arrow-leftarrow-rightaskfmemailfacebookgoodreadsinstagramtwitter
العودة إلى المقالات الإعلامية

الروائي محمد حسن علوان لليوم:

لم أكتب ”صوفيا“ بهدف (لزق) الشخصية في ذهن المتلقي

لم تعد الرواية محاولة ورقية لإقناع القارئ بمنطقيتها

صحيفة اليوم السعودية

حوار/ طامي محمد

بين هاجس تجاوز رواية ”سقف الكفاية“ وإثبات حضوره الروائي في المشهد الإبداعي كتب الروائي محمد حسن علوان روايته ”صوفيا“. والتي تمثل إضافة للمنجز السردي المحلي. وهي الرواية التي انحازت إلى البعد الفنتازي والرؤى الفلسفية حيث البطلة التي تصنع المباهج العاطفية والروحية لذاتها وهي ترقب الموت. وهي الشخصية الروائية التي وُجدت لتمرير التساؤلات والقضايا والفلسفات. حيث ينحاز المؤلف إلى الاتكاء على كينونة المعرفية لبناء الرواية.

وحتى نقترب من الرؤى السردية ونتعرف على خصوصية عوالم رواية (صوفيا) كان لـ(اليوم) هذا الحوار مع الروائي محمد حسن علوان.

بهجة الإصدار الأول

عندما صدرت روايتك الأولى (سقف الكفاية) كنت هنا، وكنت تلمس مباهج الإصدار الأول، وردود الفعل في الساحة الثقافية المحلية، الآن وأنت في غربتك كيف تجد ردة الفعل حول (صوفيا)؟

تلمُّس ردود الأفعال في الوطن أو الغربة يتم بنفس الطريقة، لأنها تتوارد بوسائل الاتصال ذاتها، النشاط الثقافي الحضوري في السعودية ما زال أقل تفعيلاً من أن يمكِّنني من ملاحظة الفرق بين صدور عملي أثناء وجودي في الوطن أو خارجه. ثم إن ما بعد الإصدار الأول لم تكن بالضرورة كلها (مباهج) كما جاء في سؤالك!

تسويق الرواية

برغم الفترة الزمنية القصيرة نسبياً لصدور الرواية إلا أنك تقول هناك دراسات للرواية، هل هذا يعني أن محمد حسن علوان يجيد تسويق نتاجه الروائي على الناقد المحلي كما في سقف الكفاية والآن الناقد العربي في رواية (صوفيا)؟ هذا أخذنا في الاعتبار أن هناك روايات محلية أخرى لم نجد لها صدى نقديا برغم مضي فترة طويلة على صدورها؟

يمكنني أن أستوعب بسهولة مفهوم التسويق لكتاب أكاديمي، أو متخصص، غير أني لا أعرف تحديداً ما معطيات وظروف (التسويق) لرواية، أو عمل أدبي، يعتمد في أسسه على الذائقة التي لا يمكن تزويرها لدى القارئ!، وعند صدور سقف الكفاية، كنتُ أتعامل معها كبطاقة هوية أقدمها للناقد، والصحفي، والقارئ على حد سواء، وسواءً قمتُ، جدلاً، بتسويق الرواية بأي طريقة يفترضها أصحاب هذه النظرية، أو لم أقم، لا أعتقد أن الرواية ستنال حظاً إلا بما فيها، وليس ما حولها!

لا نغفل أن للناشر دورا أكبر دائماً في إيصال الكتاب إلى النقاد المتخصصين في استعراض الكتب، وقراءتها نقدياً في الصحف والدوريات، ولا أريد أن أدخل هنا في متاهة: لماذا هذا الكتاب وجد صدى نقدياً أو لا، ثمة عوامل كثيرة تحكم هذا الموضوع، وهو من الأمور التي تحدث حتى على نطاق الكتب الغربية.

الموت في رواية صوفيا

كان الحب هو تيمة سقف الكفاية، وكان الموت هو تيمة رواية صوفيا، هذه المفارقة بين الحب والموت، كيف وجدتها كحالة كتابة، ولماذا كان الموت تحديداً في رواية صوفيا؟

وجدتها منشوريّة الرؤية، ومحرّضة على الفلسفة، وفكرة شديدة التملص لفرط إشعاعها المتواجد في كل زاوية حياتيّة محيطة بنا، وأصعب من أن تقبضها في وعاء واحد، الحب والموت شكّلا ما يشبه التواطؤ الشعوري الدرامي الذي يقود السرد، وجدلياته، إلى ما ليس نتيجة بالضرورة، ولا حلاً للإشكالية غير المطروحة بوضوح أساساً.

لا أستطيع أن أجيبك، ولا أن أعرف أنا تحديداً لماذا يجب أن نختار شأناً ما كتيمة لعمل روائي، ولا أعرف أنا ما التراتب الدرامي الذي نختار على أساسه التيمات. في رأيي أن المعالجة، والجهد السردي، أكثر أولويةً من الاختيار، مجرد الاختيار، لتيمات العمل، وأفكاره المحورية. أحياناً، ثمة حالة أثناء الكتابة تجعل عملية توليد الأفكار والتيمات عملية موازية ومواكبة لعملية معالجة الدراما نفسها.

الرواية ليست فيلماً

كانت الرؤى الفلسفية والتي كانت على لسان أبطال الرواية هي محور العمل، وهما شخصيات لا تحمل هماً ثقافياً أو أفقاً معرفياً ومعها يشعر القارئ أن هناك فجوة بين ما يقولون وبين واقعهم الروائي؟

الرواية ليست فيلماً سينمائياً بالضرورة، وبالتالي ليس علينا أن نرسم شخصياتها بشكل فيزيائي بحت كما هي الأفلام، وإن كان هذا شائعاً في روايات أخرى، أغلبها كلاسيكي الطابع، ولكن بإمكانك أيضاً أن تتفقد روايات أخرى مرتكزة على رؤى غرائبية منفصمة عن الحالة الإنسانية لشخصياتها تماماً، وأنا ما زلت أقرب لشكليات النوع الأول، وإن كنت غير ملتزم بحذافير شكلياته تلك، لم تعد الرواية برأيي مجرد محاولة ورقية من الروائي لإقناع قارئ بمنطقية روايته، بقدر ما هي سعي لإيجاد مقاربة ذهنية/فنية تتيح لهما التواصل الرؤيوي، وتأسيس قاعدة لتمرير التساؤلات والقضايا والفلسفات بخصب، ومرونة.

القارئ الذي يحاكم الأحداث حسب مدى احتمالية حدوثها، والشخوص حسب مدى احتمالية وجودهم، هو قارئ يبتعد نسبياً عن الفضاء الروائي الحقيقي، والنوايا الروائية التي تحفُّ بالعمل. إن هذا أجدر بالأعمال الوثائقية مثلاً، وأنا ألمس أن العديد من الأعمال الروائية الحديثة بدأت تتطلب مسبقاً نوعاً من التفاهم والاتفاق الخلفي بين الكاتب وقارئه، إن الرواية محض وعاء لرؤى متجددة، علينا بالتأكيد أن نختار وعاءً مناسباً، ولكن ليس أن نلتفت للوعاء على حساب الرؤية. وبالطبع، كل ما ذكرته هنا يعتمد معايير نسبية.

منطقية السرد

”امرأة تعيش اللحظات الأخيرة، ومنهكة بمرضها العضال ترغب أن تعيش اللذة ولا تكتفي بذلك بل هي قادرة على أن تتماسك وأن تقول عن لذتها بمزاج معتدل“. أجدك في هذه اللقطة الروائية صادرت منطقية السرد لتكتب لحظة فنتازية فقط؟

إجابة السؤال السابق يمكن إضافتها هنا، لتبرير هذا المصادرة لمنطقية السرد حسب تعبيرك. وأضيفُ: أن الفانتازيا أيضاً عنصر روائي متطلّب، وله حقوق سردية لا يمكن الانتصار للمنطقية على حسابها. الأمر لا يعدو كونه قسمةً مسبقة في نية الكاتب لتوزيع الأدوار بينهما حسب ما تقتضيه ظروف العمل، والفكرة التي يتعاطاها، والأداة المناسبة لحمل هذه الفكرة محمل الفهم، والنقل، والاتصال بذهنية أخرى هي ذهنية القارئ، أشمل في إكمال دورة نبضها.

الفنتازيا

أتفهم تطلب الفنتازيا كعنصر روائي، ولكن الاتكاء على الفنتازية يجب أن يشمل كل محاور العمل السردي، حتى لا يشعر المتلقي بأن هذا العنصر عنصر غريب في الرواية؟

لا أتفق معك هنا، قد أرمي الواقعية والفانتازية معاً على رقعة السرد، ولا حرج.

الراوي – الكاتب

الرؤى والمقولات وأيضاً في بعض لقطات الحوار في الرواية، وجدت من يتحدث هو محمد حسن علوان، لم تغيب ذاتك كثيراً في لحظة السرد؟

ما كنت لتجد من يتحدث هو محمد حسن علوان، لو لم تكن تعرفه مسبقاً، وتبحث عنه، (عمداً ربما)، داخل رواياته. لا أدعوك هنا إلى نظرية موت المؤلف، ولا يمكنك أن أفرض عليك كقارئ نظرية نقدية معينة لأطلب منك أن تحاكمني بها فقط دون غيرها، بل أحيل إلى اعتبار المؤلف كائناً من حقه التحليق فوق سماء النص بشكل هلامي، مائي، شفاف، وغير مؤثر بشكل مباشر، كائن بإمكانه أن يلمس صفحة الرواية بإصبعه أحياناً محدثاً دوائر مثل دوائر البحيرة، تختفي سريعاً، وتُلاحظ نادراً. لا يمكن أن يتحول المؤلف إلا آلة إنتاج روائي وفق معايير معينة فقط، ولا يمكن بطبيعة الحال أن تتوافر له دائماً الدراما الحياتية التي تجعل حضوره في رواياته أكثف من حد معين.

التفتيش عن المؤلف

عن حضور ذات المؤلف في الرواية هي ليست مشكلتك يا محمد، بل هي موجودة لدى أغلب الروائيين المحليين. كيف ترى هذه الإشكالية، ولا أعتقد أن القارئ المحلي بذلك الهوس البوليسي الذي يجعله يفتش عن المؤلف أثناء قراءته للعمل السردي؟

هي ليست إشكالية أولاً، لذلك ليس لي رؤية محددة لها، ربما إذا حضرت ذات المؤلف بشكل أبوي، واعظ تصبح غير مقبولة لدى شريحة من القراء، وتظل معتبرة ومقبولة لدى شريحة أخرى قد تكون أكبر، وثانياً، أنت لا تعتقد أن القارئ المحلي يفتش عن المؤلف، بينما أنا أعتقد ذلك، وقد لمستُ هذا شخصياً بعد سقف الكفاية، حتى أني اضطررتُ أن أكتب مقالاً مطولاً مرة لأوضح للقارئ بنقاط إثباتية كيف أن سقف الكفاية بعيدة من أن تكون سيرة عاطفية لي. وعلى كل الأحوال، هي نظرة نسبية، وليست معممة بالطبع.

الشعرية وفنيات الرواية

في حوارات سابقة وكتنظير كنت ترى أن جمالية اللغة تتفرد بها الرواية العربية مما يصرف القارئ عن فنيات الرواية، ومع هذا كتبت صوفيا باللغة الشعرية التي تجيدها تماماً، كيف تبرر هذا التباين ما بين رؤيتك للكتابة السردية وما بين ما كتبته في صوفيا؟

قلتُ تحديداً ما ملخصه: ”إن اللغة العربية بجماليتها المفرطة دوّختنا إلى الحد الذي محورتنا فيه حولها فقط، ولم تتح المجال لبناء رواية ما تستند على كينونات معرفية أخرى متاحة، روايتنا لا يكتبها إلا أديب، وروايات الغرب يكتبها كل من يمتلك هذه الكينونة المعرفية التي تكفي لتغذية عمل روائي“، ومن كلامي هذا يتضح أني اشترطتُ تواجد هذه الكينونة المعرفية ضمن معارفي أصلاً، وأنا لا أدعي ذلك، لقد بدأتُ أديباً، واللغة أداة تعوّدتُ عليها، وحالما تتهيّأ لي كينونة معرفية أخرى يمكن أن أتكئ عليها تماماً لبناء نص روائي فسأكتبه إن استطعت، ولا يعني هذا أني سأتخلى عن اللغة فيه.

الحوار باهت؟

برغم خصوبة اللغة السردية كتدفق شعري، إلا أننا نلمس انحدارا شديدا على مستوى الحوار، الحوار في صوفيا يبدو باهتا جداً؟

الحوار أداة سردية، أستخدمها عندما أرى (حسب رأيي الشخصي) أنها مناسبة، وضرورة. أن يكون الحوار قليلاً، أفضل من أن يكون زائداً، وأن يتم تنحيته تماماً أو تخفيفه إلى الحد الأدنى ليس بالضرورة نقصاً، وربما كان ذلك، حسب مجريات الرواية ومنعطفاتها.

التعاطف مع صوفيا

كقارئ، وبرغم حالة صوفيا المرضية لم أتعاطف معها كثيراً، أعني لم تعذبني كثيراً، حالة اللاتعاطف مع صوفيا عندما تجدها لدى متلقي العمل هل تزعجك كروائي؟، وبماذا تفسر حضور هذه الحالة؟ وهل كان خلق حالة التعاطف مع صوفيا، وتعذيب القارئ بها، هدفين روائيين بالضرورة حتى أنزعج من عدم تحققهما؟

لم يكونا كذلك حتماً، وعلى وجه العموم، لستُ أنتظر غالباً ردة فعل ثابتة محددة من القارئ، ولستُ أكتب العمل على ضوء أن يحقق انعكاساً ما أكونُ قد اشتغلت على تصميم زاويته مسبقاً، بل الأقرب لي أن أطرح العمل بخامته الأصلية أحياناً، أو لنقل بأنصاف الأسئلة التي تبحث عن أنصافها الأخرى لدى القارئ، وتكتمل بها عند القراءة، لتُخلق أسئلة مهجنة، ومختلفة عند كل قارئ، لا تتشابه مع قارئ آخر.

كمتلق عندما أفقد التعاطف مع صوفيا، هذا يعني أن الشخصية لن تبقى في الذاكرة، هذا يقودنا إلى قضية رسم الشخصية الروائية في الرواية المحلية، وكيف تصبح يقينا لدى المتلقي.

ولماذا الشخصية فقط، من بين عناصر الرواية الأخرى، هي التي يجب أن تبقى في الذاكرة؟، ولماذا تعتقد أن أكتب بهدف (لزق) الشخصية في ذهن المتلقي، وليس الفلسفة/الفكرة/الأسئلة؟

المتلقي ليس شريكاً!

هل تريد من المتلقي أن يصبح شريكاً في العمل السردي، في رواية (صوفيا)؟، لا تتحقق للمتلقي هذه الرغبة. لأني أرى شخصيات الرواية مارست الإقصاء لأي عنصر آخر. فضاء الرواية لا يسمح بخلق اللعبة الفاتنة بين المتلقي والنص.

قل إني حاولت أن أجعل المتلقي شريكاً في العمل، ولك أن تقول أني أخفقت معك أنت بالتحديد، وربما تكون العملية أثمرت لدى قارئ آخر، من شريحة أخرى.