arrow-leftarrow-rightaskfmemailfacebookgoodreadsinstagramtwitter
العودة إلى المقالات الإعلامية

سقف الكفاية.. وغوصٌ في تلافيف الروح

منتدى طوى

حوار/ أعضاء منتدى طوى

أحبتي أعضاء طوى..
الكاتب محمد حسن علوان عضو معنا هنا في طوى، وأحببت أن نستضيفه هنا في المقهى..
لقد حاولت تقديم الكاتب الشاب الموهوب محمد حسن علوان عن طريق الاستعانة ببعض ما جاء في موقعه الخاص به ولم أكتب عنه حرفاً واحد من عندي، وذلك لإحساسي أني لن أوفيه حقه، كما أنه سبق لي أن قمت بعمل لقاءين معه وفي اللقاءين ندمت أني التقيته لأنني لم أكن في المستوى الذي يؤهلني لمقابلة كاتب مثله.. لذلك أحببت فقط أن أقدم لكم الكاتب الشاب محمد حسن علوان.. وهاهو بينكم الآن ولكم مطلق الحرية في أن تسألونه دون أن يكون هناك محاور أو وسيط بينكم وبينه.. الحديث سيكون منكم واليه مباشرة.. فهلا بدأتم؟؟

الجريئة


عبدالله الثابت:

أخي محمد، أعرف جيداً أنه لم تكن الموهبة ولم يكن الإبداع ليحمل في طياته قانون السن، ولا ليعترف بتاريخ الميلاد أو الوفاة.. أعرف أنه فضاءٌ يبدأ قبل المجيء، ولا ينتهي حتى بعد الرحيل.. لكنني أعتقد أن مغامرةً ما قد يرتكبها الإنسان بنشر أعماله وهو في سن مبكرة.. مثلي ومثلك.. فهل بإمكانك أن تحدثنا عن تجربتك هذه وكيف حسمت هذا الصراع مع ذاتك!!
شخصياً.. أتعرف يا صاحبي أن لدي أربعة دواوين شعرية ورواية ومؤلف فكري لم أجرؤ على نشرها حتى الآن.. بل لم يعد لدي الرغبة في نشر ثلاثة من الدواوين لاعتقادي أنها متأخرة، والآن فإني مدينٌ لله بالشكر أني لم أرتكب النشر، فمشروعي الثقافي بعيد المدى يقتضي أن أكون أكثر تروياً واستعداداً!..
وآثرت الكتابة في صفحة الرأي بجريدة الوطن مؤقتاً حتى أفهم أكثر حول صراعات المدّ الثقافي ليس على الصعيد الإقليمي بل على الصعيد العربي والعالمي.. فالذي يكتب لإقليمه فقط.. مثل الذي يحدث نفسه بالمرآة.. والذي يفكر بالعالمية سيتردد مليار مرة قبل أن يبوح بكلمة تحسب على تاريخه!!

عبدالله الثابت: هل تحدثني عن تجربتك.. وكيف تنظر لأعمالك الآن!!
وهل تستطيع إقناعي بشيء ما حول النشر.. فربما رأيت أنت ما يغيب عني.. أنا!! سأنتظر نصحك

فكرة النشر لم تكن تراودني من قبل.. عندما كنت أكتب الشعر فقط، حتى جاءت الرواية.. وهي بشكلها الأدبي من الأشكال التي تلحُّ على كاتبها.. لكي تُنشر..

الشعر لديه أكثر من فرصة للعبور عبر المتلقي، من الجريدة.. إلى المنتدى.. إلى الأمسية الشعرية، وكذلك القصة القصيرة.. ولكن الرواية يصعب أن تظهر كذلك، وليس لها إلا أن تخرج في كتاب.. ولذلك أنا لا أفكر حتى الآن في إصدار ديوان، ولا مجموعة قصصية، ولكني نشرت روايتي فور انتهائي منها.. وبلا تردد.

عندما بدأت في كتابة الرواية.. كنت لا أراهن جدياً على اكتمالها، وخلال سنة ونصف من الاحتكاك بورقها، بدأت أستشعر في مراحل متأخرة أنها تستحق المحاولة، وخامرتني فكرة النشر.. واستيقنتها سريعاً، ولم تكد الرواية تنتهي بشهرين فقط.. حتى أرسلتها إلى بيروت، ونشرت. وسبب استعجالي بنشرها هو أني كنت أشعر بنوع من عدم الثقة في ما أنجزته، لاسيما أنها عملي الروائي الأول، ولم تسبقه محاولات لم تكتمل مثلاً.. ولهذا شعرتُ أنني لو تأخرت بنشرها.. لربما لن أنشرها مطلقاً، فامتطيت صهوة الثقة المؤقتة التي راودتني بعد انتهاء العمل.. ونشرته.

يسائلني البعض لماذا لا أنشر ديواناً، وأنا رغم أن لدي من القصائد ما يكفي لصدور هذا الديوان، إلا أني أشعر أن تجربتي الشعرية غير ثابتة، وتتأرجح بين مدارس عديدة، ولما رأيت هذا التباين في بعض قصائدي آثرت الانتظار ريثما أستطيع الوصول إلى أرض ثابتة. وأيضاً.. لا يوجد لدي ذلك الدافع الملح لإصدار الديوان، لأن قصائدي تنشر هنا وهناك، وتصل إلى متلقيها، وأيضاً.. لاحظ ركود حركة الدواوين عموماً.. مقارنة بحركة الروايات، ولاحظ الحزن الذي يرتكبني عندما أشتغل على عمل بحجم الرواية.. ثم أحبسها في درجٍ!

يا سيدي.. النشر عموماً عملية صحية، حسب تعاطينا معها.. فعندما نضع الرواج كمعيار لنجاح العمل، وصحة قرار نشره.. فقد نسقط في العديد من التناقضات، أعمال كبيرة جداً لا تجد رواجاً والعكس، فإذا نشرت أنت.. فانشر لكي تسجل حضورك ومرحلتك، وأعلم أن نتاجك لا يجب أن يكون كله في مستوى واحد مرض، لا أظن أن نجيب محفوظ راض الآن عن أول رواية أصدرها مثلاً!، ولكنه لا يحاكمها بمقاييس الحاضر.. بل بمعطيات ذلك الزمن الذي كتبها فيه.

انشر كثيراً يا سيدي، للنشر نتائج ملموسة على جديتك في الكتابة، وتواصلك مع الآخر، وموقفك في الساحة.. وهذه ثمار جيدة جداً، ومن المغلوط أن نظن أن الثمرة الوحيدة من النشر.. هي الرواج. كلما اكتمل بين يديك عمل لا يمكنك أن تضيف غليه المزيد.. فعليك أن تزج به للساحة، ولكن لا تنشر أعمالك القديمة، دائماً أخرج بآخر ما توصلت إليه، وأفضل ما كتبت، واعلم.. أن هذا اليوم المثالي الذي تنتظره لكي تنشر.. لن يأتي!، فاقتحم المكان بنفسك!

عبدالله الثابت: بلغت الكتابة بنوعيها الشعري والسردي نقطة ما بعد الحداثة فهشمت كل المرايا الخارجية وركزت التناول من خلال المرآة الداخلية الوحيدة ..تلك التي تسمى بـ”اللاوعي“
إلى أي مدى تعتقد أنك كتبت من خلال هذه النقطة، وهل تجد روايتك على سبيل التحديد عملاً متوائماً وتقنيات السرد فيما بعد الحداثة!!

اللاوعي يتداخل في كثير من دوائر حياتي.. وليس الكتابة فقط، أنا أعتقد أنه يشبه الكواليس الحقيقي لمسرح، وفيه يُحاك كل شيء.. ويتم تجهيزه للظهور أمام العقل لاحقاً، واكتشافي لدور اللاوعي في كتابتي جاء لاحقاً عندما بدأت أقرأ عملي بعيداً عن الأجواء التي رافقت كتابته، فبدا لي أني تحركت في مساحات لا يبررها إلى نية مبطنة كانت غائبة عني في ثنايا اللاوعي، وإلا كيف جاءت هنا!

أما مدى تواءم العمل مع أي تقنية سردية فهذا ما لم أفكر فيه أثناء إنشاء العمل، وإن كنت أعتقد أن الكلاسيكية التي جاء فيها العمل تجعل من الصعب تمريرها إلى مرحلة ما بعد الحداثة، إلا إذا اعتبرنا هذا التغيير النمطي في الرواية اتكاءً على اللغة يعتبر سمة من سمات المرحلة.

الجريئة: صغر سنك وتجربتك المبكرة في الكتابة وشهرتك ككاتب الآن وأنت لم تتعدى سن ال 24 من عمرك بعد.. هل تظن أنها سرقت من محمد الإنسان والشاب (بعض شبابه)؟؟، وماذا تشعر حيال ذلك؟، وكيف ستتصرف كي لا تسرق منك المزيد؟؟ (هذا بفرض أنها سرقت منك فعلاً).

ربما أنها لم تسرق بقدر ما غيرت بعض الملامح التي كان يُفترض وجودها على خارطة حياتي..

الأمر يسبق مشروع الكتابة تقريباً، ربما أن طفولتي مررت لي ميلاً قديماً نحو العزلة، تجاوزته قليلاً أثناء المراهقة، قبل أن يعود لينسج خيوطه الثقيلة على سلوكي الآن.. وبشكل جلي..

عملي الطويل نسبياً يخفف من نزوعي إلى البقاء منعزلاً كما أقضي أغلب اليوم، جاءت الكتابة لتتعامد مع هذا السلوك، وتمنحه مساحة أوسع لتبريره أمام نفسي على الأقل.. قبل الآخرين!، الوقت يمضي بي وأنا إما خلف الورق لأقرأ.. أو فوقه لأكتب، أو أعمل على أي مشروع لا يضطرني إلى التواصل مع الأشياء خارج نطاق الغرفة، فضلاً عن الخروج من البيت..!

الرياض مدينة مؤذية بالنسبة لي بضوضاءها وطقسها وسلوك بعض أهلها، واختزالها لكل معنويات المدينة في إسفلت وإسمنت، إن هذا لا يشجعني على محاورة شوارعها، ويجعل مشروع الخروج من البيت مشروعاً ثقيلاً لا أحبذه إلا إذا كان سينتهي بي في بيتٍ آخر..

الشهرة التي تفترضينها عندي لا تتمثل لي بأكثر من تواصل أكثر كثافة مع القارئ، وهذا التواصل لا يؤثر كثيراً كما يبدو،..

الأمر أحياناً يبدو مثل حاجة.. وإشباع، وبقدر ما يمكنني وضع هذه المعادلة جيداً أشعر بالتوازن، ولكن هذا صعب أحياناً.. في ظل شح المتغيرات التي يمكنني أن أعبئ بها المعادلة، هناك حاجات لا يمكن إشباعها هنا، وتلفيق شيء غيرها بدلاً منها يبدو التفافاً لا يؤدي إلى السعادة، مثل التزوير في ورقة النفس..

الكثير من أيامي مزوّر.. لو تعلمون!
ولكني أعيش.. كشاب.. أو غيره.. لا يهم!

خفوق الكرز: لن أطرح أسئلة فقد أثقلت كاهلي كل الأسئلة التي تذوب بلا حضور لإجاباتها.. سأكتفي بكلمات.. واترك لك حرية تشكيلها وقولبتها.. لن أتدخل في رؤيتك الانطباعية لها..

  1. أنـــــــا (أقصد بها شخصك الفاضل)
  2. الأنثى (السعودية تحديداً)
  3. وطن..!
  4. العمــــــــــــــر..!!

1. أنا
يا سيدتي، كلما جاءتني هذه الأنا في سؤال.. أشعر أني ضئيل جداً!!
هذه الكلمة التي تنفخ الناس.. لا أدري لماذا تتعامل معي بشكل مختلف!، ولماذا دائماً تًغلق عليّ باب الاستنباط.. وتبقى صلدة.. مثل صخرةٍ أصابها وابل!
ودائماً عندما أقول عباراتٍ تبدأ بـ(أنا)، أجد الكلمات تنسحب بعدها إلى وادٍ سحيق من البؤس!، هذا الانسحاب تكرر معي في أكثر من قصيدة ونص!!
سأفكر الآن في انسحاب مختلف.. لـ(أنا) جديدة.. لكِ أنتِ:
أنا: الكائن الذي يتحرك مع اتجاه الله.. حسب استطاعته!، ويضع بوصلته بموازاة الفجر كل يوم.. حتى إذا سَجَدَت شرقاً يممت يومي شرقاً، وإذا سجدت غرباً يممته غرباً، تختلف قناعاتي.. ولكن لقلبي عقيدة لا تبطل، أن أجد الله.. وآخذ منه الحقيقة..

2. الأنثى السعودية
أعتقد.. أن تكون المرأة سعودية.. فإن هذا اختبار صعب (لأنوثتها)!
فعلاً.. هذه الجنسية تحمل (ضدِّيَّات) كثيرة تعاند الانسياق الأنثوي، والأسوأ أنها تتحول (ضدِّيَّات ذاتية) أحياناً، تجعل الأنثى السعودية تخنق أنوثتها بنفسها، أو تحبسها في صندوق خشبي مثل هرة، وتبرر هذا الحبس بمبررات لا تشي بأكثر من هزيمة قديمة متكررة.. منذ يوم ولادتها!
الأنثى السعودية تحمل على عاتقها قضية (إثبات أنوثة)!، إثباتاً رياضياً حقيقياً.. وليس مجرد إثبات (بالأقنعة)، هناك من يُلبسُ عليها في هويتها، هناك من يختزلها اختزالاً كاملاً.. ويقنعها أن هذا خير لها!!، هناك من يلغيها من خارطة المجتمع.. ويوهمها أنه سيحجز لها مكاناً أوسع.. في خارطة أخرى!
فقط.. على الأنثى السعودية أن تفتح صندوقها..!، وتسمح لتلك الهرة الجميلة أن تأكل من خشاش الأرض، وستجد أنها تعيد اكتشاف ذاتها أكثر من مرة..
وستكتشف أن الأنوثة جنة صغيرة.. تحملها في داخلها سنوات.. ولم تشعر بها !، فقط أيتها الأنثى السعودية.. افعلي ما تمليه عليكِ (أنوثتكِ)!

3. وطن..
آلآن يا سيدتي؟!
آلآن تسألين عن وطن؟!
وهذا الوطن كله.. كله، بصحاريه وأشواكه وملوحته وقسوته وعناده وتبرمه.. تحول إلى غصة ضخمة جداً.. وانحشر في حلقي!، آلآن.. وحتى السماء تغلق وجهها بغبار وصمت، والبحر لتعاويذ السحرة، والشوارع لحرّاس الفضيلة الواهمين..
آلآن.. والغد ألغى موعده معنا!، والموضع الذي تقف فيه خطانا لا يمثُّلُ هذه الخطى تمثيلاً رسمياً..!، والشمس آفلةٌ.. وأنا لا أحب الآفلين..!
حسناً..
لم يعد الوطن عندي بالضرورة.. جغرافيا ما!
الوطن.. هو حيث تكون سعيداً!
لذلك أنا أفقد وطني.. وأجده في اليوم.. عدة مرات!

4. ليل وسهر..
بقايا رجلٍ لا يطلب الكثير..
مجرد (شجن) ما قبل النوم!

5- العمر
الأحلام التي تحققت.. والتي تتحقق.. والتي ستتحقق..
والتي لن تتحقق.. أبداً!!

مانع: بعد تجربة سقف الكفاية، ألم تجد أن كثيراً من قراء الرواية، يضعك بمكان المتهم، ما أقصده هنا يا سيدي أن قارئ الرواية، لا يقرأ من أجل أن يستمتع بما يقرأه، بل يبحث عن إدانة لصاحب العمل. هل قابلت هذا النوع من القراء؟

صادفته كثيراً.. وبين أصدقاء كانوا مقربين.. للأسف!

سيكولوجية (التلقي) لدينا للأسف يعتريها الكثير من الخدوش التي تخرج بنا عن حالة التوازن التي تسمح لنا بتلقي كل عمل بحياد، ومحاكمته بذائقة عادلة.. وانطباعية. لدينا الكثير من الفوضى تحتل وعينا القرائي، وتختلط فيه أشكال كثيرة من التلقي، ويتزاحم فيه عدد كبير من القضاة.. كل منهم يبحث عن قضيته ليدينها.. ويُسقط عليها أحكامه. القاضي الشرعي، والقاضي الفني، والقاضي الاجتماعي، والأخلاقي، والسياسي.. الخ. وبالتالي، يخرج القارئ بصورة مشوشة تمنعه من الاستمتاع بالعمل إذا كان جيداً.. أو تمييز نقاط ضعفه إذا كان ضعيفاً.

الكثير من القراء وجهوا لي أحكاماً لا علاقة لها بالجانب الفني، وبعضهم بدأ بالوعظ..!!، وكان ثمة ملامح مختلطة في ردود أفعالهم، تشي بانقسام فكري حول محور تقييم العمل، والكثيرون يعتمدون على مرجعية غيرهم في الحكم على العمل.. فاقدين الثقة في مرجعيتهم الذاتية. أسباب كثيرة يا سيدي تولد مثل هذا النوع من التلقي الخاطئ، ربما نحتاج إلى دراسة مستقلة ننقذ بها ما تبقى من الوعي القرائي على الساحة.

حالة القارئ نفسه، إحباطاته الذاتية.. أو نجاحاته العابرة قد تؤثر كثيراً على نزاهته القرائية، البعض يجد في كل نجاح للآخر.. هزيمة شخصية له!، والبعض يرى في فشل الآخرين.. وثيقة جديدة يثبت بها تفوقه، وبين هذا وذاك.. ثمة أعمال كثيرة ترتبك.. وتسقط، بدون محصلة ارتجاعية يمكن أن تكشف مكامن الخلل وأسباب السقط.

هناك أيضاً تفاوت كبير في مستوى الثقافة بين المنتسبين الساحة الثقافية، وكتابها، ونقادها، مما يجعل المعايير مختلفة ومتفاوتة ومربكة أحياناً لمتلق لم يميز بعد بين الناقد الجيد.. والناقد الردئ. وبالتالي تتم محاكمة الأعمال والنظريات المطروحة على الساحة اعتماداً على الأسماء التي تناولتها.. وليس المحتوى الذي جاءت به.

محارب الخيزراني: هل توافق الدكتور غازي في وقفاته تلك، وهل ستمتثل لتلك الوقفات، وتعيد ترتيب روايتك على هدى منها؟

كان للدكتور/غازي القصيبي ثلاث وقفات في نقده للرواية: الإطالة، والقصائد الشعرية، والأخطاء اللغوية..

كل هذه الوقفات الثلاث أحترمها جداً، وأجدها مبررة.. وممكنة. ولكن الوقفتين الأوليين لم يعد من الممكن تداركهما الآن، لأني لا أحبذ إعادة الاشتغال بعمل انتهى.. ووصل إلى متلقيه، وبالتالي سيبقى كما هو فيما يتعلق بالإطالة والقصائد، لاسيما أن بعض الانطباعات وردود الأفعال الأخرى جاءت في صالحهما.. من قراء ليسوا بالقلة.

الوقفة الثالثة للدكتور غازي كانت حول الأخطاء اللغوية، والسبب فيها هو أني رفعت الرواية إلى الناشر دون عرضها على مدقق ومصحح لغوي، فكانت كل هذه الأخطاء.

الآن، وأنا بصدد إصدار الطبعة الثانية من الرواية بعد نفاد الأولى تقريباً، لا أملك إلا تصحيح الأخطاء اللغوية.. وستبقى الرواية كما هي بدون أي اختزال أو تعديلات في بنيتها الأساسية أبداً.

المندرق: هنالك إشارات تقول بأن الرواية (كتبت لك)، وأنا علي وعي تام بأن التهمة تندرج تحت باب الغيرة، ولقد حدث هذا مع أعلام لهم تاريخهم الأدبي.. (أحلام مستغانمي).. شعورك عندما تسمع بذلك؟ هل يعطيك ذلك مصلاً من البداية ضد هذا المرض؟ أم أنه يفت في عضدك؟

هذه الإشارات لم تخرج إلى على قارعة الإعلام إلا من شخص أو شخصين على الأكثر، بدون أي استدلال فني مفصّل يُعتدُّ به، ويثبت ما ذهبوا إليه، مما جعل الأمر يبدو بدون عمق نقدي يمكن أن يُعتمد عليه في إثارة القضية. لا أدري لماذا كنتُ أشعر أن هذا الأمر برمته يمر وكأنه لا يعنيني أبداً، وكأنهم يتحدثون عن رواية أخرى غير هذه التي كتبتها، رغم أن الكثيرين سارعوا إلى الرد على هذه التهمة، وتوجيه دعمهم لي شخصياً خشية أن يكون هذا الاتهام قد أثر بي. أنا لا أحب الخوض في القضايا الهامشية التي تفرزها الساحة الثقافية، وأفضل التعاطي مع هذه الساحة من خلال المعطى الأساسي: العمل الأدبي نفسه. لأنه هو صاحب الصوت الأبقى في النهاية، أما الهوامش الأخرى فهي تختزل عمر المثقف، وتستهلك منه الكثير مما كان أحرى به أن يخرج في صورة أعمال كان يمكن أن تكون أكثر فائدة وصدى.

إذن.. لم يكن هناك مرض من البداية حتى اتخذ له أمصالاً، وما زالت أحلام مستغانمي على رأس هرم النشر والتوزيع الروائي رغم أن قضيتها كانت أشد ضراوة وتعدياً من قضيتي. إذن، ربما تكون مثل هذه التهم في صالح العمل أحياناً، وتزرع اسئلة من نوع: ((ترى.. ما هذا العمل الذي استكثروه عليه/عليها؟))، وبالنسبة لي.. ما زلت مشتغلاً بنصوصي محاولاً قدر الاستطاعة الانعزال عن هذه المؤثرات الاعلامية، والتركيز على الجانبين الفني والثقافي البحتين.

ناصر المدخلي: عندما يحتفل الوطن بأعمال فردية، ويمجدها، ألا يدل ذلك على جفاف في العطاء السعودي .. كما حدث مع أحمد دهمان، ومحمد الثبيتي وأنت؟

لم أفهم سؤالك جيداً يا أخي، هل تقصد أن الوطن قام بتمجيد أبودهمان والثبيتي وأنا؟، إذا كان هذا ما تقصده.. فهل يا ترى أن كثافة الحضور الصحفي لهذه الأعمال تعني أن الوطن يمجدها !، فالحقيقة يا سيدي.. على العكس، الوطن (يمنع) هذه الأعمال كلها!!، وقد قام بمصادرة (سقف الكفاية) و (الحزام) من معرضي كتاب!

كل ما تقوم به الصحافة مرده جهود فردية من محرري الصفحات الثقافية، عادة ما يعكس آرائهم الشخصية، إذ لا يوجد توجه منظم لدى الصحافة لإبراز عمل معين مثلاً. حتى النقاد عندما يكتبون فإنهم يختارون الأعمال التي تنجح في إستفزاز حسهم النقدي، واستثارة رغبة التعاطي مع العمل نقدياً. وهذا أيضاً مرده إلى جهود فردية.

العطاء السعودي ليس جافاً، وهذا ما شهد به لي كبار الناشرين اللبنانيين في بيروت، إذ أنهم أجمعوا على الاندهاش من كم المنشورات السعودية عموماً في السنوات الأخيرة، الذي بقي هو إقناع الوطن بتفعيل ما يمتلكه من خامات فكرية، ومنحها الفرصة للانطلاق نحو تشكيل فضاء ثقافي لائق، يمنح حرية التعبير، والطرح، والانتقاد. ما زال الوطن يتعامل مع الفكر بعقلية الحذر، ويتعامل مع المثقفين وكأنهم أبناءٌ عاقون لا يُؤمن جانبهم، وذلك استجابةً لتحريضٍ مستمر منذ سنوات من بعض المؤسسات والتيارات المؤثرة في القرار الوطني.

أبخص الشيوخ: لماذا هذا العنوان بالتحديد؟ (سقف الكفاية)

عندما تقرأ الرواية يا سيدي الفاضل.. ربما تجد إجابة أكثر استيفاءً لتساؤلك من أية إجابة أخرى أذكرها هنا في هذا الحوار، ثمة تراكم درامي.. وإسقاطات تراجيدية قفزت بهذه العبارة المركبة إلى سطح الأسطر أثناء كتابتي، فاخترتها عنواناً للعمل قبل أن أنهيه ببضعة أشهر فقط. وهذا التراكمات والإسقاطات ليس من المجدي توضيحها هنا بعيداً عن الأجواء الفعلية للرواية نفسها. لهذا أحيلك إليها، وأتمنى أن تكون عند حسن ظنك: عنواناً.. ومحتوى.

أبخص الشيوخ: طقوس الكتابة، هل تعترف بهذه الطقوس وتمارسها، أم أن لك رأي آخر؟؟

إنني أكتب النص أحياناً.. في مخيلتي، قبل أن أنقلها إلى حيز التنفيذ الفعلي، مستخدماً الأدوات الكتابية: كالأقلام وغيرها..

الخطوط العريضة للنص تسافر في ضباب الرؤية، أثناء انشغالي بأمور حياتية ممعنة في عاديتها، إنني أقرأها في زجاج سيارتي، وفي ملامح زملائي، وفي سقوف المنازل، وغرف الانتظار، ونقرات الموسيقى، وأجساد النقاشات العابرة..

هذه مرحلة أولية من عمر النص، أحياناً تستوجب التسجيل العابر لإرهاصاتها تلك في ورقة صغيرة أضعها في جيبي غالباً تحسباً لانبثاق فكرة مباغتة ما.. وحتى تصل الفكرة إلى مخاضها الذي قد يكون متأخراً أو متقدماً، حسب نوعية النص، أبقى في مفاوضات جادة مع ذائقتي الكتابية لتحديد مدى جدوى هذا النص، وأهليته (للانكتاب).. أو إطفائه سريعاً في مخيلتي.. مثل نصوص كثيرة عابرة..

وعندما يكون هذا النص شعراً.. فإن مطيته تكون غالباً انفعالية متوترة، ولذلك أجلس لأكتبه على الورق.. أو الكمبيوتر، مندفعاً، وغارقاً في فوضى التقاط المعاني، ورصد اللمحات المتدافعة بسرعة كبيرة، وحشوها في أنبوب النص الذي يستطيل حسب مرونة الأفكار التي يتناولها. إن طقوس كتابة الشعر عندي مرتبطة بالتوتر غالباً، وفي أحيان مبالغة قد يصل إلى العصبية، حتى تكتمل الصورة الأولى للنص الشعري.

بعد ذلك أسعى لأن أعيد المرور على النصوص الشعرية الأولية في حالات أكثر استرخاءً لأعيد تنظيم الكلام، وأضيف الرتوش، وأملأ الفراغات، وأحذف العبارات الطائشة..

أما عندما يكون النص سردياً، قصة أو فصولاً من عمل روائي، فإن الأمر يختلف تماماً. لأن الكتابة الروائية لدي تتطلب حالة من الصفاء الذهني، تمكنني من التوغل في التفاصيل الروائية، واستحضار المشاهد، وصياغة الشخصيات، والأهم من ذلك: التخارج من ذاتي الكاتبة.. ومحاولة التلبس بدراما العمل السردي. وهذا ما يستدعي تركيزاً ذهنياً لا يشوشه الانفعال الذي تمتطيه الكتابة الشعرية عادة. ومثل هذه الحالة تصاحبها طقوسٌ خارجية مثل أكوابٍ متتالية من الشاي، أو القهوة.. وفي حالات معينة: موسيقى هادئة وخفيضة جداً.

أبخص الشيوخ: هل ترى أن لغتك ”مجنونة“ قدر الإمكان؟، بمعنى هل ترى أن ”لغتك“ تصل ”لمن تريد“؟؟

لا يمكن أن أدعي مثل هذا الجنون اللغوي على حد تعبيرك.. والتي تمكنني من الوصول على من أريد. (اللغة) أداة كتابية هامة.. أسعى قدر المستطاع لتطويرها وإجراء البحوث الوراثية التي تجعلها أوفر صحة.. وأقل مرضاً، واللغة عموماً، وإن كانت أساس الفنون القولية، فهي ليست كافية للنهوض بالأعمال السردية بمفردها، ولا بد من توفر أدوات احترافية أخرى لدفع عجلة العمل.

يا سيدي.. لو كانت لغتي تصل لمن أريد، لو كان عندي هذه القدرة اللغوية المستحيلة التي أضمن بها انتباه الجميع.. لخاطبت الوطن!

أبخص الشيوخ: هل محمد حسن علوان ينتسب إلى تيار معين من تيارات الرواية الجديدة؟

لا أنتسب إلى أية تيار.. ولا أجيد تصنيف هذه التيارات أصلاً، العملية التصنيفية هي مهمة أناس آخرين في المشهد الثقافي وليس الكاتب نفسه، وإن كان عليه أن يكن ملماً بأشكالها، ولكن الكتابة تحت وصاية مدرسة أو تيار معين لا تناسب شخصيتي، إن هذا شأن مطلق.. وليس في الكتابة فقط، فأنا غالباً ما أجد في داخلي تمرداً فطرياً يحرضني على عدم الانتماء، والسقوط في إشكالية التبعية الفنية أو غيرها.

قد تبدو كتابتي وهي تحمل ملامح تيار ما، وهذا الذي جعلك تصوغ هذا السؤال، وهذا صحيح.. ولكن اشتراكي مع كاتب ما، أو تيار ما، في شكل العمل وهويته لا يعني انتمائي على هذا الكاتب.. وهذا التيار، لأنني في الأصل ربما كتبتُ متأثراً به.. ولكني لم أكتب استجابةً قوانينه.. وهنا فرقٌ كبير، فتأثرك بالفن الباريسي.. لا يجعلك فرنسياً بالضرورة. بينما اتباعك لنمط الكتابة الأدبية الفرنسية السائد في القرن الماضي يجعلك رومنطيقياً بالضرورة. هذا رأيي..

أبخص الشيوخ: هل ترى أن العامية السعودية أو الخليجية غير صالحة للكتابة ”روائياً“؟؟

برأيي أنه في الأصل.. يجب أن تكون اللغة الفصحى هي لغة كل أجزاء العمل، بغض النظر عن خلفيته الزمانية والمكانية. وهذا ما يشتغل على أساسه أغلب الروائيين الكبار. والتداخل (العامي) في الجسد السردي للرواية لا يجب أن يتم بدون مبررات تقنية مقنعة، مثل أن تكون للعبارة العامية المقحمة دور أو تأثير ضروريان في التكنيك الدرامي، أو فائدة لا يمكن الاستغناء عنها في توضيح الخلفية الزمكانية للعمل. وبدون مبررات تقنية وفنية لا أستسيغ شخصياً إقحام العبارة العامية في النص الروائي، حتى على شكل حوارات بين شخصيات من العامة، إذ أن الفصحى قادرة على حمل الحوار دون أي خلل.

أبخص الشيوخ: كيف تتعامل معك ”الرقابة“ وكيف تتعامل أنت معها؟؟

الرقابة منعت روايتي استناداً على تقرير طويل أصدرته وزارة الإعلام يوصون فيه بعدم فسح الرواية لأسباب تطلبت منهم أن يفرغوا صفحتين كاملتين ليذكروا فقط أرقام الصفحات التي وردت فيها، وليس العبارات نفسها. والرقابة أيضاً تمنع نشر أغلب قصائدي وقصصي في الصحف إلا ما ندر، ولذلك أنا مقل في النشر الصحفي، ومكتف بالنشر الالكتروني عبر موقعي الشخصي أو المنتديات. هكذا أتعامل مع الرقابة، أتجاهلها كما أتجاهل كل كيان مفروض وغبي يواجهنا جميعاً.

أبخص الشيوخ: هل ترى أنك نلت ”ما تستحق“ حتى الآن؟؟ ولماذا؟؟

يا سيدي.. الدخول في معادلة (ماذا قدمت.. ماذا أستحق) يتطلب فحصاً دقيقاً لمعطيات الواقع ومعاييره، وبصراحة.. أنا أجد الخوض في غمار هذا الفحص تضييعاً لوقتٍ يجدر بنا استغلاله فيما يثمر.. وينفع..

إن الكتابة ليست صفقة ينبغي أن نحسب عوائدها سلفاً.. وننتظرها لاحقاً، جزء من كتابتي أقدمه لنفسي.. وجزء آخر أعرضه على الآخرين كمستحقات ثقافية عليّ للتعايش بإنسانية، أما العوائد، بكافة أنواعها، فقد تعني شيئاً لمحمد (الإنسان) بكل ضعفه وطمعه وضعف نفسه، ولكنها لا تعني لمحمد (الكاتب) إلا أقل القليل..

هذا سؤال متقلب على كل حال، ربما تكرره عليّ ذات يوم لاحق.. فأجيبك إجابة مختلفة، ((إن الإنسان خلق هلوعا، إذا مسه الشر جزوعا، وإذا مسه الخير منوع))..

دمدم: في ”سقف الكفاية“.. كانت اللغة السردية / الخيالية .. تحفل بالإستعارات، وتأطّرت بكلمات أتت إلى اللغة من خارجها – أي من لغة أخرى – ولكن ما أن نتعمق بالقراءة، حتى نرى أن هذهِ الكلمات أخذت مكانها ضمن النظام السردي لسقف الكفاية حتى أصبحت من صميم اللغة ذاتِها.. هل تعتقد أن مجموعة ”النظام اللغوي“ الذي اتخذته سقف الكفاية، سيحدد ملامح ”الطريق“ لمحمد حسن علوان في الأعمال المستقبلية؟

بشمولية أكبر.. لا أريد لأي نظام، لغوي أو غيره، ورد في أحد الأعمال أن يصبح منهجاً مستقبلياً، ويمد أذرعه إلى الأعمال اللاحقة. وطبعاً هذه مهمة صعبة نسبياً، ولكني أحاول أن أنفذ التجديد والتجريب قدر المستطاع. ولكن يجب التفريق بين الخطوط العريضة لقدرات الكاتب ومنهجه العام.. وبين الأساليب والأنظمة التي استخدمها في عمل معين. وهذه إشكالية يقع فيها كثير من أصحاب الرؤى النقدية، وبالتالي يسقطون أعمالاً جيدة بحجة التكرار.. بينما هي سمة الكاتب التي لا يجب أن تتغير، بينما يشيدون بأعمال أخرى وهي مستهلكة ومكررة ومعادلة نجاحها أصبحت معروفة ورتيبة. كونديرا مثلاً يكتب بنمطية تكاد تشمل كل أعماله.. ونستطيع أن نتعرف على العمل أنه له بقليل من الاطلاع، ولكن مع هذا فإن كل عمل من أعماله يحمل بعداً تجريبياً ومتجدداً دائماً، وهذه سمة من يفهم اللعبة الإبداعية، ويجيد المناورة داخل خطوط المنهج الروائي الذي ابتكره. بينما نجد روائيين آخرين، تكاد أعمالهم أن تكون نسخاً متكررة من العمل الأول، وفق إطار أدواتي محدود للغاية لا يمكن أن يتجاوزه. وهذا الضيق يؤدي به إلى السقوط، أو الاتكاء على نجاح العمل الواحد.. أنا أسعى بقدراتي الصغيرة أن لا يحدث هذا معي.

وبنظرة أكثر تخصيصاً، للنظام اللغوي ذاته، فإني أعتقد أن اللغة عموماً لا يمكن أن تتغير، ربما تتطور.. وتترقى، ولكن في آخر المطاف لن أتمكن من استبدال لغتي في كل عمل!، ولكن ربما أعيد تفصيل الأدوار بين الأدوات التي أكتب بها، فتتراجع اللغة عن دور البطولة.. وتلعب دوراً مسانداً أقل بروزاً، بينما تصعد أدوات أخرى إلى الواجهة.

دمدم: من منظور ”الترهينات التخييلية“ في الرواية.. هُناك ما تمّ حصره.. وهناك ما اُشبع توسعاً!.. ألا تعتقد أن سقف الكفاية وقعت – في بعض نمذجات السرد – بين الحصر والتوسيع السردي؟..

حتمٌ يا سيدي أن (سقف الكفاية) لن تأتِ بالجديد على مستوى (النموذج السردي)، وأنها اتخذت سياقاتٍ سردية شائعة، وسواءً كان ذلك (وقوعاً) أو (مسايرة) فهذا ما لا أستطيع تحديده فعلياً من واقع كوني كاتب العمل. ربما أني لم أجب على سؤالك بما كنت تبحث عنه، فإن كان الأمر كذلك.. فلعلك تعيد طرح الاستفهام بصياغة أخرى.

دمدم: حدثني عن التوجه لديك في ”حبكة“ الرواية كعلاقة جدلية ”إفتراضية“ بين راوي ومروي له!.. هل شعرت بلقاء ٍ ما؟..

هذه الحبكة هي محور الاشتغال في الرواية، هاجسي الروائي أن يُصبُّ غالباً حول هذه الحبكة، سواءً اضطررت إلى تجنبها.. أو المراهنة عليها، وربط الحبكة بالواقع كخلفية منطقية للحدث الروائي كان هو ما سعيت لتكريسه في (سقف الكفاية)، وللأعمال الأخرى محاولاتها القادمة.

دمدم: بين الصمت والرؤيا..! منْ في سقف الكفاية لم يتكلم أكثر..؟ ومنْ فيها رأى وأغفلتَ أنتْ ككاتب رؤيته؟.. والأسباب فضلاً؟…

إذا كان المقصود بالسؤال (الحوار الداخلي) بين شخوص الرواية فأنا أعتقد أن الحمّى التراجيدية المتصاعدة التي عملتُ على خلقها كانت تجعل شخصية الراوي هي، غالباً، الأكثر استئثاراً بالكلام، وهكذا صارت المساحات الكلامية للشخصيات الأخرى ضيقة نسبياً بما يتطلبه عمل وجداني مرتكز على الذات الواحدة.

ومن جانب آخر، إذا كان المقصود من سؤالك، ”أسئلتك مبهمة قليلاً يا صديقي“، هو ما دار حول الرواية من حوار نقدي.. فهذا ما لا أستطيع محاكمته هنا، فأنا أجد في كل تعاط نقدي مع العمل درساً جديداً أضيفه إلى حصيلتي المعرفية.. وأمضي..

دمدم: الانتقال من العام الى الخاص.. والخطاب الـ”عاطفي“ التي تقوم الرواية بتقديمه لتُجلي لنا الأحاسيس والإنفعالات التي مرّت بشكل ٍ أو بآخر في نفسك كـ”محمد علوان“ أو التي أثارتها الرواية بك! هل كنت على درجة ”شك“ أو فلنقل: لا يقين.. حيال بعض المقاطع.. وبوضوح أشدّ.. هل شككت بأنك لم تُشبع بعض المقاطع وظيفياً بدعوى الخوف الكامن في نفس ”الراوي“ من ”الذائقة الحيائية“ للمروي له؟..

نعم.. ثمة شك حيال درجة الإشباع الوظيفي لكثير من المقاطع، ولا يمكنني أن أنسب ذلك إلى (الذائقة الحيائية) على حد تعبيرك الجميل، ولكن لنقل أن الخطوة الأولى دائماً قلقة.. ومتوترة، ولكني حاولت جهد المستطاع أن ألتصق بالواقع الفعلي.. مراوحاً بين التلويح البعيد.. والمقاربة اللفظية،.. و..
رغم ذلك لم نسلم يا عزيزي!

دمدم: على صعيد ”الكاميرا“ و المكان!.. لماذا تعتقد أنك حايدت في ”التبئير“ في بعض المواضع.. و”تبأرت“ بأخرى؟..

ثمة تموج انفعالي مساير لفعل الكتابة الذي يفترض به أن يأتي منفصلاً (فنياً) عن ذات الكاتب، ولكن هذا الانفصال ربما تأثر بطول العمل، والفترة الزمنية الطويلة التي استغرقها ليُكتب، فتجلى هذا التباين في (التبئير) بين مواضع وأخرى.

إنني أنفعل بما أكتب، وأتمازج به تمازجاً ربما يكون أفضل لو تم كما ينبغي، وانا أعمل لأتعلم كيف يكون الامتزاج على العمل شأناً لا يسقط الحياد كما يحدث كثيراً..

مليكان الزمان: هل تعتقد أن هذا الأسلوب قريب من القارئ لاسيما إذا علمنا أن قارئك لا ينتمي بالضرورة إلى المثقفين (وبالتحديد الحداثيين أصحاب أسلوب الاستعارة الغريبة) بل من مختلف الطبقات؟

ليس في مقدرتي أيها العزيز أن أكتب لكل الطبقات..!، وحتى لو اتفقنا على إمكانية وجود عمل يتخاطب مع كل المستويات المعرفية للقراء.. فإنه لا يمكن تفادي ومراعاة اختلاف الذائقة..!

الكتابة ليست مشروعاً اشتراكياً يجب تعميمه على الجميع.. بقدر ما هي محاولة للتعالق مع الآخر الإنساني، وفق ملامح مشتركة تهيئ لهذا التعالق مناخه الأفضل.. والأخصب. أسلوبي في الكتابة، سواءً جاء معتلاً أو صحيحاً، هو سمة مكتسبة، قد تتغير بفعل التجربة، ولكني أتناول بها منظومة الأفكار التي تحملها اللغة، فاللغة والمعنى يشكلان بعضهما بمعادلة معقدة نسبياً.. أكثر تعقيداً من السعي للاقتراب من القارئ فقط.