arrow-leftarrow-rightaskfmemailfacebookgoodreadsinstagramtwitter
العودة إلى المقالات الإعلامية

الروائي محمد حسن علوان بعد طوق الطهارة لثقافة اليوم:

لا أكتب عن الحب بهدف التسويق..

وما زال عندي الكثير لأقوله عن الحب

صحيفة الرياض السعودية

حوار/ طامي السميري

في روايته الثالثة طوق الطهارة كرس الروائي الشاب محمد حسن علوان ولعه بالرواية العاطفية. وأعاد تقديم حالة حب مازوشية أخرى لبطل روايته حسان. حب ليس جديدا في أحداثه وظروفه ولكن بما ارتبط به من متغيرات اجتماعية ونفسية. وإن كان الحب يمثل قيمة العمل الرئيسية فإن المكون الأساسي للرواية هو البعد النفسي للبطل الذي استحوذ على النص. وكان صوته طاغيا.ليبوح بأوجاعه وعذاباته. وفي هذا الحوار نرصد انطباع مؤلف الرواية وكيف يفلسف عذابات حسان بطل طوق الطهارة:

بعد سقف الكفاية وصوفيا تأتي طوق الطهارة، الروايات الثلاث كلها تتكئ على ثيمة الحب. وإن كانت صوفيا اقتربت من فلسفة الحب المرتهن بالموت؛ إلا أن طوق الطهارة تحمل ملامح سقف الكفاية في نكهتها العاطفية. هل هي قناعة بأن الحب هو رافعة تسويقية جيدة للعمل، وكذلك تحافظ على قارئك الضمني المولع بالحكاية العاطفية؟

لا، ليست قناعة، لأن التسويق ليس أهم أهدافي. أنا أحب أن أكتب عن الحب، هذا كل شيء. وأجدني أكثر صدقاً عندما أتناول هذه الحالة الشعورية الرفيعة. الكتابة وفق قيمة واحدة ليست خطأ، كما أن التنوع ليست واجباً كتابياً مفروضاً على كل كاتب. بالنسبة لي، إذا لم أكتب حول ما يشغل ضميري وقلبي، أجدني عاجزاً عن الاستمتاع بما أفعله. وحالياً، ما زال عندي الكثير لأقوله عن الحب، وقد لا أنتهي.

أتفق معك بأن الروائي ليس مطالباً بالتنوع. ولكنه مطالب بتقديم ابتكار ومغايرة في ذات الحالة. الكثير يردد أن هناك تناسخ لشكل الحب الذي قدمته في رواياتك. هل تعتقد أنك قدمت رؤية جديدة للحب في طوق الطهارة؟

نعم، كانت رؤية مختلفة عن الحب في الروايتين السابقتين. حسان خلص بعد الحب إلى فلسفات مختلفة عن تلك التي انتهى إليها ناصر في سقف الكفاية، أو معتز في صوفيا. ألم يكن ذلك واضحاً؟ ما أتناوله غالباً هو اختلاف الأبعاد النفسية والاجتماعية لهذا الحب، وليس أحداثه وظروفه.

منزل حسان منزل تبدو عليه الرتابة، والملل، لا يحفل بالأحداث. بينما المزرعة التي كانت تحتضن حسان هي الأكثر احتمالاً لتصبح مسرحاً للأحداث. ولاحظنا أن السرد كان يقترب من رصد المفارقات للشخصيات التي ترتاد المزرعة. لماذا لم ينطلق حسان من المزرعة ليروي حكايته؟

لا أدري، الإجابة هي نفسها لسؤال سابق، أنت كقارئ تشتهي أن يتحرك النص في اتجاه مزاجك القرائي، وأنا ككاتب لا أستطيع دائماً أن أتنبأ بك. أحاول غالباً أن أترك النص يمشي في الاتجاه الذي أرتاح لكتابته بعفوية، فقط.

برغم أن بداية الرواية توسلت بضخ ملامح تشويقية للقارئ. ويكمن التشويق في دوافع غالية وهي تصدر كتاب لكل ما كتبه حسان في الانترنت. لكن الأحداث بعد ذلك تنأى عن مساءلة غالية، وتتجه الى حكايات أخرى لحسان. كانت هناك فرصة لحسان للتوغل في لعبة بوليسية عاطفية وهو يستدل على دوافع غالية. لماذا الأحداث في النص أخذت اتجاهاً آخر؟

أثناء الكتابة، هناك العديد من الفرص لأخذ الرواية إلى اتجاهات لانهائية. أنت تعيّن أحدها الآن، حسب رغبتك القرائية، والنقدية، وأنا عندما أتقمص دور القارئ لأحاكم كتابتي أرى فرصاً أخرى، وأجتهد لاختيار ما أحب كتابته، ومشاركته مع قارئي.

بعد أن انتهيت من قراءة الرواية، تساءلت: ما هي مشكلة حسان؟ هذا الشاب البرجوازي العشريني شعرت بأنه لم يكن صاحب وجع حقيقي، بل هو يتوجع، يتباكى على فقد غالية. أيضاً هو متجاوز نفسياً لما حدث له من تحرشات في طفولته. وهو أيضا ينعم بالدفء العائلي، كذلك حظه مع النساء جيداً. وأسألك ماهي مشكلة حسان؟ أو لنقل ماهو وجع حسان الحقيقي؟

قد يكون افتقاد الوجع الحقيقي وجعاً بحد ذاته، يحرمك من التمتع بحزن أنيق يزيدك نبلاً في عيون الآخرين. لو أعدت محاكمة كل الموجوعين في العالم، لأخرجت الكثير منهم من دائرة الوجع، لأنهم لم يحققوا الشروط المطلوبة في وجع حقيقي! إنها مسألة نسبية إذن. يحزن الغني على جواد خاسر، بقدر ما يحزن الفقير على رغيف مفقود. والشاب المطعون في قرارة قلبه بحبٍ سام، وذلك الذي يحاول جاهداً أن يسمم قلبه ليختبر قدرته على الحب والكتابة، كلاهما مهمومٌ بتحقيق النجاة من الحب، أو الوقوع في الحب. وحتى تحقق هدفك.. أنت في حالة وجع نسبية.مجتمع الرياض البرجوازي كما أسميته أنت، يغصُّ بالكثير من الشباب الذين أفقدهم ترف العيش واستقراره القدرة على مباهاة الآخرين بأوجاع ثمينة، وقصص ذات ألم لا يُنسى. إنه نموذج واقعي، ورغبة إنسانية نشطة في مراحل مختلفة من العمر. قد لا أستطيع تفصيل أبعادها كما يستطيع عالم نفس ما، ولكني أستطيع ملاحظة وجودها في مجتمعي، واختبارها في كتابتي.

الرواية تتكئ على حالة عاطفية مدبرة. ومع هذا نجد أن ”الآكشن العاطفي“ غائب. لم تكن الأحداث تحمل سخونة عالية. لا تحمل تفاصيل تنهك القارئ، تعذّبه. حسان كان يسرد ببرود. لماذا كانت الحالة العاطفية في الرواية تحمل صفة الصقيع؟

ربما لأن كل شيء كان يحدث خارج زمنه. حسّان كان يجتر ماضيه، ويعيد ترتيبه على مهل، ليبحث عن ذاته. من يكون؟ وكيف يجب أن يحب؟ وماذا يريد من العيش؟ وهذا الاجترار ربما أسبغ هذه الحالة (الصقيعية) حسب وصفك لها. في الرواية محاولة للتدبر في مآل الحب بهدوء، وتأمل كيفية حدوثه في الرياض، ولم يكن من مقاصدها حشد الأحداث المثيرة، وإصدار الأصوات العالية.

لاحظت أن الروائيين الشباب لديهم ولع بتقديم الرجل العاشق المعذّب، وتكريس الحب المازوشي، فهناك أنثى قاسية تمارس ساديتها على أؤلئك العشاق، وهذا ما حدث لحسان مع غالية. أنا أفسر الأمر بأن تلك الخيبات تعود لأزمة الجيل الشاب النفسية. ومأزقهم في التآلف مع المتغيرات في الحياة الجديدة. أنت بماذا تفسر طغيان هذا النموذج العاطفي المازوشي؟

أعتقد أن الحب الخائب، واستشعار المرارة، من محرضات الكتابة أصلاً، عكس الحب المثمر، أو السعيد، الذي لا يجد طريقة إلى الانكتاب في عمل روائي، لاستغناء الكاتب عن العائد المعنوي من البوح، والشكوى. برأيي، هي ليست نزعة عامة في الجيل إذن، بقدر ما هي اختلاف في دوافع التعبير العاطفي. القارئ غالباً ما يتعاطف مع الحزن، لا السعادة. ولذلك استثمر الكتاب في أحزانهم أكثر من أفراحهم، مما أدى إلى تشكل رصيد بكائي هائل في التراث، وفي الحاضر، وهذا يسهل تأثر الكتّاب الجدد به، ويندر في المقابل أن تجد من يكتب رواية متفائلة، لغياب الرافد التراثي الذي يجعل الأمر يبدو ممكناً ومقبولاً.

إبراهيم بادي في روايته حب في السعودية بالغ في استعراض فحولة بطله الروائي. وكذلك مظاهر اللاجامي في رواية ”بين علامتي تنصيص“. ولأنها التجربة الأولى قد نجد لهما العذر في تلك المبالغات. ولكن المستغرب أن يتماثل معهما حسان في تلك الفحولة. هذا إذا ما لاحظنا أن تلك الفحولة الروائية لا تنهزم، لا تتعرض لخيبات. لا يداهمها الارتباك في اللقاءات العاطفية. كيف تفسر هذا الأمر؟

للأسف، وبسبب ظروف ابتعاثي للولايات المتحدة الأمريكية منذ سنتين لم يتسن لي الاطلاع على الروايتين المذكورتين، وبالتالي لا أستطيع أن أناقش وجوه التشابه المحتملة. بالنسبة لطوق الطهارة، لم يكن ما يحاول حسان فعله استعراضاً فحولياً، بقدر ما هو معالجة نفسية لقلبه المرتبك. ثم إن حسان كان هو صوت الرواية، وبالتالي ربما كان إمعانه في استعراض خيباته القلبية لم يجعله يجد وظيفة بوحية مناسبة لأن يتكلم عن خيبة جسدية ما، لو افترضنا وجودها في حياته. ظروف طفولته، ثم يفاعه، كانت تحاول دفعه نحو حالة انفصام بين جسده وقلبه، حاول هو نفسه تشجيعها كنوع من التداوي بفلسفة ثائرة كهذه.

في طوق الطهارة اللحظات الحميمية تقدمها في حالتها الحالمة، تلك اللقطة هي أقرب للحالة السينمائية. أتصور أن اللغة الشعرية تراوغك في تدوين لحظة ممتلئة بالحميمية الواقعية التي تمارس فعلياً. تلك اللحظات تحتاج إلى لغة غير مهذبة تصفها. وعندما أقرأ تلك المشاهد في روايتك. أقول هذا لا يحدث في الواقع. أنت كيف تبرر حضور تلك الحالمة؟

ربما كان هذا صحيحاً فعلاً. هناك دائماً معادلة مرتبكة بين اللغة الرائقة، والواقع العاري. والرواية التي أحب أن أكتبها تحتاج إلى كليهما حتماً، ولذلك أعوّل كثيراً على مرونة اللغة، وأحاول تفصيلها على خيال كل قارئ، لعله يلتقطها بالشكل الذي يناسب استعداده لاستقبال الحدث الفجّ. ثمة كتاب أكثر استعداداً، وقدرةً على تمرير الفجاجة بشكل مقبول، وربما أيضاً كان الأمر معتمداً على توقعات القارئ المسبقة عن الكاتب ورواياته.

شخصية سارة تصادفت معها في رواية عودة الأيام الأولى كانت شبيه بشخصية “عروبة” في تلك الرواية. ورغم أن حضور سارة خاطف ومحرض للتوغل الروائي، كانت نموذجاً مغايراً. لكنك فرطت بتعميق حضورها. وكذلك فرطت بتعميق حضور أحمد، الأخ غير الشقيق لحسان. والذي يتنازعه الانتماء، ويبدو شخصية على نقيض حسان؟

برأيي، ثمة شخصيات يجب أن تحضر في الرواية، حتى لا يبدو العمل عارياً، ونحيلاً. ولكي تعكس الثراء الواقعي في المجتمع، ولكن تعميق هذه الشخصيات قد يؤدي إلى ترهل الرواية، وتشتت الصوت الواحد، حامل الرسالة الروائية. وإذا كان حسان هو صوت الرواية، ومحورها، فإن عمق الشخصيات التي حوله في الرواية متفاوت، كما هو الحال في الواقع. قد نمرّ في حياتنا بشخصيات مميزة، ولكنها، بالنسبة لنا، عابرة. مغرية بالتواصل، ولكنها قليلة التأثير في المحصلة الإنسانية.

برغم أنك تمثل الجيل الذي تعاطى مع الانترنت. وبرغم أنك تنتصر لهذا التعاطي بتقديم إشارات للحب والعلاقات الذي تفرزه فضاءات النت.الا أنني لا أجد توغلاً في تقديم ما يحدث في كواليس ذلك الفضاء. ليس هناك توصيف من الداخل للطقس الانترنتي في الحب؟

لم تكن هناك مساحة ممكنة في الرواية لتوصيف الإنترنت.

في شخصية غالية تم حشد عموميات أنثوية. لم تكن نموذجاً أنثوياً يحمل خصوصية محددة. هذا الأمر، ألا يجعلها تغادر الذاكرة وهي تكتب بهذا النموذج العمومي؟

صحيح، ربما كان ذلك جزءاً من نيّات حسان في بوحه، تغييب خصوصيتها حتى لا يفشل في تبرير تأثره الكبير بها. ولكن في المقابل، من الصعب أن تكون كل أنثى.. محبوبة، ومميزة، وفارقة في الذاكرة. حسّان أحبّ لأنه كان معرضاً للحب، وغالية لم تكن العظمى في حياته بالضرورة، ولكنها، وفقاً للظروف التي حلّت خلالها، تركت الأثر الأكبر.

قبل صدور الرواية كانت هناك مقولة للدكتور عبدالله الغذامي: بأن محمد حسن علوان سيكتب العديد من الروايات الفاشلات. وسينجح في القليل منها. هذه المقولة هل أرعبتك، هل جعلتك تظن في طوق الطهارة بأنها ستكون من الروايات الفاشلات؟

لا، لم أشعر بالرعب. لأني منذ دخلت الكتابة، وحتى الآن، ما زلت أؤمن أنها محض محاولة. والمحاولات تقع تحت رحمة قوانين الاحصاء والاحتمالات، ومن راقب مصائرها مات هماً! أنا أستمتع بعملية الكتابة نفسها، بقدر ما أستمتع بعملية التلقي التي تعقب إصدار الكتاب. ونجاح الرواية، أو فشلها، يعتمد على الفرق بين سقف توقعاتي المسبقة، ومآل الرواية القرائي. وبما أني توقعاتي دائماً منخفضة، لأن هذه هي طبيعتي النفسية في كل أمور حياتي، فمن الصعب أن يرعبني احتمال فشل رواية، إذا اتفقنا أن ثمة معيار متفق عليه أدبياً وتسويقياً وزمنياً يمكن أن نستخدمه لتحديد ما نسميه: فشل رواية.