arrow-leftarrow-rightaskfmemailfacebookgoodreadsinstagramtwitter
العودة إلى المقالات الإعلامية

الروائي السعودي محمد حسن علوان

الرواية هي المشروع المحدد لهويتي الكتابية

صحيفة عمان

حوار/ إيهاب الملاح

هي الرواية الرابعة للروائي السعودي الشاب محمد حسن علوان، وإحدى الروايات الست في اللائحة القصيرة للبوكر العربية 2013. تدور أحداث الرواية حول شاب سعودي مأزوم، مهاجر، يعاني من اضطراب وتفكك روابطه العائلية، مستعيدا من خلال يومياته وتداعي الذكريات، مسيرة هذه العائلة، فوالدته تركته وهو طفل، وأبوه كان مصدر إزعاج وقلق دائم له بسلوكياته وأطواره التي لم يرض عنها مطلقا، مسببا له آلاما نفسية ترسبت عميقا في داخله وحددت له مسارات في الحياة شابها الكثير من السلبية والخواء، متخذا من حيوان «القندس» معادلا رمزيا لرحلته مع عائلته، رابطا بين سلوك الحيوان وبين رحلة تداعي الذاكرة بما ناءت به من تفاصيل مع أفراد أسرته.

محمد حسن علوان، روائي وكاتب سعودي شاب، ولد في الرياض سنة 1979، صدرت له أربع روايات: «سقف الكفاية» 2002، «صوفيا» 2004، «طوق الطهارة» 2007، «القندس» 2011. كتب مقالة أسبوعية لمدة ست سنوات في صحيفتي (الوطن) و(الشرق) السعوديتين. ونشرت له صحيفتا (نيويورك تايمز) الأمريكية و(الجارديان) البريطانية مقالات وقصص قصيرة.

تم اختياره عام 2010 ضمن أفضل 39 كاتبا عربيا تحت سن الأربعين، وأدرج اسمه في أنطولوجيا (بيروت 39). رشحت روايته «القندس»، الصادرة عن دار الساقي، ضمن القائمة القصيرة في الجائزة العالمية للرواية العربية (بوكر 2013) من بين 133 رواية مشاركة على مستوى العالم العربي. يحمل شهادة الماجستير في إدارة الأعمال من جامعة بورتلند في الولايات المتحدة الأمريكية، وبكالوريوس نظم المعلومات من جامعة الملك سعود بالرياض، ويعمل مديراً لشركة استثمارات في مدينة الرياض..

استهلال تقليدي لكنه ضروري.. كيف تعرف القارئ العربي خارج السعودية بنفسك، في إطلالة مكثفة وكاشفة عن أهم المحطات والتحولات البارزة في تجربتك؟

بداية ودون القفز على التسلسل المنطقي للأحداث، فإنني أعتقد أن أكثرها «مفصلية» بالنسبة لي كانت تجربة نشر الرواية الأولى «سقف الكفاية» وأنا في الثالثة والعشرين من عمري، وكان يتوجب عليّ حينها أن أتكفل بمصاريف طباعة الرواية كاملة بسبب عدم قناعة ناشرها الأول بجدواها. عالجت الرواية قصة حب في مدينة الرياض خلفت وراءها رجلًا ملتاثًا بهذا الحب ومتعلقًا به بشكل مرضيّ. مفصلية هذا الحدث كمنت في كوني أنا نفسي كنت غير مقتنع بجدوى نشرها، ولم أكن أتصور أن يتجاوز قراؤها محيطي القريب من الأصدقاء والمعارف. أما بعد نشرها، فقد تشكلت لديّ رغبة جدية في خوض هذا المضمار وأن أعدّ كتابة الرواية مشروعاً يحدد هويتي الكتابية. بعد ذلك، أظن أن نشر أي رواية لي شكّل لحظة مفصلية لأن نشرها يشكل ختاماً لمخاض كتابتها الذي يستغرق عادة سنتين من العمر. أما عن البدايات، وعودة للتسلسل الزمني للوقائع في ما يخص اشتغالي بالأدب، فشأني شأن كثيرين بدأوا رحلتهم مع الكتابة من خلال «الشعر»، فلقد بدأت الكتابة شعراً، وقضيت سنوات مراهقتي ويفاعي أكتب الشعر فقط حتى شعرت يوماً أن ما يختلج في داخلي أكثر تعقيداً من أن تختزله قصيدة ما، وشعرت أن لديّ نزعة لتفسير الأشياء وتفكيك الحالات بدلاً من البوح بها شعرياً، فجاءت الرواية كبديل مناسب راهنت عليه، ثم وجدتني تدريجياً أنسحب من الشعر وأنشغل بالرواية، فكتبت روايتي الأولى «سقف الكفاية» عام 2002، ثم كتبت بعدها رواية «صوفيا» التي صدرت في عام 2004 وتحكي علاقة بين فتاة لبنانية مسيحية على وشك الموت وشاب سعودي مسلم، أدى لقاؤهما تحت مظلتي الموت والحب إلى تصادم فلسفي كبير اهتزّ به بطل الرواية. بعد ذلك كتبت «طوق الطهارة» التي صدرت عام 2007 وتحكي عن شاب تعرض لتحرشات جنسية في طفولته أدّت إلى اختلال نظرته للعلاقات العاطفية في يفاعه، لتأتي بعد ذلك رواية «القندس» الصادرة عام 2011 عن دار الساقي.

روايتك الأخيرة «القندس» إحدى الروايات الست المرشحة لجائزة البوكر العربية لهذا العام، وصدرت طبعتها الثالثة منذ فترة قصيرة.. ربطت بين حياة بطلها المأزوم وبين حياة حيوان «القندس» الذي يحيا متنقلا بين ضفاف الأنهار وأغوارها في علاقة موازاة رمزية يكشفها سرد الرواية.. فلماذا «القندس»؟

«القندس» حيوان نهري ينتشر في مناطق من أوروبا وشمال أمريكا، ويشتهر بالسدود التي يبنيها في عرض النهر لحماية عائلته. بطل «القندس» شاب أربعيني لم يأخذ نصيبا معقولا من أي شيء؛ لا الدراسة ولا العائلة، لا الحب أو الزواج، وتعرض الرواية لعلاقة الكثير ممن أطلق عليهم اسم أمهات بالصدفة مع أولادهم والتوتر الذي ينشأ بين أفراد العائلة والإخوة بعضهم بعضا. وبطول المسافة بين مدينة الرياض في السعودية ومدينة بورتلاند الأمريكية٬ يخوض بطل الرواية «غالب الوجزي» رحلة عكسية في تاريخ عائلته يمر خلالها بسيرة ثلاثة أجيال من تاريخ أسرة «الوجزي» التي نشأ في كنفها نشأة مأزومة بين أبوين منفصلين وإخوة لا يجمع بينهم إلا حيطان البيت. يفر «غالب» من مدينته في خيبة الأربعين إلى مدينة بعيدة في هجرة اختيارية يحاول أثناءها ترميم ذاكرته بالقصص المبتورة مستعينا بحيوان «القندس» الذي رافقه أثناء رحلات صيد السمك على ضفة أحد الأنهار بالولاية. تتداخل معه أثناء ذلك علاقته الملتبسة بعشيقته التي ظلت تزوره كلما استطاعت أن تغادر زوجها في أماكن مختلفة بين مدن العالم لسنوات طويلة.

بعد ما حققته «القندس»، من نجاح لافت، هل تعتبر أنها خطت بالرواية السعودية في طريق المزيد من مواجهة إشكاليات المجتمعات العربية بشكل عام والسعودية بصفة أخص؟؟

رواية «القندس» لم تحقق بعد، في ظني، ما أشرت إليه في سؤالك من (نجاح لافت)، أو ما أتمنى أن يكون، فما زلت أتمنى أن تصل إلى قارئها ويحقق حضورها طرحاً روائياً مثمراً. لا أزعم أن الرواية حركت راكداً أو فتحت باباً جديداً لم يفتحه أحدٌ قبلي من الروائيين السعوديين.. فالرواية السعودية في مجملها، إضافة إلى محاولاتها الحثيثة في الكشف عن تناقضات الواقع والتعرض لإشكاليات المجتمع العربي في جوانبه الاجتماعية والسياسية والثقافية، تسعى أيضا إلى مواكبة تغيرات مجتمعها بدأب، وكتابها كما هم قراؤها يطرقون باب الرواية بشغف متزايد جيلاً بعد جيل. وما سبقت إليه الرواية السعودية من طرح لا يجعل ما جاء في «القندس» مختلفاً بشكل جذري، ولكنها محاولة جديدة من محاولات حمل المرآة أمام المجتمع لنرى ما نغفل عن رؤيته أحيانا.

ما تعليقك على ردود الأفعال «النقدية» حول الرواية.. هل كانت مرضية بالنسبة لك؟

لم يتراكم حتى الآن خطاب نقدي كاف حول الرواية بما يرضي رغبتي في رؤية الرواية تأخذ دورها في الجسر الفكريّ الذي نحاول بناءه كروائيين مع واقعنا ومجتمعاتنا. أغلب ما كتب عن الرواية لم يكن إلا قراءات نقدية تهدف إلى تعريف القارئ بالرواية محملة بالآراء الانطباعية لكاتبها. لم يكن هناك إسقاط لنظريات نقدية على الرواية ولا تحليل مبني على أسس بحثٍ منهجية.. سواء من الجانب السعودي أو من غيره.

هل تعتبر هذا تقصيرا من النقاد إزاء الأعمال والروايات الجديدة؟

ليس تقصيراً من النقاد، ولكن التعاطي النقدي مع الأعمال الأدبية يحتاج إلى بنية ثقافية في المجتمع تمنح الناقد عائداً كافياً ليستثمر وقته وجهده وعلمه في نقد الروايات. وهذا ما ليس متوافراً بشكل كاف في مجتمعاتنا العربية، وبالتالي تكاد تكون أغلب القراءات جزءا من العمل الصحفي. بطبيعة الحال، ألمس مقروئية أعلى لرواياتي داخل السعودية، غير أن الحدود بين الدول العربية آخذة في الاضمحلال حتى صار يصعب علينا أن نحدد جنسية رواية فضلا أن نعرّف بقارئ سعوديّ أو عربيّ. الأدب بطبيعته عابر للثقافات ولا يتمنى كاتبٌ أكثر من أن تحمل كتابته بعداً إنسانياً عاماً غير قابل للتصنيف الجغرافي أو السياسي أو الأيديولوجي.

كيف ترصد المشهد الروائي في السعودية حاليا وكيف تقيمه؟

أبرز ما ألاحظه على المشهد الروائي السعودي هو حيويته المنوطة بإعادة انبعاث الأمل وتجدد الدماء فيه.كل يوم تطرق باب المشهد مجموعة من المحاولات الروائية التي تعكس – بغض النظر عن مستوياتها الفنية – شغفاً متزايداً بهذا النوع الأدبي لا يتأتى إلا من اشتعال فكري ودقة متزايدة في ملاحظة تفاصيل الواقع وتغيراته. أصبحت كتابة الرواية تشكل هاجساً لدى الكثير من الكتّاب وكأن ما يعتمل في دواخلهم من رؤى لا تتسع له إلا روايات مطولة. وبعيداً عن أسماء بعينها أريد أن أسلط الضوء على عدد الروايات الأولى التي تصدر سنوياً من كتاب لم يسبق لهم النشر مقارنة بما يصدره كتاب مخضرمون.هذه المقارنة تشير بوضوح إلى أن الرواية تنتشر بشكل أفقيّ ضروري قبل أن تغوص في العمق وتجذّر نفسها كتجربة إقليمية ذات طابع خاص. لا يمكن أن تنجح الرواية في أي مشهد أدبي ليس في شريحة قرائية واسعة وشريحة من الكتاب المخلصين للعمل الروائي. حتى الآن هذا قيد التشكل في السعودية وإنما بدأب وبشكل واعد. وأنا لا أصف نفسي إلا كواحد من المحاولين، وأجدني أطرح المحاولة تلو الأخرى في سبيل خلق الأثر وإثراء هذا العمل الجماعي وتمكين الرواية من لعب دورها الصحيح والبناء في تدوير عجلة الأفكار داخل المجتمع وليس نُكء جراحه وجلده ذاتياً فقط.

وما موقع الروائي الشاب ضمن هذا المشهد؟

كتّابٌ كثيرون أسهموا عبر التاريخ في تغيير مسارات مجتمعات بأسرها.. ولست منهم. ما أحب أن أشير إليه هنا هو الأثر الجماعي للكتابة بشكل عام بغض النظر عن الأثر الفردي لكاتب أو كاتبة بعينهما. الكتابة متى تموضعت في مكانها الحقيقي داخل المشهد الثقافي لأي مجتمع، فإنها لا تأتي إلا بخير، وإن بدا للبعض أنها تثير الغبار أو تحرض إلى السائد. شيوع الكتابة ممارسة وتعاطياً في أي مجتمع دليل على حالة نشطة من التفكير والتواصل والتعايش تحسد المجتمعات بعضها بعضاً على مثلها.

ماذا تعني الكتابة لك؟ وماذا تمثل من ضرورة؟

الكتابة بالنسبة لي شخصياً تشكل آلية ضرورية في التعاطي مع الحياة. أن أكتب، لا يعني أن أصنع عملاً أدبياً مقروءاً فحسب. بل يتعين علي قبل ذلك أن أفكر ككاتب، وأنظر إلى ما حولي ككاتب، وهو ما يستوجب ترويض العقل ليكون أكثر حدة في تقليب الراكد وتعديد زوايا النظر واستنطاق السائد وطرح الأسئلة. هذا ما أسعى إلى عمله، ووصوله إلى قارئه ليس بيدي، ولكني أتمنى أن تكون رواياتي مسهمة في تخصيب المشهد الأدبي بشكل عام مع مئات الروايات الأخرى دون أن يكون لها رسائل مباشرة أو مبطنة.

ردود الأفعال تجاه الرواية تشير إلى احتفاء الأوساط الأدبية والنقدية، لكن على مستوى الجمهور وتلقي القراء لها، هل هناك اختلاف بين «القندس» وأعمالك السابقة من هذه الزاوية؟

ـ مقارنة بالروايات السابقة، لم تكن ردود الأفعال تجاه «القندس» أكثر مما سبقها. في الغالب، فإن رواياتي يفصل بينها فاصل زمني يتراوح بين سنتين إلى أربع سنوات، وبالتالي فإنه عندما تطرح رواية جديدة تجد لديها قارئاً مستعداً للمراهنة عليّ مرة أخرى ولو من باب الفضول. أعتقد أنه كان للبوكر دورٌ في تكثيف مقروئية الرواية حتى الآن وهذا شأن محمود.

وحال فوزك بالجائزة.. هل سيتغير الأمر؟ ماذا تتوقع في هذه الحالة؟

أتمنى أن يكون حافزاً. ثمة شواهد كثيرة شكلت فيها الأضواء عائقاً أمام الكاتب وأثقلته بهاجس مراقبة ردود الأفعال وتصورها مسبقاً. ولكني أستعين على ذلك بولعي الشخصي بالكتابة كممارسة بغض النظر عما يأتي بعد عملية النشر. أحاول دائماً أن أفصل بين الكتابة كعمل ذاتي يأتي استجابة لحاجتي الروحية لها، وبين حيثيات الكتابة من نشر ونقد واحتفاء وجوائز، وغير ذلك. لا أنكر أثر كل حالة منهما على الأخرى، غير أن الفصل بينهما ضروري حتى لا يفقد الكاتب بوصلته الذاتية ويتحول إلى مستجيب آلي للأضواء. حتى الآن أزعم أني قطعت مشواراً جيداً في هذا الفصل، غير أن الانتكاسات تأتي بين حين وآخر، كما يحدث عندما تقرأ نقداً قاسياً مكرراً من عدة أطراف فنشعر بإحباط مؤقت.