الروائي السعودي المرشح بجائز بوكر القصيرة
صعود الشباب بالبوكر ليس تفوقاً
حوار/ كمال الرياحي
يعد الروائي السعودي محمد حسن علوان – صاحب ”صوفيا“ و”سقف الكفاية“ و”طوق الطهارة“ – واحدا من الروائيين الشبان الذين انتزعوا أحقيتهم بالحضور في المشهد الروائي السعودي والعربي على حداثة سنه.
وجاء ترشيح روايته الرابعة ”القندس“ في القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية، ليثبت أن شهادة الروائي السعودي غازي القصيبي فيه ومراهنة دار نشر كبيرة عليه لم تأت من فراغ.
الجزيرة نت التقت علوان ليتحدث عن وصول روايته إلى هذه المرحلة في جائزة البوكر، وعن مناخات الرواية وواقع الرواية السعودية والعربية.
بعد ترشح روايتك ”القندس“ في القائمة القصيرة للبوكر العربية، هل كنت تنتظر هذا التتويج، وما الذي يمثله لك؟
لم أنتظر أو أترقب، تمنيت فحسب. كان دخول الرواية للقائمة الطويلة مبهجا لي لأنه مدعاة لزيادة مقروئية الرواية وبالتالي تدعيم تجربتي بآراء شريحة أوسع من القراء، وبدخولها القائمة القصيرة أتمنى أن يتحقق ذلك فعلا.
برأيك ما الذي جعل هذه القائمة القصيرة تتشكل من كتاب شباب وأصوات روائية جديدة؟ هل تنتظر تتويجا نهائيا اليوم وقد انسحبت الأسماء الكبيرة وبقيت النصوص بلا ثقل اسمي؟
كوني لا أؤمن بوجود صراع أجيال بين كتّاب الرواية فإني لا أفترض وجود أسباب محددة غير الأسباب الفنية وراء غلبة الأسماء الشابة في القائمة القصيرة. وأنا ككاتب شاب أحذّر نفسي من أن أرى في خروج الأسماء الكبيرة من القائمة ودخولي فيها أي مؤشر على التفوق، فالمنافسة هنا كانت بين روايات مستقلة وليس بين العطاء الروائي بأكمله.
أتمنى أن يتحقق للقندس ما يقربها من قارئها ويوصل إليّ ما أحتاجه من نقد ورؤى متنوعة الطيف ومختلفة المشارب. أيضا خروج الأسماء الكبيرة لا يعني أن الأسماء المتبقية لا تشكل ثقلا.
القندس هذا الحيوان الاستثنائي والعائلي، كيف اقتنصته ليكون ذريعة لحكاية العائلة العربية والسعودية؟ هل ترى العائلة السعودية مهددة في انسجامها اليوم كما هو القندس؟
سلوك القندس يتقاطع مع السلوك البشري بشكل عام قبل العائلة السعودية. فالقندس هو أكثر الحيوانات القارضة قطعا للأشجار وتدميرا للبيئة ليبني سدوده بكل أنانية. إن هذا يكاد ينسحب على النمط العمراني الإنساني لا سيما في القرن الأخير، والإنسان يدمر الكوكب من أجل أن يعمر مدنه وحواضره.
وفي الرواية، تمت المقاربة بين سلوك القندس وسلوك عائلة سعودية واحدة، وهذا لا يعني أني أفترض شيوع هذا السلوك في مجتمع بأكمله، وبالتالي لا أرى تهديدا محدقا بالعائلة السعودية لتنوع مقوماتها واختلافها في كينونتها الاجتماعية.
الرواية الرومانسية في الوطن العربي أصابتها الكثير من التشوهات، وعلوان يعيدنا إلى عمق الرواية العاطفية. برأيك، في ظل زحمة الروايات الأيروسية وروايات الحركة والجريمة. هل بقي للرواية الرومنسية مكان لتقول شيئا آخر؟
أعتقد أن الرواية في العالم العربي حديثة نسبية ولم يتجاوز عمرها قرنا واحدا من الزمان، وبذلك لم تتح لها الفرصة بعد لتنقسم بشكل طبيعي إلى أنواع وأنماط تلبي كل ذائقة، ولكننا الآن بدأنا نشهد هذه الإرهاصات.
فثمة روائيون عرب بدؤوا يتخصصون في نوع معين من الرواية: تاريخي أو بوليسي أو رومانسي، ليلبوا نوعا معينا من الذائقة ويستجيبوا لمتطلباتها، وأنا أجد في ذلك تطورا طبيعيا لأي فن من الفنون لا بد أن ينقسم مع الزمن إلى فنون أكثر تخصصا واستجابة للفئة المتلقية.
وتخصص الروائي في نمط معين لا يعيبه، فمعيار الجودة هو الحكم في النهاية بحسب ما يراه متلقي رواياته. نخطئ أحيانا في محاكمة أنواع الرواية وتفرعاتها عندما نتجاهل أن لدينا ميولا شخصية تجاه نمط معين من الرواية نجده يمثل الرواية ككل، وبالتالي نتجاهل رؤى فئات أخرى تميل لأنماط مختلفة.
روايتك تأخذ مناخاتها من تجربتك في الولايات المتحدة، هل تعتقد أن الرواية العربية بحاجة لتغيير أجوائها أو فتح عوالمها على مناخات الآخر لتثري عالمها التخييلي الذي بات مكررا وضعيفا؟
الأمر لم يعد خيارا مطروحا، فالانكفاء على الذات في هذه الحقبة لم يعد تمسكا بجذر ولا إيمانا بمبدأ بل هو تجاهل لواقع وادعاء لتفرّد. إن الانكفاء على الذات يجعلك صلبا من الخارج كصدفة هشاً من الداخل بسبب ضعف المدخلات والمعطيات.
والأدب تحديدا هو قيمة إنسانية حرة لا يمكن لها أن تنمو إلى الأبد في نظام مغلق. وبالتالي فإن الانفتاح على الأدب العالمي ضرورة لا تتنافى مع التعمق في المحليّ والخاص. فنحن نتحدث هنا على مستوى الفضاء العام والأفكار العريضة، وليس تفاصيل السرد وأجواء الرواية.
أقمت مدة في الولايات المتحدة، ألم يشغلك الأدب الأميركي؟ وماذا يقرأ علوان من الآداب العالمية، وما مرجعياته؟
الأدب الأميركي منسجم مع ثقافته بشكل كبير، وبالتالي يمكن استنباطه أحيانا بمجرد المعايشة قبل القراءة. غير أنه بالفعل يعدّ أدبا مؤثرا وفاعلا من حيث قربه من واقع مجتمعه اليومي، وجريء في مقاربة مشكلاته بشكل يتفوق فيه على الحركة السياسية والشعبية بشكل عام.
شخصيا، تشدني رواية بسيطة من دولة لم أقرأ لأحد من كتّابها من قبل أكثر من رواية كبيرة من دولة أخرى ذات باع أدبي أطول. فقراءة الأدب العالمي هي محاولة استكشاف وتنقيب عن الجذر الإنساني المشترك، لكن ليس عندي مرجعية أدبية محددة حتى الآن على الأقل.
في رأيك، ما الذي ساهم في هذه النقلة النوعية للرواية السعودية وتصدرها المشهد الروائي العربي في السنوات الأخيرة؟
ربما تقاطع العمر الحضاري للمجتمع مع تسارع وتيرة التغيرات الثقافية، فعندما يحدث هذا في أي مجتمع تتفجر فيه الكثير من الأسئلة، وطريقة الروائيين في التعاطي مع هذه الأسئلة هو إعادة صياغتها وتصديرها للمجتمع.