arrow-leftarrow-rightaskfmemailfacebookgoodreadsinstagramtwitter
العودة إلى المقالات الإعلامية

في روايته (صوفيا) يبحث عن اليوميات المعتمة

لماذا لا يكتب رواياتنا إلا الأدباء؟

صحيفة السفير اللبنانية

حوار/ عناية جابر

بعد ”سقف الكفاية“ صدر للروائي السعودي محمد حسن علوان ”صوفيا“ رواية ثانية عن ”دار الساقي“ تدور عن علاقة غريبة يصعب توصيفها بين رجل وامرأة يعرفان جيداً حدّ الموت الفاصل لعلاقتهما، ويذهبان إليه في عبث معرفته، من دون رهانات تذكر. لغة شاعرية تخدم دواخل إنسانية في انكساراتها وصمتها وصراخها. حول روايته وأسئلة الموت والحب. هذا الحوار:

إلى أيَّ مدى لعب خيال الكاتب في ”صوفيا“، وهل يتجاور الحب والموت؟

لأفترض أن الخيال أفقٌ دائري، حده الأقصى يعود به إلى نقطة الواقع الأقرب، أو لأقل أن أعمق نقطة في خيال الألم عادت بي إلى سطح الواقع القلق، بترابه، وخشونته، وتوتره. صوفيا استظهرت مرةً أخرى ما تستبطنه الأحوال العادية من الوجع، والحنق، والإثم، وألعاب القدر، إنَّ ظروفاً كهذه، تمرُّ بنا في الشؤون اليومية، لا تلتقطها آذان الواقع المليئة بصخب اليوميّ من الخبز والرَّهَق، لا بد من مغامر خياليّ لا يخشى شيئاً على كيانه الهلامي أصلاً لينقّب عن كل هذه التفاصيل السوداء المختبئة قي طيّات الناس والأيام.

الحب والموت محوران اعتُسفا ليتجاورا في هذه الرواية، ولكنهما، أعني الموت والحب، اتفقا على علاقةٍ شائكة في النهاية، يضفران حولهما الأبطال، ليربطوا شكليهما الدراميين ببعض، وتجعلهما هذه العلاقة كقضيتين متآمرتين على نزيف واحد، أو بالأحرى، قدمين تمشيان بِكِيانٍ من الملل والتوتر إلى مصير محتمل وصادم في آن واحد. أعتقد أن الموت والحب تجاورا كثيراً في الحياة والكتابة، صوفيا صورة واحدة من هذا الألبوم العريق المتفرع، وعليه كرّستُ الزاوية الأوسع من الجدل السردي ذاك.

مزاجك الخاص، الثقيل والمتوتر، كان بطلاً أساسياً في الرواية. هذا النوع من المزاج الأجنبي إلى حدَّ يذكرني بكتاب أجانب إلى أيَّ حد يتلاءم مع القص العربي؟

لستُ أرغب في أن يتداخل مزاجي الخاص مع نسيج أي رواية أكتبها، مثل هذا التداخل قد ينزع بالعمل بعيداً عن الحياد الذي تفترضه قضيته الفنية، هذه مسؤولية وممارسة كتابية، وللقارئ أن يفترض حسب مدركاته من النص مدى انفعال النص بكاتبه، أو انفعال الكاتب بنصه. سألتقي معك في نقطة الكتابة الأجنبية التي غالباً ما تستهويها الفكرة، والعربية التي تستهويها العاطفة، وأنا بريء من التعميم غير المنهجي هنا، وأتحدث عن رؤية فردية للكتابة الأجنبية التي تقصدين في سؤالك، وأقول إني ربما كنتُ أحاول أن ألاقح بين المنهجين بشكل غير مقصود نظير قراءتي المتبادلة بينهما، ولم أجهز لذلك من قبل، إني أحاول أن أجد تبريراً لرؤيتك التي وردت في سؤالكِ كقارئة للرواية، وأبحث عن أسباب توفر هذه الملامح الأجنبية التي التقطَتها قراءتك، وأبحث عن جذورها أثناء كتابتي للرواية.

لم يتسنَّ لنا إصدارك الأول ”سقف الكفاية“. هل من علائق وخطوط تواصل بينه وبين ”صوفيا“؟

ليس من علاقة بينهما إلا المرحليَّة الفنية التي تفترضها كتابة روايتين متعاقبتين على مدى ثلاث سنوات، وقصد الاختلاف والتفرع الناتجين عن إيماني بأن كل كتابة هي محض محاولة بريئة مما قبلها، وما بعدها، من المحاولات، وهذه الأخيرة معقدة على الكاتب، كما هي أكثر تعقيداً لدى القارئ.

لغتك في الرواية، حضنت الأحداث وبلورتها. هل تعمَّدتَ هذه اللغة الناجحة في التماهي مع مناخ الرواية؟

اللغة تحضر في ثنايا العمل حسب طقوس السرد الموجودة فيه، عندما يكون العمل تراجيدياً أجدني نزّاعاً لتبليله باللغة الكافية لمواكبته إلى القارئ، مثلما أن بعض النصوص تتطلب ترتيلاً عند إطلاقها، كذلك التوغل الشاعري، النفسي، والوجداني في النص يتطلب لغةً تحفّه من جانبيه، وأيضاً مثلما أن النصوص الحَدَثية المزدحمة بالتفاصيل والزخم الفكري تتطلب لغة تحليلية، موجّهة، ودقيقة في صياغة الإيحاء المباشر الذي يراد إيصاله إلى القارئ. هذه ليست قاعدة نقدية حتماً، ولكنها سلوك مرحلي يخص كتابتي المتمثلة في هاتين التجربتين المنشورتين، وكتابات أخرى ما زالت في طور الإعداد.

هل لأسفارك الكثيرة، علاقة بانفتاح الرواية على حداثية واضحة؟

لنلاحظ أن الأسفار تجيء في اللغة العربية أيضاً بمعنى: الكتب، ومع اختلاف الحركات ثَمَّ ارتباط لفظي فلسفي بين السفر والكتابة، وهي حقيقة أؤمن بها أنا وحدي على الأقل في حال نفاها آخرون، كل سفر إلى مكان ما هو حشدٌ من الكتب المرئية نقرأها في كل التفاصيل الدقيقة التي تتركب منها البلدان، وبالنسبة لي أجد في السفر دائماً محبرة كبيرة لا تنتهي، وأحاديث مزدحمة تستحق أن تصاغ، وتكتب، ويعاد إطلاقها للعالم بصيغة مكتوبة ومنتظمة.

لستُ بالضرورة قادراً على الربط بين الحداثة والسفر، الثقافة تنتقل أثيرياً أحياناً دون حاجة لذلك الاحتكاك الاجتماعي الذي يكونه السفر، ولكني سأضع السفر هنا في خانة الحافز المعاد تدويره دائماً في مصلحة التغيير، والفهم، واستقبال الآخر، وتجديد خلايا الثقافة، في مقابل الركود، والتشنج، والاحتقان الثقافي، وعدم القدرة على تبرير المختلف.

هل تقدم نفسك إلى القارئ اللبناني، قراءاتك وتأثراتك ورأيك بما وصلته الرواية العربية وبالروائيين العرب؟

القارئ اللبناني وارفٌ، وواع، وذو ذائقة خصبة صنعها التاريخ والحرية والوجع أيضاً، وأعرف ككاتب من خلال تجربتي أن تواصلي مع القارئ اللبناني كان دائماً فاعل التأثير، ومحفزاً للاستمرار، ومثيراً للتساؤلات والصيغ البنّاءة من النقاش، والجدل. لا أريد أن تبدو إجابتي كمديحٍ دبلوماسي مفترض لمتطلبات إعلامية، لبنان كان مكوناً كبيراً من المكونات البنائية لثقافتي في الأصل، وعلى محاور عدة من الفن والثقافة والفلسفة والجمال، وقد تواصلتُ مع العطاء اللبناني كمتلقي طويلاً وما زلت، والآن، من خلال كتابتي أعيد التواصل مع لبنان ككاتب، وهذه حلقة ودورة ثقافية أتمنى لو أكون أهلاً لإكمالها بنجاح.

رأيي في الرواية العربية جريح وبسيط، ولكني سبق وكتبته من قبل في مقال نشر إلكترونياً، رغم أني غير مؤهل نقدياً بعد للإحاطة بالنتاج الروائي العربي العام، وقياسه، والتنظير له، ولكني فعلت من زاوية مقارنته بالكينونات الثقافية المتعددة التي تتكئ عليها الرواية الأجنبية في مقابل الكينونة الأدبية الوحيدة التي تتكئ عليها روايتنا العربية، وكان لب الفكرة حول أن اللغة العربية لا شك دوّختنا بجمالياتها حتى انصرفنا إليها وحدها دون غيرها من كينونات المعرفة المتعددة التي يمكن أن يبنى عليها عمل روائي، بينما نجد الرواية الأجنبية استفادت من كل ما تتيحه المعرفة من فلسفة، وعلوم، وسياسة، وسيكولوجيا لتنتج روايات متنوعة المصادر، والتوجهات، والألوان.