قال إن المطرب محمد عبده يحضر في غالبية قصص الحب السعودية
علوان: كل منتج فكري لا يستحق المنع… وأحلام مستغانمي أثرت فيّ
حوار/ هلا الجهني
لمحمد حسن علوان ثلاث روايات هي نصوص اللذة التي يعنيها الناقد رولان بارت في كتابه «لذة النص» هي الدال الفاخر حين تحرر من نفسك جسداً وتدخل فيها نصاً هو احدى روايات محمد علوان. هو المبدع الذي تمكن من خلق تعبير غير عادي من عالم عادي، تلك اللغة التي أشار لها الفيلسوف الفرنسي غوستون باشلار في كتابة «الماء والأحلام». لغة اختزال المجهول في طقس أو عادة، تلك اللغة التي تذوب في ماء الخلق فتتغير العلاقات بين الكلمات والأشياء ويدخل العالم في حال من الصور الجديدة. لعلوان إدراك مختلف للأشياء والعادات المألوفة، وتعبر أعماله عن حساسية جميلة ونادرة تجاه الأشياء إلى حد الخروج بها عن ألفتها المعتادة والتعبير عنها بفلسفات جديدة ومثيرة.
هنا حوار مع علوان حول تجربته الروائية، وعدد من القضايا.
حضور الحيز المكاني من أهم شروط الكتابة السردية، في أي من أعمالك كان للمكان الحضور الأقوى؟ وفي أي منها ترى ان للمكان دوراً جوهرياً بمصير الأحداث والشخصيات؟
الرياض كانت حاضرة بشكل كلي أو جزئي في الأعمال الثلاثة حضوراً ثقافياً واجتماعياً يتجاوز الجغرافي. ذلك أني قضيت معظم حياتي في مدينة الرياض ومازلتُ أعيش فيها، وأعتقد أنها ما زالت مدينة ملهمة، حزيناً كان إلهامها أو مبهجاً، أو قاسياً، أو متحفظاً. «سقف الكفاية» انقسمت بين الرياض وفانكوفر مثلما انقسمت (صوفيا) بين الرياض وبيروت، والانقسام المكاني بين مدينتين يفتح مساحة لاستبصار المدينة تحت ضوء مدينة أخرى، تمنح حزناً مختلفاً وحياة أخرى.
أشارت فيريجينا وولف اثناء حديثها عن الحداثة الى ان أي موضوع ممكن ان يصلح مادة لرواية، وأكثر المواضيع المتناولة في المشهد الروائي العربي هي الحب والموت والوطن، هل قدرة الروائي تكمن في اختيار مواضيع، أم في تناوله لتلك المواضيع بشكل مختلف وسرد معاصر؟
من أخطاء التلقي، في رأيي، الاعتقاد بأن الانتقال بين موضوع وآخر يعكس اتساع أفق الروائي، وحنكته السردية. الإنسان يكتب عن الحب والوطن والموت منذ بدأت الحضارة الإنسانية ولم ينته بعد، لأن الحب والوطن والموت هي رؤى حياتية تتجدد مع ولادة كل إنسان جديد على الأرض، وليست نظريات يمكن قتلها بحثاً وكتابة فتنتهي! الكثير من الروائيين كتبوا روايات تتمحور حول المواضيع نفسها، ولم يخرجوا عنها أبداً. التجريب والتجديد والقفز من عالم روائي إلى عالم روائي آخر، قد يكون فخاً يقع فيه الروائي تحت ضغوط القارئ الذي يمجّد الكاتب الذي يفهم كل شيء، ويكتب عن كل شيء. والحقيقة أن القارئ المحترف يبحث عن تناول مختلف، وليس عن مواضيع مختلفة بالضرورة.
صرح الروائي واسيني الاعرج بأن الكاتب العربي لابد أن يقطع كل الأسلاك الوهمية التي تفصله عن الحضارة، ويقول ايضاً انا لا أواجه بالمسدس بل أواجه صراعات عصري بالقلم، والذي فهمته هنا من كلمة قلم بأنه يعني «الكتابة الحداثية» فهل الاتجاه الحداثي في الكتابة والإرهاب ضدان في رأيك؟
الحداثة تتمحور حول قيم التغيير والتجديد، والإرهاب، في معظم دوافعه، يركز على التشبث بالأصل الدوغمائي، أو الانسلاخ بشكل ثوري، وكلتاهما حالتان متطرفتان. من هذه الزاوية يمكن أن نقول إن الحداثة ضد الإرهاب بطبيعتها، ولكن ليس بالإطلاق. فالحداثة مشروع فكري في النهاية، يمكن توظيفه لخدمة نزعات شريرة، وآيديولوجيات متطرفة أيضاً.
على رغم غنى تجربتك الروائية إلا أنني أجد قراءات نقدية قليلة لامست العمق الأدبي فيها، وأكثر القراءات كانت تنطلق من وضع البيئة الاجتماعية والدينية، ولم تحمل تصورات نقدية تنسجم مع قيمة تلك النصوص، كيف تفسر ذلك؟
من المتوقع أن يثير العمل الروائي الجديد ردود أفعال غير نقدية، أكثر من تلك النقدية المتخصصة. فنسبة القراء العاديين أكبر بكثير من القراء ذوي الهم النقدي، خصوصاً المستعدين للكتابة.
الكتابة الإبداعية أكثر من موهبة يفترض توافرها في الكاتب، المثاقفة والاطلاع على حضارات الأمم وأفكارهم وآدابهم وفنونهم ورموزهم إضافة إلى السفر، أجدها وسائل معرفية لإثراء حصيلة الروائي… إلى أي حد أفدت من تلك الوسائل؟
إلى الحد الذي تتيحه قدراتي المتواضعة! عشت بضعة سنوات في الغرب، وقرأت الكثير من الآداب الشرقية والغربية، ولكن الاطلاع والزيارة ليسا بالضرورة كل ما نحتاج إليه لإثراء المحصول المعرفي أفقياً وعمودياً. أيضاً، الكتابة الإبداعية لا تشترط الثقافة الواسعة دائماً، ولربما وجدنا نتاجاً أدبياً صادراً عن شخص لم يتجاوز ثقافة مجتمعه الصغير، ولم يطّلع على ما وراء ذلك. والشواهد كثيرة. الثقافة قد تكون عنصراً مساعداً، ولكنه ليس المحرك الأساسي للإبداع طبعاً.
مسألة تداخُل العلوم والتركيب بينها هي سمة الأعمال الإبداعية المعاصرة… إلى أي حد أفادك اطلاعك على علوم أخرى غير الأدب في عملية الكتابة الروائية؟
التاريخ، والفلسفة، وعلم الاجتماع، والأنثروبولوجيا، وعلم النفس كلها علوم صديقة للرواية. وعلى رغم أن تحصيلي منها ما زال محدوداً، إلى أني أجد منهما دعماً كبيراً أثناء الكتابة.
هناك من يربط بين لغتك ولغة أحلام مستغانمي… ما تعليقك؟
ذكرتُ في حوارات سابقة أني أحترم أحلام مستغانمي، وأحببتُ رواياتها كثيراً. أحلام استطاعت أن تفتح باباً جديداً للرواية، ولكني أعتقد أن أحلام وأنا كلانا تأثر بنزار قباني في مرحلة من المراحل. وأنا شخصياً قرأت في بداياتي لكتّاب كثر من المعتنين باللغة، وأزعم أن آثارهم ظهرت على كتابتي، وإنما بوضوح أقل. رواج روايات أحلام مستغانمي في الوقت نفسه الذي صدرت فيه روايتي الأولى جعل الربط بينهما بدهياً. حضور أسلوب أحلام في روايتي الأولى بالذات «سقف الكفاية» حقيقي، ولا يمكن نفيه، ولكن غيرها حضر أيضاً، ولم ينتبه الكثير من القراء لحضورهم.
استخدام تقنيات معينة في السرد كالإشارة لحدث ما في الرواية، وتأجيل الخوض في تفاصيله لفصل لاحق… تلك الأمور هل تتم بطريقة تلقائية أم نتيجة خبرة ومعرفة سابقة بتوظيف طرق السرد والوظائف الأسلوبية في علم البلاغة؟
ليست تلقائية، ولكنها جزء من البناء السردي الذي يكتمل ببطء شديد. ولربما أنهيتُ الصفحة الأخيرة من الرواية، ثم عدتُ لأجري تغييرات أساسية في فصولها الأولى.
اشتريت روايتك «طوق الطهارة» من معرض الكتاب الأخير الذي أقيم في الرياض قبل أشهر… فهل هذا الحدث يعتبر خطوة ايجابية في تحسن حال الرقابة عندنا في السعودية في مسألة الفسح للكتب، أم انك ترى بأن الرواية لا يوجد بها ما يستحق المنع؟
قياساً على أوضاع الرقابة في السابق، فإن كل انفتاح جديد يعتبر إيجابياً. لا يوجد منتج فكري يستحق المنع برأيي ما عدا تلك التي تتفق كل الأطياف الثقافية على ضررها المباشر على المجتمع، وليس ضررها (غير) المباشر. الكتاب الذي يحرض على الكراهية، والذي يعلمك كيف تصنعين قنبلة، والذي يوجّه أفكاراً معينة لفئة عمرية غير مستعدة تربوياً لها، هذه كلها كتب يتفق الجميع على منعها. أتمنى أن «طوق الطهارة» لم تكن أياً من هذه الأصناف السابقة!
تمكنت روائياً من خلال لقطة سردية خاطفة طرح مجموعة قضايا اجتماعية ونفسية، وهذا من خلال مشهد سارة في رواية «طوق الطهارة»… كيف تتمكن من تجنب الحشو وكيف تمسك بزمام السرد محافظا على تماسك بناء الرواية. وكيف يتمكن الروائي من التوفيق بين الجانبين الجمالي والبنائي أثناء السرد؟
الأمور التي ترين أني تجنبتها يتهمني بها قراء آخرون، وبالتالي لا أحد يمكنه الجزم بوقوعي فيها. ربما أني أكتب الرواية مرة أو مرتين، ولكني أيضاً أقرأها عشرات المرات قبل أن تخرج للقارئ. وفي كل مرة أعيد قراءتها أتخارج تماماً من شخصية الكاتب، وأتبنى زاوية قارئ مختلف الاهتمامات، وأحاول تعديل بناء الرواية، بناءً على ذلك.
نموذج المرأة في رواية «سقف الكفاية» استثنائي من النساء، امرأة نجحت في الوصول إلى سقف الأنوثة إلى حد تتساوى تحته النساء وتستحيل فوق النساء أيضاً، بحسب تعبيرك في الرواية… هل يمكننا أن نقرأ من الرواية معاييرك في الواقع في مسألة الحكم على الأنوثة؟
من الخطير جداً أن أربط رواياتي بواقعي، ولا أملك بعدُ جرأة أن أنكشف إلى هذا الحد. رواياتي تتكلم بألسن شخصياتها فقط، وتتفق آراؤهم مع بُناهم النفسية والاجتماعية والفلسفية، لا شيء أكثر من ذلك.
من أجمل الآراء التي قرأتها عن تصوير تجربة محمد عبده الغنائية، ما قرأته في روايتك الأخيرة «طوق الطهارة» كان رصداً جميلاً لانطباع أحد محبي هذا الفنان… هل للخيال الروائي دور في هذا المقطع السردي؟
الفنان محمد عبده له حضور لا يختلف عليه في قصص الحب السعودية، لا سيما في السنوات الثلاثين الأخيرة. ومن الصعب أن نمرّ برواية تحمل في ثناياها حكاية حب ما دون أن نشير إلى هذا الحضور من باب المحاكاة السردية الدقيقة.