arrow-leftarrow-rightaskfmemailfacebookgoodreadsinstagramtwitter
العودة إلى المقالات الإعلامية

محمد حسن علوان لفواصل:

بنات الرياض تجاوزت الأدبي إلى الثقافي

مجلة فواصل

حوار/ جاسم سلمان

لا يمكن الحديث عن الجيل الجديد في مشهد الأدب السعودي دون ذكر اسم محمد حسن علوان، ليس لأنه ذلك الشاب الذي اصدر روايته الأولى في مطلع العشرينات من عمره، ولا لأنه الشاب الذي يقف على أعتاب الثلاثينات مطوّحاً للقاريء بروايته الثالثة، بل لأنه الأديب الشاب الذي قدم عملاً يعي تماماً ماذا كان يريد أن يقدّم فيه، مثلما يعي تماماً ماذا يريد أن يقدّم في عمليه الآخرين. لعله من نافلة القول أنه أحد أكثر الكتاب وصولاً إلى القارئ السعودي والعربي بشكل عام، وما إصدار الطبعة الثانية من روايته الثالثة في الشهر الثالث من صدورها إلا دليل واضح على ذلك، وعلى أنه اسم بدأ متوهجاً وسار في طريق يعرف ملامحه جيداً نحو توهج أكبر دون التفات إلى همزات ناقد أو سخرية حاقد، باختصار، لا يمكن الحديث عن الجيل الجديد في مشهد الأدب السعودي دون ذكر اسم محمد حسن علوان، لأنه بات أحد أهم علامات هذا الجيل، هنا لنا حوارٌ معه:

في البداية، محمد حسن علوان، كيف ترى تجربتك الأدبية بعد صدور ثلاث روايات وتناقض الأذواق والأقوال حول تجربتك بين قارئ عطش لها وآخر ممتعض؟

بالطبع مفيدة لي، وتعلمتُ منها الكثير حتى الآن، وما زلتُ في طور التعلم، وأتمنى ألا أخرج من هذا الطور أبداً. اختلاف الآراء حول الأعمال الأدبية والفنون عموماً هو مؤشر إنساني على اتساع مساحة الحرية الذوقية للقاريء، وقدرته على الاختلاف. وهو حالة صحية ومفيدة للوعي الفني في أي مجتمع.

تركت الوسط الأدبي بالسعودية وهاجرت لبلد العام سام بحثا عن الماجستير منذ عامين، فهل اخترت التوقيت خصوصاً بعد صدور روايتك الأخيرة (طوق الطهارة) ونيتك لمراقبة الوضع من بعيد؟

أنا لم أهاجر، ولكني انتقلتُ مؤقتاً إلى بورتلند في الولايات المتحدة لأنجز رسالة الماجستير كما ذكرت، وسأعود إلى الوطن الطيب حالما أنتهي منه. (طوق الطهارة) خرجت أثناء وجودي في الخارج، وكذلك كان الحال مع روايتي التي سبقتها (صوفيا) التي نشرتها أثناء وجودي في مدينة فانكوفر في كندا. كل هذه الظروف لم تكن مرتبة أبداً، وليس عندي أي دافع للكتابة عن بُعد. وفي الواقع، لم يعد ثمة فرق بين القريب والبعيد في هذا العالم المتشابك إعلامياً، أستطيع وأنا خارج المملكة استقبال كل ردود الأفعال مباشرة مثلما هو الحال لو كنتُ فيها، لاسيما وأنني أستخدم الإنترنت بكثافة في كل اتصالاتي ومتابعاتي للأعمال.

برأيك لماذا لم تحظ رواية (صوفيا) و(طوق الطهارة) بذات الإقبال على روايتك الأولى (سقف الكفاية) رغم أن كل كاتب يكون قد تطور أكثر في كل كتاب يصدره؟

رواية (صوفيا) وصلت إلى قارئها بشكل طبيعي، لا يقل كثيراً عن (سقف الكفاية)، مع اعتبار عامل المفاجأة لصالح (سقف الكفاية) طبعاً لأسباب إعلامية، وثقافية، يعرفها الجميع. كنتُ في بداية العشرينات عندما صدرت (سقف الكفاية)، والكثير من التعاطي الصحفي والنقدي ركّز على مرحلتي العمرية أولاً، ثم موضوع الرواية الجدلي كقصة حب حميمة في قلب الرياض ثانياً، وثالثاً حول انكتاب رواية سعودية بتكنيك سردي/شعري، وهو أمرٌ غير دارج. وعندما صدرت (صوفيا) بعد ذلك بسنتين، لم يكن من الممكن أن تعيد الصحافة تناول هذه المحاور الثلاثة مرة أخرى لأنها استُهلكت، واحترقت، ولم يبق إلى الصُلْْب الفني للرواية ليتناولها الناقد الجاد، وهذا ما حدث فعلاً. وتقريباً، تتمتع (صوفيا) الآن بأرقام توزيع مقاربة لأرقام توزيع (سقف الكفاية).

بالنسبة لـ(طوق الطهارة)، فهي رواية حديثة الصدور، وعمرها ثلاثة أشهر فقط (صدرت في أغسطس 2007) في طبعتها الأولى، ثم صدرت الطبعة الثانية بعد ذلك بشهرين (نوفمير 2007). وهذا مؤشر توزيعي جيد نسبياً. أما التعاطي الصحفي فهو مرهونٌ بعوامل زمنية، رغم صدورها في طبعتين، لم تصل بعد إلى السعودية، وربما لم تطرح في أي معرض كتاب حتى الآن، وهي العوامل التي تستثير الطرح الصحفي، والتغطية الإعلامية عموماً.

يقال أن رواية طوق الطهارة مكملة لسقف الكفاية أو أنها تدور في فلكها، فلماذا شطحت برواية صوفيا وأسكنتها بينهما وهل كنت تريد أن تكون الفاصل؟

لا طبعاً، ليست مكملة لسقف الكفاية، ولا توجد أي شخصية مشتركة بين الروايتين، بل ولا تتفقان إلا في الخلفية المكانية، مدينة الرياض. لا نستطيع أن نعتبر الأعمال الروائية المتشابهة في الطابع السردي، أو التكنيك الفني أعمالاً مكملة لبعضها، ولو فعلنا ذلك لاختصرنا أعمال روائيين كبار إلى روايتين أو ثلاثة لكل منهم فقط. للكاتب عموماً طابع سردي يغلب على يده، وقلمه. وليس من الغالب أن يخرج الكاتب بطابع سردي جديد في كل عمل يطرحه، لأنها هذا يمنعه من التعمق في خطه الروائي الذي اختاره، ويجعله مسكوناً بهاجس التجديد، والتجديد فقط، فيخرج بأعمال مختلفة الألوان، ولكنها سطحية المضمون.

صوفيا لم تكن مختلفة عن الروايتين كثيراً، الفارق أن أجواءها كانت جنائزية بعض الشيء، وليست عاطفية. كما أن أحداثها وقعت في بيروت، بعيداً عن الرياض. وربما هذا ما جعلها تبدو غريبة عن النسق المعتاد، ولو أن صوفيا قُرئت قبل السقف، والطوق، لربما لم تبد نافرة عن النسق المعتاد في كتابتي.

هل صحيح ما تم تداوله بالصحافة أن رواية صوفيا بالبداية تمت مصادرتها وإبعادها عن التوزيع بالسعودية ولماذا؟

لم أسمع أبداً أن أياً من رواياتي تمت مصادرته عنوة في السعودية، وبشكل لافت للانتباه. ربما كانت مجرد حالات فردية، في مكتبات معينة، أو منافذ قليلة في المطارات. ولكني لم أسمع أن أياً منها أيضاً حصل على فسح توزيع. أنا بعيد عن السعودية منذ سنتين تقريباً، ولكني أعتقد أن (سقف الكفاية) متوفرة في المكتبات الكبرى في السعودية، حسب ما أسمعه من القراء المتواصلين.

عرفناك شاعراً متوهجاً ورومانسياً على خلاف بيئتك الجافة التي خرجت منها، فما الذي قلبك إلى روائي؟ وأيهما أقرب لك الشاعر محمد أم الكاتب؟

وطني ليس جافاً يا عزيزي، والذي يشعر أنه كذلك ربما كان يعاني من مشكلة في التواصل بين الأرض والجذور. الوطن لا يمكن التطويح به في معادلات الخصب والجفاف، لأنه حالة سيادية جينية في داخل الروح، لا يمكن إلغاء شرعيتها بالسفر.

الشعر والرواية، وكذلك القصة القصيرة، كلها أجناس كتابية أمارسها بأمزجة مختلفة. وفي العموم، أنا مقلّ في كتابة الشعر والقصة القصيرة، ولا أكاد أكتب طوال السنة أكثر من قصيدة، أو قصة. ذلك لأن القصيدة حالة قولية لا أطلبها، ولكنها تقع عليّ دون اختيار لزمانها ومكانها، فأكتبها منقاداً لقوانينها الشعورية، وأنشرها في موقعي كما هي، دون أن أضمّنها في نية كتابية مسبقة. كذلك هي القصة القصيرة، خاطرة فوتوغرافية من كواليس الحياة الخلفي الشفاف. أكتبها عندما أراها أمامي، متجلية في صورة لا يمكنها أن تظل عابرة. أما الرواية، فهي باختصار، مشروع. والمشاريع تتطلب العمل الدؤوب، والمنظم، وإلا فإنها لا تكتمل أبداً. أجزم أن أغلب الأعمال الروائية التي لا ترى النور عولمت من قبل كاتبيها كما تعامل القصيدة، والقصة، وظلت في انتظار الحالات الكتابية طويلاً، حتى جفت.

تكتب مقالاً في جريدة الوطن السعودية وقد سبقته تجارب كتابية بعدة مطبوعات، ألا ترى أن الكتابة الصحفية محرقة للمبدع وتأخذ وقته؟

ليس بالنسبة لي، لأني أنظر للكتابة المقالية على أنها مشروع مستقل عن الكتابة الأدبية والفنية، ولا يمكن لمشروعين مستقلين أن يستهلكا من الموارد نفسها، فلكل منهما مورد مستقل، ولا يمكن أن يأكل أحدهما من نصيب الآخر.

ألا ترى أن كتابة المقال لكاتب بالعقد الثالث من العمر تجربة فيها شجاعة حيث أن الكتاب يكللون تجاربهم بكتابة مقال بعد تاريخ طويل من الإبداع لكنك أنت صاحبت تجربتك بمقال منذ البدايات؟

الكتابة المقالية بدأت معي قبل أن أفكر في الكتابة الشعرية أو الروائية، إلا أني لم أنشر مقالاتي بشكل منتظم إلا مؤخراً. على أي حال، أعتقد أن الجدل حول علاقة العمر بالكتابة أصبح قديماً جداً، وغير قابل لإعادة الطرح مرة أخرى.

ذات حوار معك قلت بأن رواية بنات الرياض مهمة جداً وربما كانت الأهم في هذه المرحلة وبأنها عمل ثقافي أوسع من العمل الأدبي. ماذا كنت تقصد بالضبط؟ وهل ترى أنها تفوقت عليك وعلى تجارب أحمد أبو دهمان وعبده خال وتركي الحمد؟

كنت أقصد أنها عملٌ ثقافي لأنها حرّضت المجتمع على إعادة مساءلة الكثير من مسلماته الثقافية عن طريق مصادمته بحالات أفراده، وهذا فعلٌ ثقافي، يتعدى الفعل الأدبي الذي يدور غالباً في محيط فني، فلسفي، وجداني، وذاتي، ولا يتعداه إلى المحيط الثقافي إلا قليلاً، وذلك لأن الوصول إلى المحيط الثقافي ليس قرار الكاتب فقط، بل هناك العامل الأهم، وهو: تفاعل القارئ. يستطيع أي كاتب أن يسمي عمله عملاً فنياً وأدبياً حتى لو لم يقرأه أحد، ما دام مستوفياً شروط الذائقة النسبية، أما إذا أراد أن يعتبر عمله عملاً ثقافياً، فعليه أن يحصل على موافقة القارئ بذلك، مستدلاً بأثر الرواية الفعلي على المشهد الثقافي، وبالسؤال: هل غيّرت شيئاً؟ بغض النظر عن إيجابية هذا التغيير، أو سلبيته، لأنها مسألة نسبية يختلف فيها الناس، ولكن إحداث الحراك بحد ذاته من شروط العمل الثقافي.

أما عن مسألة التفوق، والأفضل والأجمل، فهذه ليست مسألة يمكن قياسها برقم، وتسجيلها في أرشيف. لكل قارئ حقه المستقل في أن يحدد قائمته المفضلة من الأعمال، حسب مزاجه القرائي، المرحلي. ولا أعتقد أن ثمة كاتب حقيقي، وناضج، يهتم بهذه التفضيلات، أو يحفل بها. لذلك، فهي غالباً أدوات للمضغ الإعلامي، الاستهلاك الصحفي فقط.

قلت أيضاً أن معظم النقد على رواية سقف الكفاية كان حول قصص الحب وحول صغر عمرك آنذاك لذلك تشكل جدل ثقافي كبير، هل الجدل الثقافي يكون بالعمر وماهية الكتابة أم بأشياء أعمق. وكيف استنتجت ذلك؟

بالإطلاع على القراءات النقدية التي تناولت (سقف الكفاية)، يمكنك بسهولة أن تلاحظ تمحور النقد حول العمر، وقصة الحب. ولكنه لم يقتصر على ذلك فقط، إذ تعداها في دراسات نقدية اكثر تعمقاً إلى تداخل السردي بالشعري، وبدايات تكون جيل من الكتاب الذين يساءلون موروثاتهم بشكل أكثر جرأة، وأحد طرحاً.

هل صحيح أن لديك أعمال أخرى ومخطوطات لرواية جيدة ما زلت تحتفظ بها ومتى ستفرج عنها؟

دائماً عندي أعمال غير مكتملة، ليس منها ما هو جاهز للنشر الآن. وعلى أي حال، لم يمر على صدور (طوق الطهارة) أكثر من ثلاثة أشهر. عادةً ما يستغرقني العمل الروائي ما معدله سنتين من الكتابة البطيئة.

الناقد محمد عباس وصف روايتك بأنها أطول رسالة حب ورددت عليه بأنها مزحة ثقيلة، ماذا لو كان جاداً ولم يكن يمزح ماذا سيكون ردك؟

الصحيح أنه قال أنها أطول رسالة (ترقيم)، وليس رسالة حب. وأنا ربما أتفق معه أنها رسالة حب، من بعض جوانبها الفنية، ولكنها ليست رسالة (ترقيم)، ولو كان جاداً في ذلك، عندها سأقول له أنه كان مخطئاً في تخرصه، والسلام، لأن (سقف الكفاية) كانت تتناول في سطورها ذلك التشظي النفسي الذي بلغ حداً من الفجيعة لا يلتفت معه إلى (الترقيم)، وعواقبه الظريفة.