arrow-leftarrow-rightaskfmemailfacebookgoodreadsinstagramtwitter
العودة إلى المقالات الإعلامية

الروائي السعودي محمد حسن علوان

الكتابة حاجة وجدانية عميقة

مجلة سيدتي

حوار/ أسماء وهبة

لماذا تسمية القندس؟ هل أردت بهذا الاسم أن ترمز إلى خلاص من نوع ما؟

لأن القندس هو الرمز المحوري الذي قامت عليه الرواية عن طريق المقاربة التي قام بها بطلها، غالب الوجزي، بين السلوك الاجتماعي لأفراد عائلته المفككة في الرياض وحيوان القندس الذي يرتع في أنهار ولاية أوريغون الأمريكية.

اختيار العناوين ليس خلاصاً ولا استسلاماً، إنه مجرد محاولة لتقديم الرواية إلى قارئها عبر كلمة أو كلمتين تكون الأكثر تعبيراً عن الصفحات التي تلي الغلاف. لا يوجد – باستثناء الدور الفني – أي أبعاد لاختيار هذا العنوان تحديداً.

قيل أن هذه الرواية لم تخرج بجديد عن سابقاتها ”طوق الطهارة“، ”صوفيا“، و”سقف الكفاية“ من ناحية كثافة السرد والصور واستجرار الحديث عن الذات والغوص في الخصوصية في الفردية؟

الأحرى قوله هو أن الرواية لم تخرج عن أسلوبي أنا كروائي، والطريقة التي أحب أن أكتب بها حسب قدراتي المتواضعة وتطلعاتي المختلفة ورؤاي التي تتغير بين مرحلة وأخرى. أما التشابه مع الروايات السابقة فهذا ما لم ألمسه شخصياً، ومن يقول ذلك فهو في الغالب يملك ذائقة قرائية لا تميل لهذا النمط من الكتابة وهذا النوع من الروايات فتبدو له كلها متشابهة. في المقابل، توجد شهادات نقدية متعددة توضح الفرق – ليس بين هذه الرواية وسابقاتها فقط – بل وبين كل رواية صدرت لي على حدة.

كيف قدمت العائلة السعودية من خلال رواية ”القندس“؟ وعلى أي أساس رسمت هذه التركيبة العائلية؟

لم أقدم العائلة السعودية بل قدّمت ”عائلة“ سعودية واحدة. إن الزعم بأن صورة روائية ما يمكن تعميمها على مجتمع بأكمله هو زعمٌ جريء وحريّ بالخطأ والقصور. لقد حاولت رواية (القندس) تسليط الضوء على حالة عائلة الوجزي عبر ثلاثة أجيال كما رآها ابنهم غالب، وبالتالي فإن آراءه حول عائلته تمت صياغاتها بناءً على رؤيته للحياة، ونظرته لما حوله، وبالتالي فهي آراؤه الشخصية كبطل يعاني من تراكمات نفسية سيئة بسبب نشأته وسط عائلة مفككة وفي ظروف متقلبة.

قدمت في رواية ”القندس“ صورة الرجل الأربعيني التائه الذي يتلمس ماضيه ويتساءل عن باقي مستقبله. هل هذه مرحلة التحولات في العمر الإنساني التي تجمع بين العطاء والفقد والأمل واليأس أم ماذا؟

الأربعون، كما يقول علماء النفس، هي العمر الذي يعاني فيه كثيرٌ من الرجال بما اصطلح على تسميته أزمة منتصف العمر، ولهذه الأزمة توصيف علميّ موثق. وقد حاولت الرواية إسقاط هذه الحالة على بطلها دون أن تصرّح بذلك، بل تدع مسارات الرواية وحدها تصف كيف يمكن أن يتصرف رجل بهذا الماضي في هذا العمر في ذلك البلد. ونحن في حياتنا اليومية، كثيراً ما نصادف أشخاصاً بأطباع وسلوكيات نختلف في تعاطينا معها، ولكن قليل منا من يفلح في فهم دور الأزمات النفسية والمراحل العمرية في سلوك الآخرين.

الانطباع الأول لقارئ الرواية أن البطل هو المكان وليس الإنسان حيث الحديث المستفيض عن الرياض وجدة وبورتلاند التي سافر إليها البطل. هل هذا صحيح؟ وكيف هي علاقتك كروائي بالأمكنة؟

المكان يلعب أدواراً مركزية في كثير من الروايات ومنها رواياتي. لا أزعم أنه يصل إلى دور البطولة، فالإنسان في عوالمه الوجدانية والنفسية ما زال الثيمة الروائية الأساس في رواياتي. غير أني كثيراً ما أسقطت المكان على الإنسان، إما عن طريق إثقاله بالإرث الاجتماعي لمكانه أو ترحيله إلى حيث يعيد ترتيب ذاته في مكان محايد. وأنا كشخص عاش في أكثر من مجتمع لفترات مطوّلة أجد نفسي منجذباً نحو تقصّي أثر المكان على النفس والشخصية، وهو ما أحاول طرحه في رواياتي.

بين الوطن والغربة: كيف يكتب محمد حسن علوان؟

يكتب مستغلاً ما تتيحه تلك الحالة من المقارنة بين رؤيته لوطنه من الخارج واستجلابه لذكرياته في الداخل. الكتابة في الغربة – رغم استدرارها للوجع والبرد – إلا أنها تتيح لنا عرض رؤانا على واقع جديد ورؤيتها بزوايا لم تكن ممكنة في الوطن. كتبتُ روايتين من رواياتي في السعودية وهما (سقف الكفاية) و(صوفيا)، وكتبت أخريين في الغربة وهي (طوق الطهارة) التي كتبتها في أمريكا، و(القندس) التي كتبتها بين الرياض وأبو ظبي وكندا.

كيف تلقيت ترشيح روايتك إلى جائزة البوكر العربية؟

تلقيته كما تُتلقى البشائر، سعدتُ بذلك وتمنيت أن يكون في ذلك فرصة للرواية أن تصل إلى قراء أكثر، يقرأون ويعلّقون ويتواصلون معي بما يثري تجربتي ويحقق لي أحد محفزات الكتابة وهي التواصل.

حصد عبده خال ثم رجاء عالم جائزة البوكر، فبأي نفس أدبي يكتب الروائي السعودي نصه؟

لا أقارن نفسي بهذه الأسماء الجميلة، وأظن أن لكل منهما تجربته التي تميزه. ولكني أعتقد أن استحقاقهما للبوكر جاء من تشبثهما بتلك الدوافع الذاتية للكتابة وهو ما أحاول أن أتشبث به أيضاً. رجاء عالم ذكرت مرة أنها تكت عن مكة المكرمة لأنها تعتقد أنها الوريثة الوحيدة لهذه المدينة، وعبده خال يكتب لأنه – كما يقول – يجد في ذلك متعة ذاتية. كلاهما وقف على محفزه الذاتي للكتابة وتشبث به، فالكتابة تستمد طاقتها من ذاتها، والكتابة سعياً لما هو خارج الكتابة غالباً لا ينتج عملاً صادقاً يتماهى معه القراء بعمق.

ما الذي تغير في الرواية السعودية؟ وما الذي تغير في الروائي السعودي خلال السنوات الأخيرة؟

اكتسبت الرواية السعودية التصاقاً أقوى بواقعها المعاصر بعد أن كانت أقرب إلى نسخ كلاسيكية من روايات كتبت خارج حدود المجتمع. في السابق، كانت القصة عربية والمسميات والأشخاص فقط هم المحليون. الآن أصبحت الرواية أكثر تفهماً لدورها في عكس المجتمع مثل مرآة دون أن تكون محملة بالرسائل الوصائية. الروائي السعودي يراكم تجربته بشكل سريع ويحاول أن يختصر المسافات الطويلة التي سبقته بها روايات المشرق والمغرب، وتعينه على ذلك ما يقدمه له المجتمع من مبررات الكتابة الروائية كتسارع وتيرة التغيير واحتدام أسئلة المصير والوجود والأخلاق.

لمن يكتب محمد حسن علوان؟

له نفسه أولاً، فالكتابة بالنسبة لي حاجة وجدانية عميقة أجدني مضطراً إليها ولو لم يقرأ لي أحد. ثم بعد ذلك لكل قارئ يجد في الرواية ما يستحق أن ينفق عليها بعضاً من وقته، ويجرب حظه مع روائي مثلي.

ماذا بعد ”القندس“؟

مجرد فكرة تحاول أن تتبلور بما يكفي لدفع عجلة الكتابة. أتمنى أن يتحقق ذلك سريعاً، لأن الأفكار التي يطول مكثها في الذهن ولا تخرج إلى الورق تتحول إلى طنينٍ مزعج!