arrow-leftarrow-rightaskfmemailfacebookgoodreadsinstagramtwitter
العودة إلى المقالات الإعلامية

في لقاء خاص الروائي السعودي محمد حسن علوان:

لم ألعب دوراً في نشر ”بنات الرياض“ واشتريتها لاقرأها مثل أي قارئ آخر

موقع شاهد الإخباري

حوار/ فاطمة العمري

”سقف الكفاية“ عمل روائي كبير.. لا يكاد المرء يصدق أنه مكتوب بقلم شاب ويد شابة.. فيه من التجارب ما لا يعرفه سوى الشيوخ.. (أو هذا هو اعتقاد الشيوخ!).. وفيه من عبر الحياة ما لا يمرّ إلا على الكهول.. (أو هكذا يتصور الكهول!).. وفيه جرأة الشباب.. يستحيل على كهل أن يكتب عملاً جريئاً كهذا.. عن قصة حب تدور أحداثها.. في قلب الرياض!

ما سبق كان مقطع مما قاله الأديب الكبير الدكتور/ غازي القصيبي حول ”سقف الكفاية“ و هو ما سنستعيض به عن كتابة مقدمة تعريفية بـ”محمد حسن علوان“ ضيفنا في هذا اللقاء و الغني عن التعريف بالأساس.

(لو أن صاحبنا حذف مئة صفحة من عمله الضخم لزاد العمل جمالاً وروعة. التكرار، حتى عندما يكون الأسلوب أخاذاً، يدعو إلى السأم. وقليلون هم القرّاء الذين يستطيعون قراءة كتاب، أي كتاب، من 404 صفحات) ”غازي القصيبي، الخليج يتحدث شعراً ونثراً، المجلة العربية“
ما رأيك بهذه النصيحة (الأثقل) كما أطلق عليها الدكتور غازي القصيبي في تحدثه عن علوان؟

لم تكن نصيحة ثقيلة أبداً. أعتقد أن طول العمل أو قصره منوطان بالمزاج القرائي للقارئ، والدكتور غازي القصيبي كان يفضّل لو جاء العمل أقصر، وسمعت من قراء آخرين من يفضّل لو أنه جاء أطول أو لو أني كتبت جزءاً ثانياً من سقف الكفاية. تعودتُ على الآراء المتعاكسة، ولكني أحترمها جميعاً، لاسيما إذا جاءت من الدكتور غازي القصيبي، لأني أثق أنها لا تنزل عليّ عن استعلاء، بل عن حرص شديد على أداء دوره الرياديّ في المشهد الثقافي.

يقول رولان بارت: (المؤلف يقيم ويسكن في النص). إلى أي مدى تسكنك رواياتك؟ وبأي منها كنت الأقرب إلى محمد حسن علوان؟

بالطبع كانت (سقف الكفاية) هي الأقرب، وكتابتها لم تكن ممارسة ورقية فحسب بقدر ما كانت انشغالاً ذهنياً يغلف كل حالاتي اليومية على مدى سنتين من الكتابة. كانت تجربتي الأولى طبعاً، ولهذا اختلّ توزاني النفسي أثناء كتابتها أكثر من مرة، إلى حد أني شككتُ أحياناً في نيّاتها المبطنة تجاهي، وما ستفعله بي بعد أن تكُتب فعلاً، وتتحول إلى كتاب حي، ذي شخصية اعتبارية.

في رواياتك تعبر كثيراً عن (جوانية) الشاب السعودي المقموع، وكشف الحقائق، وتعرية الواقع، واستحضر هنا مقولة سعدالله ونوس: (عندما نقدم عرضاً ينبغي أن نشحن لا أن نّفرغ..)، معظم الروايات العربية تفّرغ احباطات الشباب، هل هذا (التفريغ) يفرغ فعل التحريض الروائي، أم هو فعل هامشي غير مقصود في العمل الفني بشكل عام؟

لا أعتقد أن الشاب السعودي مقموع، حسب المفهوم الاجتماعي للقمع. الشاب السعودي، كأي شاب في العالم، يبحث عن سعادته وفق الحراك الاجتماعي الذي وجد فيه، والحدود التي تضعها أمامه أعراف المجتمع الأخلاقية. عنده مشاكله، وهمومه، ومساربه اليومية التي يخلق من خلالها أبجديته الروحية، والشخصية، والمادية. وشخصياً، لا أنظر للرواية بصفتها (مفرغة للاحباط)، لأنها كجهد ثقافي، لا تخرج أصلاً إلا متفائلة بقدرتها على طرق أبواب العالم. قد يكون الإحباط محفزاً هنا، ودافعاً لخلق الحلول، وليس مجرد طاقة سلبية تبحث عن مخرج ورقيّ.

حين ينتهي الأديب من كتابته التي تصبح فيما بعد ملكاً لتداعيات وأفكار وأراء الآخرين. ما الذي يهتم به، ويعنيه فيما بعد؟ وكيف يمكن أن نخلق قارئاً ناقداً من وجه نظرك؟

أهتم بمراقبة كيف تفاعلت كتابتي مع العالم، وماذا أنتج هذا التفاعل. الكتابة كلها مجرد محاولة، والمحاولات جزء من التجربة ا لحياتية الكبيرة.
أعتقد أن فعل القراءة بحد ذاته، هو فعل نقديّ، بدرجات متفاوتة من العمق. اختيار العمل لقراءته هو اختيار لا يخلو من عامل نقديّ، وإكمال قراءته هو أيضاً فعلٌ نقدي يعكس رأياً قابلاً للقياس. ربما كان سؤالك: كيف نحوّل القارئ إلى ناقد مؤثر، معبّر عن رؤيته النقدية بحرية؟ شخصياً، أعتقد أن كل قارئ يحمل استعداده ورأيه الشخصي في التحول إلى ناقد. بالتأكيد أن استفزاز القارئ نقدياً، وإدخاله قسراً في الجدل والشكوك والأسئلة التي تتكون منها الرواية هو مما يرغبه الكاتب، ويسعى إليه بدرجات مختلفة من الطموح. ولكن الأمر في النهاية منوط بمدى تفاعل القارئ مع العمل المقدم له.

تعرضت روايات علوان ورواية رجاء الصانع للكثير من الانتقاد ووضع الخطوط الحمراء تحت إمكانية نشرها داخل السعودية، برأيك ما هو السبب وراء هذه المحاربة؟ هل يكمن في نوع المادة المعروضة أم يعتمد على النقد الخليجي؟ وهل تراه مجتمع لم يبلغ النقد فيه رشده حتى الآن؟

كل هذه الروايات موجودة الآن في السعودية، وتباع علناً في المكتبات، ونقاط التوزيع. وهي لم تحارب، بمعنى المحاربة، ولكنها خضعت لموجات متساوية من القبول والرفض، وهي ردود فعل طبيعية لأي عمل جدليّ يظهر على المشهد ويثير الانتباه. من طبائع المجتمعات أن تسارع إلى تصنيف المستجدات حسب معايير معدة مسبقاً، وتدريجياً يعيد المجتمع عملية التصنيف هذه مرات عديدة، حتى يتموضع العمل في المنطقة التي يستحقها حسب أثر وتأثيره. لا يوجد برأيي نقطة معينة لرشد المجتمع النقدي، لأن القضية نسبية في النهاية. ومحاربة عمل ما هي فعلٌ اجتماعي ونقدي موجود في كل مكان. ولعلنا نتذكر ما تعرضت له رواية (شفرة دافنشي) من انتقادات شديدة في المجتمعات التي يفترض أن النقد فيها أريحي وراشد.

يقول الأستاذ غازي القصيبي عن رواية بنات الرياض (هذا عمل يستحق أن يقرأ)، وتقول الكاتبة هداية درويش (بنات الرياض ليست رواية بل هي سمك لبن تمر هندي) ماذا يقول علوان عن رواية بنات الرياض؟ وهل يمكن إدراجها تحت مسمى رواية رغم افتقارها إلى عمود اللغة الأدبية؟

أعتقد أنها رواية مهمة جداً، وربما كانت الأهم في هذه المرحلة إذا أخذنا في الاعتبار تأثيرها الاجتماعي الضخم. واختلاف الناس حولها مؤداه اختلاف معايير كل منهم في تقييم العمل الثقافي. وأنا أعتقد أن بنات الرياض كانت عملاً ثقافياً، وهو مفهوم أوسع بكثير من العمل الأدبي، وبالتالي يجب أن يُنقد على هذا الأساس. لأن محاكمة العمل الثقافي على أنه عمل أدبي يشبه أن ننقد بلداً كاملاً استناداً على معيار وحيد، كحالة الطقس مثلاً.

لماذا الروايات التي صدرت مؤخراً لسعوديين أو سعوديات نُشرت عن طريق دور نشر خارج السعودية وهناك ما منع منها وهناك ما أجيز بعد مداولات من قبل وزارة الاعلام؟

هناك عدة أسباب وراء ذلك، أولها أن (فسح النشر) في السعودية أكثر صعوبة من (فسح التوزيع)، لأن اجراءات الأول أكثر تعقيداً، وبيروقراطية، وصدوره يحتمل تعقيدات اجتماعية، وقانونية، مما يجعل الجهات الحكومية المسؤولة عن إصداره تمتنع عن ذلك تجنباً لاستفزاز الروح المحافظة في المجتمع، وتحمُّل تأويلات ذلك فيما بعد. أما (فسح التوزيع) فأسهل من ذلك بكثير، وتستطيع الجهات الإعلامية الحكومية تبريره بشكل عادي. وثانيها أن دور النشر السعودية غير مستعدة، فنياً وتسويقياً، لإنتاج الروايات والأعمال الأدبية بشكل تنافسي مربح، وذلك لأن كفة الخبرة الطويلة ترجح لصالح دور النشر العربية في لبنان ومصر، والتي تمرست في مثل هذا المجال، وابتكرت قنواتها وحلولها، وصنعت قاعدتها من القراء منذ عقود طويلة.

صوفيا وطوق الطهارة لم يصاحبهما انتقادات شاملة لك وللروايات نفسها مثلما حدث في سقف الكفاية؟ هل تغيرت أم تغير النقاد والصحافة؟

سبق أن طرح عليّ هذا السؤال من قبل في حوار سابق، وإجاباتي كانت: أن ثلثي الموضوعات الصحفية التي تناولت (سقف الكفاية) كانت تدور حول الأثر الاجتماعي للرواية أولاً، باعتبارها قصة حب في الرياض، وحول عمري أثناء كتابتها ثانياً، إذ كنتُ على أعتاب الثالثة والعشرين. بينما الثلث الأخير من النقد كان فنياً. والثلثان الأولان لا يمكن تكرارهما بطبيعة الحال مع صوفيا، لأن أحداث صوفيا كانت في بيروت، وبالتالي لا يوجد جدل اجتماعي كذلك الذي تحدثه سقف الكفاية في الرياض، ولأنهم لا يمكنهم إعادة ما كتبوه عن عمري أثناء كتابة صوفيا لأنها روايتي الثانية، وبالتالي تم تناول صوفيا بالشكل الثالث المتبقي من أشكال النقد، النقد الفني، وهذا هو المطلوب، ولكنه في المقابل خفف من الاستهلاك الصحفي، ما أدى ببعض المتلقين إلى استقراء الموضوع برمته من زاوية خاطئة تماماً، واعتقدوا أن صوفيا لم تحقق ما حققته سقف الكفاية، ثم انجرفوا في أنساق وأحكام جاهزة ومكررة من نوع: الرواية الواحدة، وكيف أن الضوء الإعلامي يحرق الكاتب، الخ.
أما طوق الطهارة، فما زالت حديثة الصدور، إذ صدرت في شهر أغسطس 2007.

هناك من يرى أن علوان هو من خطط ورتب لظهور رواية بنات الرياض كون الدكتور القصيبي قدمها والرواية بها إثارة غير مألوفة في المجتمع السعودي مثلما حدث في سقف الكفاية؟ ما رأيك؟

هذه رؤية خاطئة تماماً، ولم أسمع بها من قبل. في الحقيقة أنا ليس لي أي علاقة برواية (بنات الرياض)، ولم ألعب أي دور في نشرها، وقد فوجئتُ بصدورها مثل الجميع، واشتريتها لأقرأها مثل أي قارئ آخر.

(رواية بنات الرياض للروائية الشابة رجاء الصانع يذكرنا نجاحها وتميزها وإثارتها برواية سقف الكفاية للروائي الشاب محمد حسن علوان..) ”سعيد الدحية الزهراني- الجزيرة الثقافية“.
ما التشابه أو القاسم المشترك بين سقف الكفاية وبنات الرياض؟

الضجة الصحفية التي واكبت صدور العملين، مع رجوح كفة (بنات الرياض) إعلامياً كما هو واضح، وتجاوزها للمشهد الأدبي، إلى المشهد الاجتماعي، والآيديولوجي.

محمد حسن علوان يكتب مقالات تتناول قضايا المجتمع؟ ما الأسلوب المتبع في مقالاتك؟ وما أكثر قضية اجتماعية تستحق أن تتسع دائرة إلقاء الضوء عليها؟

لا يوجد أسلوب محدد، فالمقالات تتطلب شروطاً فكرية وإعلامية، أكثر من الشروط الأدبية والفنية. غالباً ما أحرص على تغييب (الأنا) في مقالي حتى لا يبدو مقالي مشوهاً بالذاتية، وهو ما نصحتني به زوجتي، التي هي أول من يقرأ مقالي فور انتهائي منه، وقبل أن أبعثه إلى الجريدة. وغالباً، لا أحب الكتابة في الموضوعات التي أشبعت من قبل كتاب آخرين، إلا إذا اعتقدتُ أني أضيف (إلى) القضية، ولا أضيف (عليها). وأميل إلى الموضوعات الفكرية، والثقافية، والاجتماعية، والمعرفية العامة، وأحاول أن أتجنب ظهور مقالي حاملاً شعاراً آيديولوجياً ما.

هل فعلاً تميل اللغة التي ينهجها علوان في كتاباته إلى اللغة الشعرية؟ وأيهما ينال الحظ الأوفر منك كتابة الرواية أم كتابة الشعر؟

كتابتي تعتمد على ما قاله الناقد محمد العباس يوماً ما، وهو التعمق في استخدام اللغة كمكون بنيوي، وليس مجرد أداة قولية. اللغة عندي تحمل أهمية كبرى، سواء كانت شعرية، أو غيرها.
أنا أنشغل بالرواية أكثر بكثير من الشعر.

(القارئ اللبناني وارفٌ، وواع، وذو ذائقة خصبة صنعها التاريخ والحرية والوجع أيضاً، وأعرف ككاتب من خلال تجربتي أن تواصلي مع القارئ اللبناني كان دائماً فاعل التأثير، ومحفزاً للاستمرار، ومثيراً للتساؤلات والصيغ البنّاءة من النقاش – محمد حسن علوان) هل كان هناك ثمة تواصل علوان مع القارئ السعودي خلال تجاربه ؟

طبعاً. ورغم أني لا أملك إحصائيات دقيقة، إلا أنه من الواضح أن القارئ السعودي هو الغالب من قرائي، وأتواصل معه بكل ما يمكن أن تتيحه لي التكنولوجيا والوقت من وسائل اتصال مريحة للطرفين.

بعد سنوات من تواجد (سقف الكفاية) على الساحة الثقافية وما صاحبها من ملاحقات وانتقادات ورقابة نشر، هل ساهمت هذه الفترة في تغير ملامح محمد حسن علوان وإلى أي مدى كان هذا التغير؟

مرّ على صدور الرواية أكثر من خمس سنوات حتى الآن، وأصدرت بعدها روايتين. أعتقد أن هذا زمنٌ مليء بالتغيرات، والتجارب، والاحتكاك مع القارئ المختلف. كان جهدي أن تصب كل المتغيرات في تجربتي بشكل تراكمي، وأن أتعلم ميكانيكية العلاقة بين القارئ والعمل بشكل أدق. وهذا مشروع مستمر طبعاً، ولا يمكن أن ينتهي أبداً.

انتشرت مؤخراً نصوص على الشبكة العنكبوتية واتهمت بخرق التابو برأيك هل هو أسلوب لنجاح النصوص؟ وهل اتهم علوان باختراقه للتابو حتى يجذب القارئ؟

خرق التابو يؤدي إلى النجاح التوزيعي طبعاً، ولكن لأن الأوراق ما زالت مختلطة في مجتمعاتنا العربية، فإن المتلقي يعتقد أن أرقام التوزيع تعكس نجاحاً أدبياً وثقافياً، بينما هي في الحقيقة، تعكس نجاحاً تجارياً. التابو جزء من المكون الاجتماعي لكل مجتمع، ومناقشته، ومساءلته، وخرقه إذا استدعى الأمر هو فعلٌ كتابيّ مشروع. أنا مع جميع المحاولات الكتابية، في النهاية، فإن وعي القارئ سيحتفظ بالعمل الجيد، وسيذهب الزبد جفاءً مع أرباحه المؤقتة.

بالنسبة لي، تعرضت لانتقادات كثيرة، لا يمكن أن أسميها اتهامات، فالقارئ، بما أنه أنفق عدة ساعات من وقته لقراءة العمل، فمن حقه التعبير عن رأيه فيه بما يريح ذائقته. سمعتُ الكثير، وكل ما أسمعه يسهم في بناء وعي أعمق بطبيعة التفاعل بين القارئ والعمل.