وقفة مع محمد حسن علوان
على امتداد أسبوع كامل كنت ارتكب الشوق بإفراط، كنت أزور بريدي أكثر من المعتاد.. على أمل أن أعثر أو أتعثر بـ البريد المنتظر، البريد الذي يحمل شيئا من (محمد حسن علوان)
الكاتب الذي استطاع برائعته أن يرفع (سقف الكفاية) فأصبح كل ما بعدها ممل،،
هنا، الحواجز التي تداعت بعد أن سكب شيئا من روحه فيها، لتهبط علينا برداً و سلاماً..
أن تكونَ قريبًا كُل هذا الحد، وأن لا أُمارِسَ العبثَ الكثيرَ للوصول إليك أهو سلوُكُ الأُدباء، في الظهور والمخاطبة.. أم أنني سعيدة حظٍ فحسب؟
لا أعرف سلوكاً جمعياً اسمه (سلوك الأدباء)، ما أنا متأكد منه هو أنكِ (سيئة الحظ) إذ وصلتِ إليّ!
عن الأدب في المملكة، مراكزها وأعراسها الثقافية، نواديها، معرض الكتاب الأخير أين جمع علوان كفيِّه تشجيعًا.. وفي أيَّها تحفظ؟
أتحفظ على تسميتكِ (الأعراس الثقافية). من وجهة نظري لم نشهد عرساً مثل هذا بعد، و إن كانت البشائر تدعو للتفاؤل.
الثقافة في السعودية ما زالت محاصرة بمحاذير هائلة، وما زالت الثقافة متأخرة عن لعب دورها الحضاري المأمول في المشهد التنموي السعودي.
الجنادرية مثلاً كانت مؤهلة لتلعب دور الحدث الثقافي الأبرز، وهي كذلك فعلاً لو أنها تتخلى عن دعوة قائمة مكررة ومنتقاة ومفلترة من المثقفين حسب مواقفهم الآيديولوجية والسياسية، و معرض الكتاب حدثٌ مهم لو أنه يطرح كمهرجان ثقافي وليس كسوق لبيع الكتب وميدان للصراع التياري.
هذا بالإضافة إلى أن كل ما سبق يظلّ نشاطاً ثقافياً تحت المظلة الحكومية، مما يترك انطباعاً أن الثقافة ما زالت دون مستوى الجاذبية التي تجعل القطاعات الربحية وغير الربحية تتسابق لدعمها ورعايتها.
إذن.. الطريق طويل، ولكن الخطوات الأولى اتخذت. وهذا داع للتفاؤل.
لماذا تقام فلسفة رفض بعض المطبوعات، لدرجة الإحلال إلى الاستدعاء و التحقيق؟ أي جرم تحويه الكُتُب دون أن نشعُر؟
سلوك التوجس من الأفكار المختلفة شائعٌ في المراحل المبكرة من أعمار المجتمعات.
تدريجياً، سينضج المجتمع ويمارس السلوك الذي يناسب المرحلة.
تبدو لي ”سقفُ الكفاية“ نفسًا طويلًا، لم يُقتطع إلا حين إتمام 400 صفحة! كم احتاجت منكَ زمنًا وحضورًا بحق، وأي طقوس الكتابةِ مارستَ حينها؟
أكثر من سنتين قيد الكتابة، ولا طقوس خاصة سوى ذلك الإيمان بأن الصدق وحده هو العهد الذي بيني وبين القارئ.
ماذا ولماذا، ولمن يقرأ محمد حسن علوان؟
هذا سؤال يتكرر كثيراً، وأتجنبه دائماً. تعداد الأسماء التي أقرأ لها غير مفيد لأنه لا يعني شيئاً.
أنا أقرأ لأسماء مختلفة كل يوم، لهم مستويات متباينة، ومجالات متنوعة، لن يستفيد أحدٌ لو اطلع على خريطة قراءاتي لأنها لا تدلّ على شيء، ولا تقود إلى طريق.
ينساق بعض القراء و الإعلاميون و ذوي الغايات – على اختلافها – إلى إدانة الكاتب عبر كتاباته، تلك إشارة واضحة لاختلال نظام التلقي لدى الفرد.. هل واجهت من ذلك شيئًا؟
بالتأكيد، وهو يحدث يومياً، وسؤالك حمل التشخيص الدقيق لتلك الحالة.
أن تكون كُل (رواية / كتاب) قطعة وحالة فردية مُتجردة، فذاك شيء قد لن يخضع لسُلم المقارنة أللاواعي عند القُراء، ولا هو إشارة لدراسة النمو الثقافي،، فإلى أي مدى يتوجس الروائي تأثير أعماله السابقة على تلك المُستجدة.، فتكون ”أنتَ“ مُنافِسُكَ الأول.. ؟
القارئ يقرأ لكاتب معين لأنه يتوخّى منه منتجاً ما يناسب تطلعاته كقارئ، وهذا من حقه، الخيار بعد ذلك للكاتب في أن يستجيب لهذا القارئ المكتسب أو يعزل كتابته عن تأثير القراء، وما يقرره بهذا الشأن يعتمد على دوافعه الأصلية للكتابة.
فمنهم من يكرس كتابته لإرضاء القارئ الذي كسبه مسبقاً لأن الكتابة من وجهة نظره هي أداة تواصل، ومنهم من يظلّ منفتحاً على التجريب والاستجابة لحوافزه النفسية في الكتابة دون أن يعوّل كثيراً على ما يحدث بعد نشر الكتاب لأن الكتابة من وجهة نظره أداة تنقيب ذاتي في الكوامن الإنسانية.
أنا شخصياً لا أجدني مضطراً لاتخاذ أحد المسارين. ربما أكون منقاداً إلى خليط من الدوافع لم أتبينه حتى الآن. ما أعرفه هو أني أحرص على أن أستمتع بعملية الكتابة نفسها مثلما (قد!) أستمتع بما يحدث بعد النشر.
ضمن المُجتمع السعودي، ما هو برأيك التيار و المادة الثقافية الأكثر ”جموحاً“؟ و إن كانت هي ”الرواية“ أفتكون انعكاسًا على ثقافة الابتداع الخيالي العالي، وضحالة أو تخوُّف التعبير المُباشر، باختلاف قضايا الرواية – و إن تشابه معظمها؟
الرواية، كما عرّفها جورج طرابيشي، فنٌ متمحور حول الإنسان في مصائره الدنيوية، ضعي هذا التعريف في الحسبان عند مراقبتك للمجتمع السعودي في مرحلته الحالية المليئة بالتغيرات. أول ما يقلق الإنسان الذي يعيش في مجتمع متغير هو (مصيره) كشخص في طوفان التغيير. وهنا تأتي الرواية لطرح هذه الأسئلة المصائرية، وبرأيي أن هذا هو السبب الرئيس لرواجها الحديث في السعودية، مثلما أنها عندما راجت في المجتمعات الأخرى كان رواجها متزامناً مع تحولات مجتمعية كبيرة، وليس للأسباب الأخرى التي يروج لها البعض مثل المساس بالثالوث أو التنفيس عن كبت أو غيره.
ماذا في جيِّبك الأدبي الآن؟
أشياء عادية جداً!
نبضنا مجلة الكترونية / وليدةُ السنتين و نصف، مجهود طُلاب ومنسوبي الجامعة، ماذا تتمنى لها؟
أتمنى لها أن تستضيف كتّاباً أفضل مني في المرة القادمة حتى لا تضيع جهود وأوقات قرائها.