القارئ الكويتي يملك حدساً عالياً
حوار/ محمد حنفي
بدأ الكاتب السعودي الشاب محمد حسن علوان (مواليد الرياض 1979) مع الشعر ثم جذبته الراوية، وجاءت ضربته الكبري عام 2013 عندما تم ترشيح روايته «القندس» ضمن القائمة القصيرة في الجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر العربي)، أصدر علوان أربع روايات هي: سقف الكفاية (2002)، صوفيا (2004)، طوق الطهارة (2007)، القندس (2011)، علوان يحل ضيفا على الكويت، حيث يفتتح فاعليات الملتقي الثقافي في موسمه الثالث في الخامس عشر من الشهر الحالي.. التقته ودار هذا الحوار.
بدأت بالشعر ثم اتجهت إلى الرواية، فلماذا جذبتك الرواية وهل قلت وداعاً للشعر؟
عندما يطرح عليّ سؤال كهذا أتجنب قدر المستطاع أن تبدو إجابتي مقارنة فنية بين الشعر والرواية، وأحاول أن أحصر المقارنة برمتها في إطار تجربتي الشخصية واحتياجاتي ككاتب. ومن هذا المبدأ أجيب بأن الرواية جذبتني لأنها تتيح لي مجالاً أوسع للتعبير عن مشاعر معقدة وحالات لا يمكن للشعر عادة أن يحللها ويفككها بقدر ما يمكن له أن يعبر عن تعقيدها بشكل جميل أحياناً. إن الرواية التي أكتبها تطرح أسئلة متعددة وتحاول أن تسلط الضوء على الحالات التي تستفحل فيها هذه الأسئلة في الأشخاص والمجتمعات، أما الشعر الذي كتبته فهو أشبه ما يكون بالبوح الخام الذي لا يسأل ولا يجيب بقدر ما يحاول أن يلقي عن كاهله الحالة بأكملها أمام من يقرأ.
من الشعر إلى الرواية
هل استفدت من أدوات الشعر في كتابة رواياتك؟
– لا أعلم إذا ما كنت استفدت منها أم تورطت فيها. الانتقال من الشعر إلى الرواية لم يكن سهلاً على اليد التي تكتب، ولعل هذا كان ظاهراً واضحاً في روايتي الأولى (سقف الكفاية).
بصراحة إنني لم أحلل هذا الأثر، ولا أدري هل كنت لأكتب رواية أفضل لو لم أكن قد كتبت الشعر أم لا. الإجابة عن هذا السؤال لا تفيدني على أي حال. صحيحٌ أن الكتابة خارج الكاتب نفسه محصورة بين أطر فنية تفرق بين هذا الجنس الأدبي وذاك.. أما في داخل الكاتب فهي خليط من الأجناس قد يجد بعضها نصيبه في التكون على شكل كتابة.. وقد تظل حبيسة صدره أبداً.
الرواية ديوان العرب في العصر الحديث، مقولة تتردد كثيراً في السنوات الأخيرة هل أنت من أنصارها؟
– أن مع مثل هذه المقولات إذا وقفت عند الحد الذي قيلت من أجله.. لتوضيح الصورة العامة للواقع، أما إذا تحولت إلى مقولة للتحريض على الجدل والمفاضلة بين الأجناس الأدبية وتضييع الأوقات فيما لا يجدي فلست من أنصارها. ولكنني أفضّل القول بأن الرواية لم يكن لها وجود من قبل، ثم هي تأتي لتأخذ لها مكاناً يناسبها في المرحلة الثقافية للمشهد. إن الرواية إذن لم تأت لتنافس الشعر في حضوره التاريخي في ثقافتنا العربية، بل إن المشهد الأدبي اتسع ليضم إليه جنساً أدبياً كان ضعيف الحضور من قبل. ومن سمات المشاهد الأدبية النشطة انفتاحها على الجديد الإبداعي وقدرتها على التأقلم مع التوجهات الثقافية للمجتمعات في تطورها الحضاري.
وصف لا بوح
بين روايتك الأولى «سقف الكفاية» وروايتك الرابعة «القندس» ما الذي تطور في عالمك الروائي؟
– بين الروايتين عشر سنوات كاملة، تغيرت فيها أشياء وظلت أشياء أخرى على حالها. أما ما تغيّر فلعل القارئ يلحظه من محاولة الاقتراب من اللغة الروائية التي تصف ولا تبوح، وتلون المشهد وتعكس الصورة أكثر من اللغة ذات اللون الواحد التي تبوح وتستخدم كل عناصر الرواية لخدمة هذا البوح الأحادي فقط. أما ما ظل على حاله فهو حرصي على أن يظل الصدق عنصراً رئيساً في كتابتي فلا أكتب مثلما يمارس الحرفيّ حرفته.. بل ما أشعر به وأجدني قادراً على كتابته بما يرضي ضميري الأدبي.
أنت تكتب عن بنية المجتمع السعودي، وتحديداً بناء الأسرة والمشاكل التي تواجهها، فكيف تنظر إلى قدرة الأسرة السعودية على معايشة اللحظة الراهنة؟
– الأسر السعودية متنوعة المشارب ومختلفة الأعراق ومتعددة الرؤى، قد تجمعهم قاعدة اجتماعية واحدة وظروف مشتركة، ولكن أثر ذلك على كل أسرة يزداد اختلافاً وتميزاً كما هو حريّ بمجتمع يافع. لا أرى شخصياً – من واقع معرفتي السوسيولوجية المحدودة – شيئاً تمر به الأسرة السعودية لم تمر به الأسر في مجتمعات أخرى. كل مجتمع له مساراته التي تناسب عمره الحضاري ومرحلته الراهنة، والرواية ترصد تلك التغيرات بما أوتيت من أدواتٍ تحرض على المراقبة والرصد.
تجربة البوكر
دخلت روايتك الرابعة «القندس» لقائمة البوكر القصيرة، صف لنا تجربتك مع البوكر؟
– كانت تجربة منعشة ومشجعة. نزعم أحياناً ككتّاب أننا نملك ما يكفي من الحوافز الذاتية التي تمكننا من الاستمرار في الكتابة حتى لو لم يلحظ ذلك أحد. صحيح أني أجد لديّ رغبة شخصية في الاستمرار بالكتابة لتلبية لحاجاتي الروحية والمعنوية.. ولكني أؤمن أيضاً أن الكتابة هي عملية تواصل سامية. هكذا، كانت «البوك» تذكيراً لي بأن الحضور في المشهد الأدبي نافعٌ للكتابة ومنعشٌ لها، ويحرض على المزيد منها.
كيف تقيم الرؤية النقدية لتجربتك الروائية؟
– القليل جداً من النقد الذي تناول رواياتي يمكن أن يعد منهجياً ويطرح رؤية تحليلية وتفكيكية للنص، في مقابل الكثير من القراءات النقدية العابرة التي تحاول وصف النص وتصنيفه مع بعض الرؤى الانطباعية فحسب. وبطبيعة الحال أن أتحدث عما نُشر وما نقد واطلعت عليه مستثنياً ما قد يكون قد نشر في دراسات أكاديمية لم يعرضها عليّ أصحابها.
لماذا توقفت عن كتابة المقال الصحفي في الصحافة السعودية؟
– هذا التوقف جاء بعد خمس سنوات من الكتابة الأسبوعية المنتظمة، تزامنت بعدها عدة ظروف جعلتني أقرر التوقف، بعضها شخصيّ بسبب ارتباطي بدراسة الدكتوراه وما تستدعيه من جهد ووقت، وبعضها عام بسبب تلوث الأفق المقاليّ في الصحافة السعودية بتداعيات الربيع العربيّ مثل تزايد الصراع الايديولوجي وتسرب النفس الطائفي إلى الصحافة. رأيت أن أتوقف عن الكتابة قليلاً ريثما أستجمع رؤى وأفكاراً تستحق أن تكتب وتطرح على قارئ الصحيفة، وحتى الآن دام توقفي عاماً ونصف العام.. وبالتالي ربما أعود قريباً إلى كتابة المقالة متى وجدت مساحة مناسبة في صحيفة خليجية.
تنوع معرفي
أنت حاصل على بكالوريوس نظم معلومات وماجستير في إدارة الأعمال وتعدّ رسالة الدكتوراه في التسويق الدولي وهي تخصصات بعيدة عن الأدب هل لهذا تفسير؟
– مساري الدراسي والمهني محبب إليّ وقد استمتعت بمراحله واستفدت من الآفاق التي جعلتني أشرف عليها. دراسة الأدب لا تعني كتابة أدب أفضل، ولكن ثمة دلائل عديدة على أن اتساع الأفق المعرفي وتنوع مصادر المعرفة تلقي بآثار إيجابية على الكتابة الأدبية كما شهد بذلك بعض كبار الكتاب العالميين.
ستحل ضيفاً على الكويت في أمسية للملتقى الثقافي الذي يديره القاص والروائي طالب الرفاعي، فهل هي الزيارة الأولى، وكيف تنظر إلى المشهد الأدبي الكويتي؟
– زياراتي القليلة جداً للكويت لا تعكس شعوري تجاهها كوطن ثانٍ أتمنى لو أن سنحت فرص كافية لأن أمكث فيها وقتاً أطول. أما الملتقى الثقافي فستكون المرة الأولى التي أحل ضيفاً عليه وأتمنى ألا أكون ضيفاً ثقيلاً. أما المشهد الأدبي الكويتي فهو يلعب دوره المؤثر ضمن إطار المشهد الخليجي والعربي بشكل عام، والكويت مشهود لها بالريادة فنياً وثقافياً منذ عقود ولا أظنها بحاجة إلى من يؤكد جدية مشروعها الروائي وازدهاره. وإزاء كتّاب الكويت تجدر الإشارة إلى وجود قارئ كويتي جادٍ بالفعل يملك حدساً قرائياً عالياً وذائقة مميزة.