيف ترى تتبع النقد للأعمال الإبداعية المحلية، وما مدى علاقة الناقد المحلي بما ينتج من إبداع؟

هناك تباين بين مستوى المطروح على المشهد من أعمال، وبين مستوى الناقد المحلي الذي تجاوزها نقدياً إلى أخرى أكثر عمقاً وكثافة على المستوى العربي والعالمي أحياناً، مثل هذا التباين ولّد روحاً من النفور من جانب المبدع الذي يرى أن من محليته تمنحه حق الحصول على التفاتٍ مناسب من الناقد المحلي، وبهذا يتخالف المشروع النقدي للناقد مع المتوقع منه لدى المبدع، ويتماسّان في نقاط قليلة جداً، وبمبررات وأسباب غير متكررة بكثرة.

البعض يظن أن النقد هو عملية لاحقة بالضرورة لعملية الإبداع، بينما أرى أنا أن النقد هو فن مستقل تنظيراً وخلقاً، سواءً احتاج في عمليتي التنظير والخلق هاتين إلى الاستناد على نتاج ما، أو تجاوز ذلك بالاستقاء من الفلسفة الفنية مباشرة. وهنا، على الكاتب أن يجعل عمله نفسه هو المحرض على الدخول في هاتين العمليتين الأساسيتين في النقد، وليس محليته فقط.

***

* تم استنباط المانشيت بشكل خاطيء من نص الحوار، والمقصود أن ابتعاد صوفيا عن الأجواء المحلية لم يقيها مقص الرقيب.