arrow-leftarrow-rightaskfmemailfacebookgoodreadsinstagramtwitter
العودة إلى المقالات الإعلامية

الرواية ليست النافذة الوحيدة التي تكشف المسكوت عنه

صحيفة روز اليوسف

حوار/ خالد بيومي

«رأيت في الرواية فسحة أكبر لتفكيك الأفكار المتداخلة في مساحة واسعة.. بعكس الشعر الذي يأتي كنفحة كثيفة من المشاعر.. لا يمكن ولا يستحب أحياناً تفكيكها وتأويلها»… هكذا تحدث الروائي والشاعر السعودي محمد حسن علوان في حواره مع «روزاليوسف» الذي تحدث فيه عن روايته «القندس» التي وصلت للقائمة القصيرة بجائزة البوكر العالمية للرواية العربية، كما يكشف بإنصاف جهود المملكة العربية السعودية في الانفتاح المدروس الذي لا يضرب بثقافة المجتمع عرض الحائط، وأوضح أسباب اتجاه المبدعين السعوديين لطباعة ونشر أعمالهم خارج المملكة… فإلى نص الحوار.

كتبت ونشرت رواياتك في بداية عقد العشرينيات.. ماذا عن فاتحة النص الذي ورطك في عالم الكتابة؟

أحياناً أفكر أن الكتابة قدرٌ لا يمكن تفاديه في حياة الكتّاب. إنها ليست مسعي من مساعي الحياة العادية التي يسلكها الناس بالتجريب كالوظيفة والدراسة، بل شيء يقطع طريقنا في مرحلة ما من العمر ليعدل مساره بأكمله. أكثر ما يوثق قناعتي بذلك تأملي للكتّاب وفيهم من أشقته الكتابة ومن أسعدته، مما يدل علي أنه ليس منهم من كان يملك قرار دخول هذا العالم، بل وجد نفسه مدفوعاً إليه بيدٍ خفية، وأسيراً فيه بجاذبية أبدية.

كنتُ أكتب الشعر قبل ذلك ولم أفكر في الرواية، ولا أعرف تحديداً ذلك المنعطف الذي اتخذته نحو كتابة الرواية. ربما كان ازدياد معدل قراءتي للرواية مقابل الشعر، وربما تحديداً قراءتي لبعض الروائيين الذين أتوا إلي الرواية بعد شعر، فحضرت اللغة في رواياتهم كمكوّن أساسي. وفي جميع الأحوال، رأيت في الرواية فسحة أكبر لتفكيك الأفكار المتداخلة في مساحة واسعة بعكس الشعر الذي يأتي كنفحة كثيفة من المشاعر لا يمكن ولا يستحب أحياناً تفكيكها وتأويلها.

روايتك «القندس» أثارت الجدل وخاصة بعد وصولها للقائمة القصيرة لجائزة البوكر هذا العام.. ما الرسالة التي تقدمها الرواية؟

لا أؤمن بأن الرواية يجب أن تكون حاملة رسائل. الرواية في أول المطاف وآخره عملٌ فنيّ لا يجب أن يلتفت إلا لشروط الفن وملاحقة الذائقة الرفيعة ودهشة الحلم والأفكار والإمتاع. غير أن رأيي هذا لا ينقص قدر آراء أخري لكتاب آخرين يرون في الرواية أداة للتغير والتنظير والتوجيه وغير ذلك. وعن روايتي (القندس) تحديداً، لا يوجد رسالة.. ولكن محاولة لتسليط الضوء علي حالات اجتماعية بزوايا فنية معينة، ومتي ما تحققت المتعة لدي قارئها فإن رسالتي من الرواية تكون قد تحققت تماماً.

هناك من يري أن سبب شهرة الرواية تعريتها للمجتمع السعودي وكشف المسكوت عنه.. ما رأيك؟

رواية (القندس) ليست بتلك الشهرة التي تحدثت عنها في سؤالك، وأرقام توزيعها وحضورها في المشهد الأدبي متسقة مع معدلات الروايات التي سبقتها. أما عن تعرية المجتمع وكشف المسكوت وغيره فذلك شأن أعتقد أن الزمن بدأ يتجاوزه.. فلم تعد الرواية هي النافذة الوحيدة التي يُكشف من خلالها المسكوت في ظل ثورة المعلومات. الروايات التي تسعي للإثارة السريعة لها تصنيف مستقل بدأ وعي القارئ يضعها فيه، فيتجه إليها أنصارها دون أن يخلطوا بين الأصناف الأخري. وعن رواية (القندس) فليس من محتواها ما يمكن أن يعده قارئ مطلع علي المشهد الروائي العربي مسكوتاً عنه، إنها -كما ذكرت- محاولة لتناول حالات اجتماعية موجودة في كل مدينة.. والبقية محاولة لارتكاب الفن، لا أكثر.

ماذا عن إشكالية الرجل المبدع مع امرأة الجزيرة العربية المتمسكة بعاداتها وتقاليدها المحافظة برأيك؟

المبدع والمبدعة أنفسهما قد يكونونان محافظين أو غير محافظين. أيضاً، المحافظة في السعودية ليست شأناً جذرياً يختص بالمرأة دون الرجل، إنها ثقافة مجتمع تشكلت وفق ظروفه الثقافية والحضارية والاجتماعية، وهي ثقافة لها ما لها وعليها ما عليها. إذا لا وجود هناك لإشكالية بهذا الشكل المحدد الذي طرحته في سؤالك، ولكن لدي المبدع دائماً إشكاليات مع مجتمعه لأن أغلب ما يدفعه نحو الإبداع هو حالة الأزمة الشعورية التي تحتاج إلي إشكال يقدحها. المحافظة في السعودية مثل غيرها من المجتمعات العربية هي نمط ثقافي له أنصاره وخصومه، والمبدع -سواءً كان من الأنصار أو الخصوم- سيكون له بالتأكيد ما يقوله بهذا الشأن من خلال إبداعه.

هل أنت موجود برواياتك بشكل ما؟

موجودٌ فيها روحا ورؤية وحزناً، ولست موجوداً فيها حقيقة وواقعاً وسيرة. أنا من الذين يرون فارقاً كبيراً بين الرواية والسيرة الذاتية رغم تشابههما في الشكل، ولا أعتزم كتابة سيرة ذاتية في هذه المرحلة ما دام ليس لدي ما يقال.

هل تري أن السلطات السعودية تدعم الانفتاح الثقافي بكل أنواعه أم تقف سداً منيعاً في وجهه؟

أظن أن المتابع المنصف لجهود الحكومة السعودية مؤخراً للانفتاح المدروس لا يمكن أن ينكر ذلك. لاحظ أن الانفتاح لا يعني بالضرورة أن نضرب بعرض الحائط رؤي وقناعات غالبية أفراد المجتمع. وبشكل عام، الحكومة قانوناً وتشريعاً وتنفيذاً وسلطة يراد منها أن تعكس تطلعات المجتمع بشكل عام، وليس فئة من فئاته سواءً المحافظة أو غيرها.

إلي متى سيظل المبدعون السعوديون يطبعون كتبهم خارج المملكة؟

حتي يتهيّأ لسوق النشر في السعودية المقومات الاقتصادية والتشريعية التي تتيح له أن يزدهر وينمو. اقتصادياً، تكلفة طباعة الكتب في السعودية مرتفعة بسبب ضعف العائد علي نشر الكتاب مقارنة بالعائد علي نشر المطبوعات التجارية والمواد الإعلانية، مما يجعل المطابع في السعودية تحجم عن قبول طباعة الكتب ما لم تكن بكميات كبري تعود عليها بعائد مجز، وهذه الكميات لا تطبعها الأعمال الأدبية غالباً. تشريعياً، تشترط المطابع السعودية فسح الكتاب من وزارة الثقافة والإعلام قبل طباعته، وهي عملية بيروقراطية طويلة نسبياً تجعل الكاتب يختصرها بطباعة الكتاب خارج السعودية ثم استيراده إلي السعودية عبر معرض الكتاب الذي لا يتطلب البيع فيه فسحاً من وزارة الثقافة والإعلام.

كيف تري ظاهرة الرواية السعودية وسعيها الحثيث لخلخلة ثنائية الثقافة المشرقية المغاربية وتدشين جناح ثالث للرواية العربية؟

أعتقد أن الرواية الخليجية بشكل عام أقرب للحلول تحت مظلة الرواية المشرقية من ناحية الأدوات الفنية والبناء السردي مع وجود بعض الاستثناءات هنا وهناك بطبيعة الحال، وبالتالي لا أجدها حتي الآن تشكل جناحاً ثالثاً، ولا أعتقد أن هذا ينبغي له أن يكون غاية للروائيين الخليجيين. ثنائية الثقافة المشرقية والمغاربية نشأت لأسباب سياسية واجتماعية خارج نيات الكتاب والروائيين أنفسهم، وبالتالي من غير المفيد أن يسعي الروائيين في الخليج إلا خلق ظروف مشابهة لوجه الاختلاف لا أكثر.

كيف تتأمل ثورات الربيع العربي بعيون المبدع؟

بعين الإنسان قبل عين المبدع.. تأملت الربيع العربي في بدايته بتفاؤل ما دام الشعب متفقاً علي أن يقول كلمته، ثم بتشاؤم بعد رؤية الدماء والانقسامات والاحتكارات السياسية تكتسح المشهد. لم يعد ربيعاً للأسف، أصبح دوامة من المواسم المخيفة التي لا تشي بخير.